الموصل تواجه مستقبلا مجهولا مع انسحاب القوات الأميركية

تبدو مثل سجن يشوبه التوتر.. والثقة شبه معدومة بين العرب والأكراد

TT

بدت ثالث أكبر مدينة عراقية، خلال أغلب سنوات العقد الماضي، أشبه بباحة سجن متوتر، انتشرت في الكثير من شوارعها الأسلاك الشائكة، وحاول سكان المدينة تفادي الاتصال بلغة الأعين، نتيجة انعدام الثقة بين العرب والأكراد.

أغلقت الأسلاك الشائكة الأحياء، خلال العمليات التي شنتها قوات الأمن العراقية والأميركية ضد التمرد السني، على الرغم من اعتراف مسؤول الشرطة المحلية بأن الأطفال الصغار كانوا يعتبرون المتمردين - لا الشرطة أو الجيش - أبطالا.

ومع خفوت صوت هذه المعارك، أخذت هذه الأسلاك الشائكة تتقلص رويدا رويدا لتترك أغلب هذه الشوارع في الوقت الراهن مغلقا بصورة جزئية، لكن كحال الأسلاك الشائكة ذاتها لا تزال الموصل مدينة يمكن أن تنجرف إلى أي الاتجاهين، إضافة إلى المخاوف التي تنتاب جميع الأطراف مع استعداد القوات الأميركية للانسحاب هذا الشهر من نقاط التفتيش التي لا يزالون يديرونها مع القوات العراقية بما فيها البيشمركة الكردية.

ويقول الفريق أحمد حسن علي الجبوري، قائد قوات الشرطة الاتحادية في المنطقة، الذي تعرض للاختطاف ومحاولة اغتيال وتم تفجير منزله في حوادث منفصلة منذ عام 2004: «لا يمكن أن تنظف المدينة خلال عام أو عامين من كل الإرهابيين. إنها عملية تجري بشكل يومي، لكن الأوضاع آخذة في التحسن».

تضم مدينة الموصل، الواقعة على ضفاف نهر الفرات في محافظة نينوى وسط مجموعة من أقدم الكنوز الدينية والأثرية، قوميات وعرقيات سنية وكردية ومسيحية، لكن في أعقاب سقوط نظام صدام حسين، أكدت الاضطرابات في الإقليم عدم قدرة الولايات المتحدة على إخضاع التمرد والانقسامات الدينية والعرقية التي اندلعت في كل أنحاء البلاد تقريبا.

اندلعت الصدامات بين الميليشيات المسلحة الكردية والسنية، بينما وجدت الأقلية المسيحية، التي كانت خاضعة لحماية صدام حسين، نفسها تتعرض لعمليات اعتداء وحشية على أيدي المتطرفين الإسلاميين. وأصبح المتمردون والإرهابيون غاية في الجرأة، حتى إنهم تمكنوا من السيطرة على غالبية مراكز الشرطة، وأقاموا مسيرات مسلحة في الأحياء، بحسب مسؤولين في الموصل.

على الرغم من تراجع حدة العنف، فإن الانسحاب الوشيك لـ15 ألف جندي أميركي، الذين لا يزالون متمركزين دفع المسؤولين إلى التحذير من أن محافظة نينوى، ربما تتحول مرة أخرى إلى بؤرة مشتعلة، في الوقت الذي يناضل فيه المسؤولون الحكوميون لإثبات قدرة العراق على الاضطلاع بالأمن فيه.

وحتى الوقت الراهن، لا تزال الفرقة الثانية بالجيش العراقي تسيطر بشكل كبير على الجانب الشرقي السني من الموصل بقوة تتألف من جنود في الكثير من نواصي الشوارع، بينما تقوم الشرطة بحماية التنوع الإثني على الجانب الغربي من المدينة. تدار هذه المناطق المشتركة من قبل القوات الأميركية والعراقية بهدف تخفيف التوتر بين العرب والأكراد في المناطق المتنازع عليها على أطراف المدينة.

وكما هو الحال في بغداد، التي تواجه هي الأخرى شكوكا إزاء المستقبل، يتوقع أن تشكل الموصل والمناطق المحيطة بها اختبارا جوهريا لمدى قدرة رئيس الوزراء، نوري المالكي، على السيطرة على المناطق المدنية، ومدى قدرة القادة المحليين على تحمل التوتر المتزايد بشأن نقص الخدمات، وكذلك قرار السنة بالتحول إلى السلاح أو الوساطة للتعامل مع مخاوف العزلة المتنامية.

ويقول ديلدار زيباري، كردي يعمل نائبا لرئيس المجلس المحلي: «إذا لم يحدث استقرار في نينوى، فلن يستقر باقي العراق».

بيد أنه حتى الوقت الراهن يرى الأميركيون الموصل مثالا على نجاح جهودهم في الشركة مع القوات العراقية لتعزيز التدريب، في الوقت الذي تسارع فيه من جهود قتل واعتقال المتطرفين.

ويقول اللفتنانت كولونيل، جيرالد بوسطن، القائد في فرقة المدرعات الأولى بالجيش الأميركي، التي تساعد في تدريب وحدات الجيش العراقي بالقرب من الموصل: «الوضع الراهن يسير على نحو جيد، طالما أن الأفراد آمنون فسوف يعطي ذلك السياسيين المساحة الزمنية والمكانية للتوصل إلى حلول.

وعلى الرغم من آثار طلقات الرصاص ودمار القنابل التي لا تزال تسم الكثير من مباني الموصل، عاد المتسوقون إلى وسط المدينة؛ حيث فتحت المتاجر أبوابها لما بعد الغسق، وعادت الشرطة والجنود العراقيون يشعرون بالشجاعة مرة أخرى.

وقال فارس عياد (21 عاما)، وهو جندي في الجيش العراقي: «عندما كنا نرغب من قبل في الذهاب إلى القاعدة والعودة منها، كان علينا أن نسير عبر طرق وعرة. لكننا الآن نستخدم الطرق الرئيسية وسياراتنا المدنية في العودة إلى منازلنا».

على الرغم من ذلك، لا تزال الموصل واحدة من أكثر المدن خطورة في العراق، وهو ما يؤكد مدى صعوبة تقييم الطبيعية التي تبدو عليها الأوضاع في بلد مزقته أكثر من ثماني سنوات من الحرب.

وتكشف التقارير اليومية عن العنف في الموصل استمرار التفجيرات وعمليات الاختطاف والاغتيالات، والبعض منها يتم تنفيذه عبر حيل محكمة؛ حيث يقيم الإرهابيون نقاط تفتيش للشرطة لاستهداف الضحايا المطمئنين.

وفي مارس (آذار) الماضي، تم تحرير محافظ نينوى، أثيل النجيفي، وأخوه، أسامة النجيفي، رئيس البرلمان العراقي، بعد أن أوشك المتظاهرون الغاضبون من نقص الخدمات على اجتياح المبنى.

وأشار النجيفي إلى أن الجيش الخاضع لسيطرة المالكي لم يقدم ما يكفي لحماية مبنى المجلس المحلي.

وتزايدت حدة التوتر، الشهر الماضي، بعد اقتراح أسامة النجيفي، رئيس البرلمان، بإنشاء إقليم سني يخضع لحكم شبه مستقل، مشابه لإقليم كردستان، مما تسبب في اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد، وسارع المسؤولون المحليون السنة بالتنصل من الفكرة. لكن قادة السنة أبدوا قلقهم في الوقت ذاته من أن تحاول قوات البيشمركة فرض المزيد من السيطرة على المدينة، في أعقاب رحيل القوات الأميركية.

ويقول عبد الرحيم الشمري، السني الذي يرأس لجنة الأمن بالمجلس المحلي: «ربما نواجه مشكلات ضخمة».

ووسط هذه التحديات الأمنية، ومنظر طبيعي تنتشر فيه الأبقار والماعز على أكوام النفايات القريبة من شوارع المدينة، لا يزال الدبلوماسيون الأميركيون يتشاورون، ما إذا قدر لهم ذلك، حول طبيعة الدور الذي يمكنهم لعبه في الموصل، في أعقاب رحيل القوات الأميركية. ووفق الخطط الرامية إلى استمرار جهود استقرار العراق، تخطط وزارة الخارجية لاستدعاء ما يزيد على 17000 دبلوماسي ومتعاقد ليحلوا محل العسكريين الأميركيين. كما تخطط الولايات المتحدة لإنشاء قنصلية لها في الموصل، كما فعلت في السابق بالبصرة بجنوب العراق.

لكن السفير الأميركي لدى العراق، جيمس جيفري، قال إن هذه الخطط متوقفة، وسط نتيجة مخاوف أمنية ومالية. وقال جيفري: «هناك عدد من الأسئلة، بما في ذلك مسألة الاستدامة، لكن علينا الانتظار، وأن نرى ما سيجري في الموصل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»