باريس تستدعي سفيرة سوريا وتندد بـ«إهانة» رموز الجمهورية الفرنسية

توتر شديد في العلاقات الفرنسية ـ السورية على خلفية التعرض للسفارة الفرنسية

السفيرة السورية لدى فرنسا لمياء شكور
TT

شهدت العلاقات الفرنسية - السورية في الأيام الثلاثة الأخيرة توترا ملحوظا على خلفية الزيارة التي قام بها السفير الفرنسي في دمشق اريك شوفاليه، كنظيره الأميركي فورد، يوم الجمعة الماضي إلى مدينة حماه وذهابه إلى مستشفى المدينة ولقائه معارضين، الأمر الذي اعتبرته سوريا تدخلا في شؤونها الداخلية وانتهاكا لاتفاقية فيينا الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي.

وزاد الطين بلة تعرض مواطنين سوريين للسفارة الفرنسية في دمشق وللقنصلية في حلب من غير أن تحرك القوات الأمنية السورية الموجودة في محيط المبنيين ساكنا، وهو ما اعتبرته باريس ضمنا تشجيعا لهم على مهاجمة المبنيين اللذين يتمتعان بالحصانة الدبلوماسية.

وردت باريس على استدعاء سفيرها في دمشق إلى وزارة الخارجية السورية وعلى الأحداث التي اعتبرت أنه «لا يمكن قبولها» بأن استدعت بدورها السفيرة السورية لدى فرنسا لمياء شكور مساء الأحد وهو أمر نادر في العرف الدبلوماسي باعتبار أن الأحد يوم عطلة رسمية. واستقبل السيدة شكور مدير مكتب وزير الخارجية السفير هيرفيه لادسوس.

وأدانت فرنسا «بأقصى العبارات» تعرض سفارتها في دمشق بعد ظهر أمس إلى عملية اقتحام من متظاهرين سوريين هي الثانية من نوعها في ظرف 48 ساعة. وأدت العملية الثانية إلى جرح 3 من موظفي السفارة لم تعلن هوياتهم حتى مساء أمس. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية إن حرس السفارة من الفرنسيين اضطروا إلى إطلاق النار في الهواء لمنع تكاثر الداخلين إلى حرم المبنى الذي يتمتع ككل السفارات في العالم بالحصانة الدبلوماسية.

واتهمت باريس وكما كانت فعلت ذلك مساء أول من أمس قوات الأمن السورية بعدم التدخل ما يفهم منه أن ما حصل كان إما بدفع من السلطات السورية أو بموافقتها الضمنية. ووصف فاليرو ما حصل للسفارتين الفرنسية والأميركية بأنه «أعمال قرصنة» متهما السلطات السورية بـ«الإخلال بالتزاماتها» إزاء ما يفرضه القائمون الدولي وتحديدا معاهدة فيينا الخاصة بالبعثات الدبلوماسية وبأن دمشق تسعى من خلال هذه الأعمال إلى حرف الأنظار عن الوضع في سوريا والمطالبة بوقف القمع والقيام بإصلاحات حقيقية.

ونقلت أخبار إلى باريس مفادها أن حرس السفارة أوقف متظاهرين سوريين وأن بعض زجاجها تحطم بفعل رشقه بالحجارة ، وأن علمين سوريين علقا على حائط السفارة المحاطة بالأبنية السكنية.

وأصدرت الخارجية الفرنسية مساء أول من أمس بيانا تميز بحدة لهجته إذ جاء فيه أن غرض استدعاء السفيرة السورية «تقديم احتجاج شديد» ضد المظاهرات التي حصلت مساء السبت أمام السفارة في دمشق والقنصلية في حلب والتي «تميزت بإهانة رموز الجمهورية (الفرنسية) كإحراق الأعلام الفرنسية وإلحاق أضرار بالمبنيين وتدمير سيارات (تابعة لهما) من غير أن تتحرك قوات الأمن بتاتا لمنع حصول هذه الأعمال التي لا يمكن وصفها». واعتبرت باريس أن ما حصل «انتهاك فاضح» لمسؤولية السلطات السورية التي تنص عليها معاهدة فيينا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية.

وفي المقام الثاني، أعربت الخارجية الفرنسية عن «ذهولها» لاستدعاء سفيرها في دمشق وتسليمه احتجاجا على زيارته مدينة حماه «من غير إذن مسبق». وذكر بيان الخارجية بأن معاهدة فيينا تمنح رؤساء البعثات الدبلوماسية «حرية التنقل الكاملة» في البلدان المنتدبين فيها وهو «ما تتمتع به سفيرة سوريا لدى فرنسا». ورأت باريس أنه «من غير المجدي» توجيه اللوم للسفير الفرنسي «لأسباب خفية».

وأبعد من الاحتجاج الظرفي، اغتنم مدير مكتب الوزير جوبيه فرصة استدعاء السيدة شكور لإبلاغها رسالة مثلثة الأضلع: اعتبار باريس لجوء السلطات السورية إلى استخدام العنف ضد السكان أمرا «لا يمكن قبوله» كما أنه لا يمكن قبول أن تصم السلطات أذنيها عن المطالبة الشعبية بإصلاحات. وأخيرا، رأت باريس أنه لا يمكن قبول أن تقف الأسرة الدولية موقف المتفرج ولا تتحرك من أجل حماية السكان المدنيين أو للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن باريس تحمل السلطات السورية مسؤولية المحافظة على سلامة الموظفين الفرنسيين والبعثات الدبلوماسية الفرنسية في سوريا.

وتعتبر مصادر دبلوماسية في باريس أن رد الفعل السوري ليس تعبيرا عن غضب دمشق إزاء زيارة السفير الفرنسي إلى حماه بل إزاء مجمل السياسة الفرنسية المتشددة التي تتبعها باريس منذ انطلاقة أحداث سوريا. وتشير هذه المصادر إلى أن باريس كانت أول من طرح نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي وأول من طالب بفرض عقوبات على سوريا تطال الرئيس السوري وأقرب المقربين منه وهو ما حصلت عليه بدعم بريطاني. كذلك، فإن باريس ما زالت تعمل من داخل مجلس الأمن لإصدار قرار أو بيان يدين القمع في سوريا واللجوء المنهجي إلى العنف وضرب المتظاهرين. وفي السياق عينه، تشير المصادر الدبلوماسية إلى أمرين إضافيين: الأول، اعتبار الوزير جوبيه أن الرئيس السوري «فاقد للشرعية» لأنه أمر بفتح النار على شعبه والثاني قوله مؤخرا إن الرئيس الأسد لم يعد يتمتع بالمصداقية اللازمة لقيادة العملية الإصلاحية وإن قدرته على تحقيقها أصبحت «معدومة».

وأمس، وصف جوبيه، في حديث لصحيفة «سود أوست» قمع السلطات بأنه «وحشي» وأن رفض روسيا لقرار من مجلس الأمن سببه التخوف من أن يكون مقدمة لتدخل عسكري كما حصل في ليبيا.