باريس تنفي وجود مفاوضات مباشرة مع نظام القذافي وتتحدث عن تمرير رسائل

فرنسا تريد حلا سياسيا ووزير دفاعها لا يرى غضاضة في السير به مع وجود القذافي

TT

يناقش البرلمان الفرنسي، بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، اليوم، مصير الحرب في ليبيا بعد ما يقرب من أربعة أشهر على بدايتها، وذلك وفق ما ينص عليه البند 35 من الدستور الفرنسي. وينتظر أن تطرح الحكومة مسألة الاستمرار في الحرب على المجلسين، وهي تتوقع في الحالتين أن تحصل على دعم الهيئتين التشريعيتين لسببين اثنين: الأول، أنها تتمتع بأكثرية مريحة لدى النواب والشيوخ. والثاني لأن المعارضة الاشتراكية واليسارية، في غالبيتها الساحقة، تدعم التدخل العسكري الذي كانت باريس من أشد مناصريه، بحيث كانت الأولى التي أرسلت طائراتها فوق ليبيا لأول مرة في 19 مارس (آذار) الماضي بعد ساعات من تصويت مجلس الأمن على القرار 1973. غير أن شبه الإجماع «الوطني» لا يعني إعطاء شيك على بياض» للرئيس ساركوزي وحكومته، إذ إن الأسئلة المطروحة فرنسيا (وأطلسيا) اليوم، تتناول مدة الحرب وأهدافها وكيفية الانتهاء منها والمرحلة اللاحقة عليها. والحال، أنه لا الحكومة الفرنسية ولا أي حكومة أخرى تملك إجابات عنها. وأمس، نفت باريس أقوال سيف الإسلام القذافي في حديثه لصحيفة «الخبر» الجزائرية، حيث أكد أن طرابلس «تتفاوض مباشرة» مع باريس، وأنها أرسلت مبعوثا إليها التقى الرئيس ساركوزي. غير أن النفي الفرنسي بقي ضعيفا وتناول المباحثات المباشرة دون غيرها. وقال الناطق باسم الخارجية أمس، إن فرنسا «أكدت دائما أنها تدعم حلا سياسيا. ليست هناك مفاوضات مباشرة بين فرنسا ونظام القذافي. غير أننا نمرر له الرسائل بالتفاهم مع المجلس الوطني المؤقت (المعارضة في بنغازي) ومع حلفائنا». أما عن طبيعة هذه الرسائل، فقد وصفها برنار فاليرو بأنها «بسيطة وواضحة وتعني أن أي حل سياسي يمر برحيل القذافي عن السلطة وتخليه عن أي دور سياسي». غير أن كلام الخارجية الفرنسية، على الرغم من وضوحه، لا يخفي المشكلة الرئيسية، وهي: كيف التخلص من القذافي بعد أربعة أشهر من القصف الجوي الأطلسي الذي يقول عنه جنرال فرنسي سابق، إنه وجه إلى كل الأهداف الممكنة في ليبيا من غير أن يؤدي إلى تداعي نظام القذافي؟

وزيرا الخارجية والدفاع، ألان جوبيه وجيرار لونغيه، حاولا «تعريف» الحل السياسي. فقد أعلن الأول صباح أمس، أنه «يجب أن يبدأ بوقف حقيقي لإطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة». وقال الثاني إن وقف عمليات القصف الجوي يمكن أن يتم «عندما يجلس الليبيون إلى طاولة واحدة ويبدأون بالحديث في ما بينهم، ويعود الجنود من أي أفق جاؤوا إلى ثكناتهم». وفي الحالتين، لم يشر أي وزير إلى ضرورة تنحي العقيد القذافي قبل البدء بأي حوار، مما يمثل بداية تغير في موقف باريس التي التزمت، حتى الآن، الموقف الأكثر تشددا من نظام القذافي.

وكان لونغيه الأكثر وضوحا، عندما أعلن أن القذافي «يمكن أن يجلس في غرفة أخرى من قصره بلقب آخر»، مما يعني عمليا، القبول بأن يتم التحاور معه، وهو الأمر الذي رفضته، سابقا، المعارضة مدعومة من دول التحالف. وكانت باريس تردد سابقا أن «لا دور» للقذافي في الحل السياسي، لذا، فإن النقاش الدائر اليوم داخل الدوائر الفرنسية ومع المجلس المؤقت والحلف الأطلسي والبلدان المشاركة في العمليات العسكرية، يدور حول كيفية تخطي «عقبة» القذافي، ومعرفة ما إذا كان خروجه من السلطة وبقاؤه في ليبيا أو رحيله عنها شرطا لبداية المسار السياسي أم نتيجة له، مع التأكيد، سلفا، أنه «ليس للقذافي دور في ليبيا الغد» كما تقول المصادر الفرنسية. وفي هذا السياق، يبدو أن الوزير جوبيه أخذ يعول على دور للوساطة الأفريقية، إذ قال أمس، في مقابلة صحافية، إن «غالبية الدول الأفريقية وعت أنه يتعين على القذافي الرحيل. والسؤال ليس معرفة ما إذا كان سيرحل بل متى وكيف؟ هل يبقى في ليبيا شرط تخليه عن العمل السياسي؟ هل يخرج من ليبيا مع ضمانات؟ ليس لدي جواب، ولكن الاتحاد الإفريقي يعمل على ذلك، ووساطته مفيدة، ونحن نتمنى مشاركته في اجتماع لجنة الاتصال بإسطنبول في 15 الحالي».

ويأتي حديث باريس المتواتر عن الحل السياسي، في وقت أخذ الرأي العام يتساءل عن استطالة الحرب وكلفتها. وكانت باريس تعول على حرب قصيرة «تقدر بالأيام والأسابيع وليس بالشهور» وفق كلمة جوبيه. والحال، أنه على الرغم من التقدم الذي أحرزته قوات المعارضة المسلحة بدعم جوي أطلسي وتقديم خبرات عسكرية وتدريب وأسلحة، فإنها لم تربح حتى الآن معركة يمكن أن تكون حاسمة. ويرفض المسؤولون الفرنسيون الحديث عن «الغرق في الرمال الليبية». ولكنهم في أي حال لا يستطيعون الخروج من ليبيا التي انخرطوا فيها بشكل عميق من غير «انتصار ما»، بعد أن أرسلوا أفضل طائراتهم، وحاملة الطائرات شارل ديغول التي تعمل بالدفع النووي، والطوافات العسكرية، وألقوا الأسلحة من الجو للثوار. وأفضل انتصار هو تنحية القذافي على الرغم من أن ذلك غير منصوص عليه في قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973. لكنه أصبح، مع مرور الوقت، الهدف الفعلي والواضح بالنسبة للجميع. والسؤال: كم سيمضي من الأسابيع والشهور قبل أن يتحقق؟