ناشط مسلم في مينيسوتا يناضل بمفرده من أجل مكافحة الإرهاب والدفاع عن دينه

أطلق عليه لقب «الصومالي الخارق» نتيجة لجهده الكبير لمنع الشباب من التطرف

عبد الرازق بيهي
TT

كان يتعين على عبد الرازق بيهي الذهاب إلى اجتماع بعد الظهيرة لمناقشة مسألة عاجلة تتعلق بالأمن القومي، ولكن كان يتعين عليه كذلك اقتراض 10 دولارات لشراء وقود لسيارته القديمة التي ظلت بلا وقود لعدة أيام، مما اضطره لركوب دراجة للفتيات الصغار يكتسي مقودها باللون الأرجواني في مشهد غريب حيث كان يقودها وهو يرتدي قميصا ورابطة عنق. والآن يتعين عليه أن يسافر لمسافة 10 أميال على الطريق السريع وأن يتحرك بسرعة كبيرة.

خرج بيهي من شقته الموجودة بمبنى شاهق وأوقف أحد الأصدقاء على الرصيف وناشده الحصول على قرض قائلا: «إنني احتاجها لسبب وجيه»، وأعطاه الصديق مبلغا صغيرا من المال. وبعد ذلك، قاد بيهي سيارته للتحقيق في قضية الفكر الجهادي المنزلي.

وخلال الأيام القليلة الماضية، قام بيهي (46 عاما) بتجميع بعض القرائن: فرح محمد البليدي (27 عاما) كان يعيش في ولاية مينيسوتا وترك الدراسة في المرحلة الثانوية وانضم إلى إحدى العصابات التي تطلق على نفسها لقب «الدامية». وتم اعتقاله بسبب طعنه لشخص أثناء مباراة لكرة القدم وخرج بعد عامين ليصبح مسلما متطرفا وينشر قصصا عن «الحيات المتحدة الأميركية» ويجتمع برجال آخرين في أحد المراكز التجارية بمينيابولس ليحدثهم عن الجهاد.

وانتقل البليدي بعد ذلك إلى الصومال وانضم لجماعة الشباب الإسلامية المتطرفة التي لها علاقات بتنظيم القاعدة وتطلعات لمهاجمة الولايات المتحدة الأميركية. وكشف موقع إرهابي على الإنترنت النقاب عن تسجيل صوتي للبليدي في وقت مبكر من هذا العام يقول فيه: «أود أن أتحدث إلى إخواني وأخواتي هناك في الغرب أو في أي مكان: أيها الإخوة، حي على الجهاد، ولتموتوا كالأسود».

وفي أواخر شهر مايو (أيار)، قام انتحاري بتفجير نفسه وثلاثة آخرين في مقديشو، وأظهرت الصورة التي تم أخذها من مسرح الجريمة، البليدي وهو ملقى على الأرض وزيه العسكري ممزق.

وبعد مرور أسبوع على الهجوم القاتل، سار بيهي للقاء زوجة أب البليدي في شقتها القريبة من مدينة سانت بول. وقضى بيهي السنوات الثلاث الماضية في عقد اجتماعات من هذا القبيل. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الأميركية يعتمدان على مساعدته أثناء التحقيقات، وكان بيهي موجودا في إحدى جلسات الاستماع في الكونغرس في مارس (آذار) الماضي حول التطرف بين المسلمين الأميركيين.

وقال بيهي: «يتحول المزيد من الشباب الصغار إلى إرهابيين، وتواجه مزيد من العائلات التفتت والتشرذم، ولا شيء يتغير أبدا».

لقد أراد بيهي أن يقدم تعازيه إلى زوجة الأب ويشجعها على التعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكنه كان لديه أيضا بعض من الفضول لمعرفة كيف حدث ذلك أو كيف يحدث هذا مرارا وتكرارا؟

ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، هناك 51 حالة هجوم أو تخطيط لهجوم في الولايات المتحدة من قبل أشخاص تبنوا الفكر الجهادي منزليا، وتفيد تقارير السلطات الأمنية بتزايد وتيرة تحول الشباب إلى الجهاد منزليا. وتتفوق الجالية من أصل صومالي في مدينة مينيابولس الأميركية والتي يبلغ تعدادها نحو عشرة آلاف نسمة، على جميع الجاليات الأخرى في معدل تحول الشباب إلى الفكر الجهادي.

واختفى 25 شابا على الأقل خلال السنوات الثلاث الماضية، ثم ظهروا في صفوف حركة الشباب الصومالية، بينما يتم التحقيق مع أو بشأن عشرات الشباب الذين يشتبه في كونهم ناشطين في مجال التجنيد وجمع التبرعات. وتشير تقارير استخباراتية أميركية إلى أن تلك المجموعات لم تقم بمهاجمة الولايات المتحدة بعد، إلا أن هناك معلومات تشير إلى أنهم سوف يفعلون ذلك يوما ما.

وكان ابن أخ بيهي البالغ من العمر 17 عاما من أوائل الشباب الذين اختفوا من المدينة وظهروا في صفوف مقاتلي حركة الشباب عام 2008، وقتل بعد عام من التحاقه بالحركة. لقد كان الحادث دافعا لبيهي الذي كان يعمل مترجما في مستشفيات المدينة، لأن يبدأ جهدا فرديا لمحاربة تحول الشباب إلى التيار الجهادي. ولا يحصل بيهي على راتب جراء ذلك، بل على العكس تماما أدى ذلك إلى الإضرار بحالته المادية والاجتماعية.

إن الكثير من المساجد والمسؤولين الأميركيين وحتى الجهات المسؤولة عن تنفيذ القانون تحجم حتى الآن عن التعامل مع موضوع الفكر الجهادي المنزلي، لأن هناك انقساما كبيرا بشأن هذا الموضوع، حيث يتم النظر إليه على أنه انتقال ما يسمى الحرب على الإرهاب إلى جبهة جديدة أو على أنه نوع من هوس الارتياب من الإسلام المعروف اصطلاحا باسم «إسلاموفوبيا».

وهناك انقسام حول بيهي نفسه في جاليته، فهناك من يطلق عليه لقب «الصومالي الخارق» نتيجة لجهده الكبير في محاربة حركة الشباب، بينما يسميه آخرون «الخائن» لتواصله مع السلطات الأميركية في مسألة محاربة تحول الشباب إلى الفكر الجهادي، حتى أن بعض المساجد في مدينته منعته من ارتيادها، في حين دعاه مسجد آخر للانضمام إلى لجنة القيادة الخاصة به.

ووصف بيهي نفسه على أنه مسلم حريص على دينه ويؤدي الصلوات اليومية ويصوم شهر رمضان. ويرد على تلك الاتهامات بقوله إنه «يريد أن ينقذ الدين الذي يحبه من عدد صغير من المتطرفين».

وبعد ظهر ذلك اليوم القائظ في مطلع يونيو (حزيران)، توقف بيهي بسيارته أمام شقة زوجة الأب في سانت بول، غير متأكد ما إذا كانت هذه السيدة ستتعاون معه أم لا. وكان بيهي قد تحدث مع البليدي بضع مرات في عام 2008 قبل أن يظهر هذا الشاب علامات على انضمامه لحركة الشباب، ولكن لم يكن بيهي قد التقى بزوجه الأب قبل ذلك.

سار بيهي إلى نهاية ممر طويل ودخل في شقة ضيقة تضم حجرة نوم واحدة. وكانت رائحة الكمون مسيطرة على المكان الذي كانت تجلس به زوجة الأب، مؤمنة روبا، وهي تسند قدميها على طاولة القهوة وتستخدم جريدة في يدها وكأنها مروحة لتخفيف حدة حرارة الجو. جلس بيهي بجوارها وتحدث معها نحو 10 دقائق باللغة الصومالية.

وقالت زوجة الأب إنها جاءت إلى ولاية مينيسوتا في عام 1996 مع البليدي الذي كان في الثانية عشرة من عمره آنذاك. وقالت إنها كانت ترعى هذا الطفل منذ وفاة والده في الحرب الأهلية في الصومال. لقد كان البليدي طفلا جيدا ثم أصبح يسبب المتاعب ثم تحول إلى مجرم. وقالت إن اتصالاتها به قد انقطعت منذ دخوله السجن، ولكن أقاربه قد أخبروها أنه قد التحق بمركز أبو بكر الصديق الإسلامي، وهو أكبر مسجد في ولاية مينيسوتا، ثم انتقل بعد ذلك إلى كينيا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»