الغناء المحافظ.. الأصوات البشرية تحل محل الموسيقى

شكل مدرسته ودخل المنافسة بالفيديو كليب والحفلات

عبد العزيز عبد الغني وأسامة الصافي
TT

يعد النغم الموسيقي الصادر عن الآلات الموسيقية، أحد المكونات المهمة لتشكيل الأغنية، بالنسبة لآذان المستمعين، بل إنه يكون في كثير من الأحيان العنصر الأهم، كونه يتحكم في تكوين المسار الكامل لاتجاه اللحن في الأغنية.

ولكن «الغناء المحافظ»، كما يطلق عليه لدى فئة من المجتمعات، خصوصا العربية، خرج عن هذه القاعدة، على الرغم من اكتمال كافة الأدوات للأغنية لدى هذه الفئة من مؤد، ولحن، وكلمات، بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، ولكن العنصر الأخير هذه المرة ليس عن طريق الآلات الموسيقية، وإنما الأصوات البشرية، التي تحل محل الموسيقى، بعد معالجتها تحت تأثير بعض برامج الحاسب الآلي المتطورة، التي تجعل المستمع يشعر وكأنه يستمع لآلة موسيقية حقيقية بينما هي في الأصل ليست كذلك.

وبدأت الفكرة في ذلك، كون بعض المجتمعات المحافظة في الدول العربية كبلاد الشام، ومصر وغيرها من الدول الآسيوية المتأثرين بتلك المدرسة، وكذلك الدول الخليجية، لهم بعض التحفظات الثقافية بالإضافة إلى ما يتعلق بجانب الموروثات الشعبية من عادات وتقاليد، على الآلات الموسيقية.

وتأتي رؤية المحافظين للأغنية متشابهة مع بقية المهتمين بالفن الغنائي من حيث مبدأ الفن من خلال حرصهم على وجود الأصوات الندية المتميزة للمؤدين (المغنين) وكذلك عذوبة الألحان، والكلمات المؤثرة في كافة الجوانب، مع اختلاف بسيط في بعض التفاصيل، لا سيما في أسلوب الكلمات.

ومن الفنانين المشهورين في هذا المجال، الذي يمتلك خامة صوتيه متميزة شبهها الكثير بالفنان المعروف محمد عبده (فنان العرب)، الإماراتي أسامة الصافي، وقد تحدث عنه عدد من الموسيقيين العرب مشيرين إلى أنه يملك خامة صوت تعد واحدة من أبرز الأصوات في الوقت الراهن، وتلقى أشرطته وحفلاته رواجا كبيرا لقدرته على أداء أكثر من لون غنائي من الألوان المنتشرة في الموروث العربي، وإضافة إلى الفن فهو يحمل شهادة الهندسة المعمارية ويعمل رئيسا لقسم التأهيل ودراسة البناء في بلدية دبي، ويرى الصافي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك رسالة لها أهداف سامية من خلال هذا النوع من الفن، وأكثر ما يركز عليه الأهداف الإنسانية التي تتعلق بكل ما يحتاجه الإنسان، وأرى أنه مع ضغوط الحياة وكثرة مشاغلها فإن أفضل وسيلة لمداعبة المشاعر والأحاسيس تكون عن طريق هذا النوع من الفن، الذي من الممكن أن يوصل رسالته بطريقة أسهل وأسرع من غيرها».

يذكر أن الكثير من الإصدارات التي يقدمها الصافي عادة ما تناقش عددا من القضايا الاجتماعية، وما يتعلق بحياة الناس، ويشير عدد من الأسواق الخاصة ببيع مثل هذه المنتجات إلى أن إصدارات الفنان الإماراتي تلاقى رواجا كبيرا، لتلاقيها مع أحاسيس المستمعين سواء في ما يتعلق بالألحان أو قوة الأداء في ظل كلمات مؤثرة.

واستنادا إلى رؤية المحافظين للغناء، فإن ما يقدمونه لا يختلف بنسبة كبيرة عن الفن الغنائي العالمي، بكافة عناصره، مع إحلال الأصوات البشرية لتقوم بتأدية الجانب الموسيقي، وتوجيه الكلمات إلى معاني لها أهداف جدية وتناقش هموم الحياة عامة، كما أنه يناقش أي جانب آخر ما دام لا يخدش الحياء، كما يرى ذلك الدكتور علي العمري، رئيس رابطة الفن الإسلامي العالمي.

يذكر في هذا المجال الفنانين اليمنيين عبد القادر قوزع، وعبد العزيز عبد الغني، كأحد أبرز الشباب المنظمين حديثا لقائمة الفن المحافظ، فالأول يتشابه إلى حد كبير مع حنجرة الفنان المخضرم أبو بكر سالم، من ناحية الحنجرة وطبقة الصوت التي تعد من الطبقات النادرة، بينما يأتي عبد الغني من مجيدي الأغاني السريعة والتطريبية، وفي ما يتعلق بجانب المجسات الحجازية (الموالات) فإن السعودي هاشم باروم يعد واحدا من أبرز المؤدين لهذا الفن الذي يحتاج مهارة خاصة، ليتلقى شهادات من قبل بعض الفنانين تقدمهم الفنان محمد عبده، ويظل الفنان الأميركي ذو الأصول السورية، أبو راتب، من المؤسسين القدماء لهذا الفن في بلاد الشام، ليطوف به في حفلاته حول العالم.

بالإضافة إلى ذلك اتجه المهتمون بالغناء المحافظ إلى إقامة الحفلات الغنائية في عدد من المدن العربية، وكذلك العالمية التي تأتي في مقدمتها العاصمة البريطانية، لندن، التي تستضيف من حين لآخر مثل هذه الاحتفالات، وكذلك في بلدان شرق آسيا مثل إندونيسيا.

اللافت في الأمر أن الغناء المحافظ استطاع أن يكون قاعدة جماهيرية، بدأت تكبر مع الوقت من خلال توافد عدد من محبي الفن الغنائي، وظهر ذلك من خلال حصيلة الأرقام في حضور الحفلات التي تقام، كذلك الدخل المادي من الأشرطة الممغنطة لدى الشركات المنتجة، لا سيما أن جودة ما يقدم بدأ في الاتجاه للأعلى، سواء على صعيد جمال الأصوات للمغنين أو عذوبة الألحان، كذلك في ما يتعلق بقوة الأداء وتأثير الكلمات.

في عصر الألفية الأخير دخل الغناء المحافظ في مرحلة «الفيديو كليب» بمستوى إخراجي عال، بل وتم افتتاح قنوات خاصة بهذا الفن، مهمتها تسليط الضوء على الفنانين الشباب الذين بدأ عددهم في التزايد، ومتابعة كافة إنتاجاتهم، كما هو الحال مع قناة «فور شباب» المتخصصة في الفن المحافظ.

بل إن الأمر لم ينته عند ذلك بعد أن تم إنشاء رابطة عالمية بهذا الفن وهي رابطة الفن الإسلامي العالمي، ويذكر أمين الرابطة، ومؤسس قناة «فور شباب»، الدكتور علي العمري أن «الفن المحافظ يحفل بكل الإمكانات والإبداعات التي تميزه عن غيره، وتجعل له طابعا خاصا، وبالنسبة لعطاءاتنا في هذا الفن فهي مختلفة حسب التعاطي معها، ولكنها بالطبع لا تتعدى حدود الفن المحافظ المعروف بمقاصده، وأرى أنه من الخطأ أن نغيب المتعة والجمال في هذا الفن ونبقى على القيم فقط، بل هناك من يتطرق بفنه عن الرياضة، وهناك من يتحدث الحياة والجمال، وآخر عن العلاقات والصداقة، وهذه جوانب لا تتعارض مع أصل الفكرة التي أقمنا من خلالها الرابطة العالمية للفن الإسلامي، وكذلك قناة (فور شباب) المتخصصة في هذا المجال».

وكانت قوة الأداء والأصوات المتميزة في الفن المحافظ، فرصة مواتية لمحبي الشائعات في الإنترنت، عندما نسبوا أغنية تتحدث عن الإسلام والذهاب لمكة لأداء الحج للمغني العالمي مايكل جاكسون، وأنه كان على مقربة من إعلان إسلامه قبل وفاته، على الرغم من أنها لا تحتوي إلا على إيقاعات بسيطة خالية من الموسيقى، ولكن صوت المؤدي كان له أثره، ويشبه لحد كبير صوت مايكل، ليكتشف في ما بعد أنه تسجيل لمغن أميركي يدعى أورفان وهو من المغنين المحافظين، واللافت أن الأغنية ما زالت منسوبة في شبكة الإنترنت حتى هذا الوقت لجاكسون.