«السبحة».. 33 حبة لا تميز في صداقتها بين ذكر وأنثى

السبحة لا تعرف ذكرا أو أنثى في صداقتها وهي إرث تناقلته الأجيال جيلا بعد آخر («الشرق الأوسط»)
TT

لا يزال اقتناء «السبحة» في الأوساط السعودية متداولا بين طبقات المجتمع، فاقتناؤها ليس حكرا على الكبار في السن، أو الكور فقط، بل بات الكبار والصغار والكور والإناث يحرصون على اقتنائها، إلى أن أصبح بعض الشركات المصنعة لها تحرص على تنوع الأشكال، فأخذت في تصنيع أنواع خاصة بالرجال، وأخرى خاصة بالنساء، يحكمها اللون والحجم.

فالسبحة المنتشرة في أرجاء العالم الإسلامي، ليست بدعة دينية، كما يعتقد البعض، لأن استخدامها بات يرتبط ببعض التصرفات الدينية. فعلى العكس، ليس لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالعبادة، بل دخلت في حساب عدد التسبيح والتهليل الذي يلي كل صلاة، وهي بالدرجة الأولى عادة تم تناقلها عبر الأجيال من القديم.

وبالحساب الرياضي، في الغالب ما يتكون حب أو خرز المسبحة من 33 حبة، وهو عدد التسبيحات أو الأذكار التي تلي كل صلاة، ومن هذا المنطلق أخذ البعض بإدخال المسبحة في الأمور الدينية فقط.

وتتعدد الآراء حول نشأة السبحة؛ فهناك من قال إن أصلها يرجع إلى الهنود، وإنهم أول من استخدم هذا النوع وأبدع فيه، ومنهم من أرجعها للعرب.

الشاب ماجد الخنيني يحكي لـ«الشرق الأوسط» عن استخدام السبح، إلى أن أصبحت بمفهوم البعض أداة تستخدم للتعبد، لحساب عدد التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، فهي وسيلة شاءت الصدفة أن تكون بقدر عدد الأذكار التي تلي الصلاة من تسبيح وتهليل وتكبير.

بعض الروايات ترى أن نشأة وصناعة السبح تعود لأصل عربي، حيث كانت تصنع في بدايتها من الطين المجفف، وكان تهدف للتسبيح والاستغفار.

وبين اختلاف تلك الآراء والطرق، فإن السبحة فرضت وجودها عبر حقب التاريخ المتلاحقة، فما زال هذا الكنز القديم الجديد متداولا بين أيدي الملايين من البشر باختلاف أجناسهم وألوانهم وتفاوت أعمارهم.

والبعض الآخر أرجعها إلى أقدم من ذلك وقد ربطهما بعلاقة وطيدة مع كل الديانات القديمة، وقد استخدمها كهنة تلك العصور في أداء بعض طقوسهم وعباداتهم، لأجل التقرب للآلهة التي كانوا يعبدونها، كما استخدمها البعض في ممارسة السحر والشعوذة، تلك الأقاويل جاءت في روايات لا يعرف مدى صحتها.

وفي السنوات القليلة الماضية انتشرت ظاهرة جديدة في السعودية، وهو باعة جائلون للسبح، ويجدون في بيعها مكاسب تدر أرباحا مجزية. فأحمد الحربي، أحد بائعي السبح المتجولين، التقته «الشرق الأوسط» وأكد أن هناك إقبالا كبيرا منذ القدم على هذه السلعة، خصوصا في السعودية، التي يعتبرها أهلها صديقا مسليا لهم.

وأضاف الحربي: «لها أنواع عدة تختلف في أشكالها وأحجامها وألوانها وأسعارها، تعادل المعادن في بيعها، مستدلا بأغلى (سبحة) في العالم يملكها شخص سعودي، وتبلغ قيمتها قرابة 500 ألف ريال (133 ألف دولار)، وهو ما ينبئ بتفاوت أشكالها وأصنافها وأنواع الحجر المستخدم في صناعتها، وقد يدخل في البعض منها أحجار كريمة لا تقدر بثمن.

وتختلف المواد التي تصنع منها أحجار السبح، فمنها ما يصنع من مواد مختلفة كالصخور، وأحجار الجبال، وعظام الموتى، والأسنان، كما يصنع البعض منها من جور الأشجار، والمعادن والكائنات البحرية، مثل القواقع والأصداف.

أما في الوقت الحاضر، فتخلتف المواد المستخدمة في تصنيع تلك «السبحة»، فمنها ما يستخرج من الأشجار والنباتات، ومنها الحيواني، وهناك ما يصنع من نباتات أو حيوانات بحرية، بالإضافة إلى وجود سبح تصنع من الأحجار الكريمة والمعادن.

فبعد الحصول على المادة التي ستصنع منها السبحة، تؤخذ بشكلها الخام إلى الشخص المتخصص في صناعة السبح ليقوم بأعدادها وتقطيعها إلى الأشكال الهندسية المطلوبة المضبوطة بالوزن والحجم، حتى لا يؤثر ذلك على مظهرها الجمالي.

ويعتبر أحد محبي جمع السبح خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنها أصبحت من بين أنواع الكماليات الأساسية لدى السعوديين ومن مختلف الطبقات، وأن أسعار السبح المعروضة في الأسواق مرضية، وهناك تفاوت في الأسعار، فالأسواق تحوي أنواعا منها تفوق أسعارها 10 آلاف ريال للواحدة، وتنخفض حتى تصل إلى 5 ريالات للواحدة أيضا، على حسب ما صنعت منه.

وتحتاج عملية تصنيع المسبحة إلى مهارة عالية ودقة في العمل من حيث حجم الحبة التي يجب أن يتساوى بدقة، وكذلك عملية ثقب «الحبة» وإعدادها لإمرار الخيط من خلالها، فيجب ضبط هذه الخطوات لإخراج المسبحة بشكلها الجميل والرائع.

وتحتل ألمانيا المرتبة الأولى في صناعة السبح تليها تركيا، وفي المرتبة الثالثة يأتي العراق، بصفة خاصة مدينة الموصل التي تتميز بوجود أساتذة وخبراء في تصنيع السبح.

ولتصنيعها طريقتان؛ الأولى يتم فيها استخدام 99 حبة خرز مقسمة على 3 أجزاء متساوية، كل جزء منها يحوي «33» حبة، تفصل بينها «حبتان صغيرتان» مختلفان، يستطيع الشخص تمييزها، وتسميان في الغالب الفاصل.

أما النوع الآخر، فيكون مجموع حبات السبحة فيه «33» حبة فقط، مقسمة إلى 3 أجزاء أيضا، كل جزء يحتوي على «11» حبة، تفصل بينها حبتان كما في الطريقة الأولى.

وللسبح أنواع عديدة ومتنوعة، ولها أسماء من أهمها الكهرمان والمرجان والعاج واليسر والباي زهر والنارجيل والسندلوس، وتختلف أسماؤها من مكان إلى آخر.

أما أسعار «السبح» المتوسطة والعادية بحسب النوع والقدم، فكلما زاد عمر السبحة، زاد سعرها، وقد تبدأ، بحسب أصحاب المحال، من ريالين لتصل إلى 1500 ريال، حسب الجودة.

وما إن يعتاد الشخص استخدام السبحة، حتى يجد نفسه غير قادر على تركها بشكل نفسي، ويتسبب في ذلك ما ينشأ في النفس من علاقة مع المسبحة، التي تصبح مع الوقت جزءا أساسيا من مستلزمات الفرد الأساسية التي لا يستطيع الاستغناء عنها.

وتتنوع وتختلف أحجام السبح وأطوالها وألوانها، فكلما استخدم في تصنعيها الذهب والفضة والأحجار الكريمة والزجاج، أصبحت غالية الثمن، بحسب رغبة مقتنيها، فمنهم من يقتنيها للتباهي، وآخر قد يقتنيها للتسلية.