انقسام سوري حول المطالبة بعسكرة الانتفاضة وبالتدخل العسكري الخارجي للقضاء على نظام الأسد

نجاح الثوار الليبيين يحث ناشطين ومعارضين على استبعاد خيار «سلمية» المظاهرات

TT

أطلق نجاح الثوار الليبيين في التقدم باتجاه العاصمة الليبية واقتحام معاقل الرئيس الليبي معمر القذافي، بعد أشهر من القتال، سجالا على الساحة السورية مع ارتفاع أصوات سوريا، في الداخل والخارج، مطالبة بـ«عسكرة» الانتفاضة السورية وبتدخل عسكري دولي للقضاء على نظام الرئيس بشار الأسد، شبيه لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا.

وتثير هذه المطالبة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر ونصف على بدء الانتفاضة السورية ردود فعل سورية متباينة على أكثر من مستوى، إذ يبدو الانقسام واضحا بشأنها على صعيد قيادات المعارضة والناشطين أنفسهم في آن معا، ويتجلى ذلك في ردود الفعل والمواقف الصادرة في الأيام الأخيرة.

على مستوى قيادات المعارضة، كان رئيس المجلس الثوري للتنسيقيات محمد رحال من أوائل من أعلن عن قرار «المجلس بالانتقال قريبا جدا للمرحلة الثانية من الثورة التي تقتضي تسليحها وتحولها باتجاه العنف». وأبلغ رحال «الشرق الأوسط» في وقت سابق «إننا اتخذنا قرارا بتسليح الثورة التي ستتحول إلى العنف قريبا جدا لأن ما نتعرض له اليوم مؤامرة عالمية لا يمكن مواجهتها إلا بانتفاضة مسلحة». واعتبر أن «الظروف لم تعد تسمح بالتعاطي بسلمية مع إجرام النظام كما أن مواجهة الغول الذي يحتمي بدول العالم باتت تتطلب سلاحا خاصة بعدما أصبح جليا للجميع أن العالم لم يساند الانتفاضة السورية إلا بالكلام».

وتأتي مطالبة رحال هذه بعد خمسة أشهر ونصف من انتفاضة السوريين، الذين تمسكوا منذ اللحظة الأولى لاندلاعها بشعار السلمية، من دون أن يسهم ذلك في وضع حد لحملات الاعتقال والتعذيب التي طالت عشرات الألوف وقتل مئات المتظاهرين السلميين وبينهم أطفال من دون أن يرف للنظام وأجهزته أي جفن.

وعلى الرغم من إدراك الناشطين والمعارضين إصرار النظام على الاستمرار في نهجه، وشعور أكثرية السوريين بأنهم «بلا حماية من أي نوع في وطنهم في مواجهة تلك الجرائم»، إلا أن كثرا منهم يبدون اعتراضهم على هذا الخيار. وفي هذا السياق، أكدت لجان التنسيق المحلية في سوريا أنها «مع كونها تتفهم دوافع الداعين إلى العسكرة والتدخل الدولي، إلا أنها ترفضها بوضوح وتجدها غير مقبولة سياسية ووطنيا وأخلاقيا».

وتعتبر لجان التنسيق أن «من شأن العسكرة أن تقلص المشاركة الشعبية في الثورة، وتضيق قاعدتها الاجتماعية، وتنال من مضامينها الإنسانية والتحررية، من غير أن تضمن كسب المواجهة مع النظام»، موضحة أن «عسكرة الثورة تعني الانجرار إلى الملعب الذي يملك فيه النظام تفوقا أكيدا، فضلا عن خسارة التفوق الأخلاقي الذي تميزت به منذ البداية».

وتبدي لجان التنسيق تمسكها بأن «الغاية هي حرية سوريا وحرية السوريين، وطريقة إسقاط النظام تحدد كيف ستكون سوريا بعده، فإذا أسقطناه بمظاهراتنا السلمية، التي تشارك فيها مدننا وبلداتنا وقرانا، ونساؤنا وأطفالنا ورجالنا، كانت فرص الديمقراطية في بلدنا أكبر بكثير مما إذا سقط بمواجهة مسلحة، على صعوبة ذلك أو حتى استحالته، أو بفعل تدخل عسكري دولي، وستكون الثورة أسست شرعية جديدة تؤسس لمستقبل كريم لسوريا كلها».

وفي الإطار عينه، نشرت صفحة «الثورة السورية»، التي تعد من أكثر صفحات المعارضة نشاطا على شبكة الإنترنت وتجاوز عدد معجبيها والناشطين عليها 272 ألف شخص، رسما بعنوان: «لماذا تريد سقوط النظام بالمقاومة المدنية»، مرفقا بنص عنونته بـ«هل من الممكن أن نحصل على الحريّة عبر العنف؟».

ويقارن الرسم بين تداعيات المقاومة السلمية والثورة المسلحة على مستوى عدد الضحايا، والتأثير الاجتماعي والاقتصادي، ونتائج ما بعد الثورة، واحتمال الحرب الأهلية، وعلى مستوى السيادة الوطنية والرأي العالمي إضافة إلى احتمالية النجاح. وتظهر المقارنة أن اللجوء إلى العنف المسلح عادة ما تكون له تداعياته السلبية على الناشطين وتؤثر بشكل عكسي على القضية التي يناضلون من أجلها.

وفي النص المرفق، أشارت صفحة «الثورة السورية» إلى أنه «من الطبيعي أن يخلص من يرزح تحت عذاب المستبد ويكتوي بنار فظائعه وتعذيبه واعتقاله وسحله وقتله إلى النّتيجة التّالية: الحديث عن السلمية هراء ولا يمكن الخلاص من طاغية مستبد إلاّ عن طريق المقاومة المسلحة».

وشددت على أن «العصيان المسلّح يولد قمعا وحشيّا لا حدّ له عادة ما يترك الشّعب بعده أضعف ممّا كان من قبل لأنّه ببساطة يعطي الطّاغية حجّة لاستخدام كامل ترسانة أسلحته دون أيّما إحراج بل وتحت تعاطف وشرعيّة دوليّة وتحت غطاء (الدّولة تدافع عن نفسها)».

وأوضحت أنه «عندما يختار شعب أن يحارب نظاما بأساليب مسلّحة عنفيّة فإنّه يكون قد اختار ذات الوسائل التي للنظام فيها اليد العليا والقوّة الأعظم، إذ إّنّه مهما تسلّح الشّعب فأنّى له أن توازي قوّة نيرانه قوّة نيران دولة مسلّحة لديها صواريخ وقنابل وحوّامات وأساطيل وذخيرة وغيره».

وحول التدخل العسكري الخارجي، أفادت صفحة الثورة السورية بأن «أحد قواعد اللعبة أنّه (لا أصدقاء في السّياسة)، لذا فإنّ الدّول تتحرّك لتحقيق مصالحها فقط والحديث عن نشر الدّيمقراطيّة ونصرة الشّعوب محض هراء»، مشددة على أن «الدّول تتدخل أحيانا حين تدرك أنّ التّدخّل يصبّ في مصلحتها وأنّ عدم التّدخّل يضرّ بمصلحتها وحين توقن أنّ (رجلها) الذي لها معه صفقات وحسابات واتّفاقات لم يعد قادرا على السّيطرة على الأمور فتسارع لتقف في صفّ الأقوى لضمان عدم زعزعة استقرار مصالحها».