جدل حول وثائق ليبية تربط ديفيد ويلش بالبحث عن «مخرج» للقذافي

مصدر مقرب من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق: المسؤولان الليبيان نقحا الوثيقة

ديفيد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأوسط (أ.ف.ب)
TT

بينما يتواصل البحث في أوراق وممتلكات العقيد الليبي معمر القذافي ودوائر نظامه، تظهر خفايا كثيرة عن النظام وأعوانه. ومن بين هذه الخفايا وثائق جديدة كشفت في مقر الاستخبارات الليبية تدعي أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق ديفيد ويلش حاول مساعدة نظام القذافي حتى أيامه الأخيرة. إلا أن مصادر مقربة من ويلش أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن القذافي كان «يبحث عن مخرج.. فلم تكن لديهم خيارات بعدها».

وويلش، الذي أصبح مدير قسم شركة «بيكتيل» الخاص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد استقالته من الخارجية الأميركية، كانت لديه روابط مع النظام الليبي لصالح الشركة الأميركية العملاقة. وبحسب الوثائق الليبية التي عثرت قناة «الجزيرة» بالإنجليزية عليها ونشرتها أمس، فإن ويلش التقى بمسؤولين ليبيين في 2 أغسطس (آب) الماضي، أي قبل نحو 3 أسابيع من إسقاط نظام القذافي، وعرض مساعدته لهم في مواجهة الثوار وعمليات حلف الشمال الأطلسي (الناتو). إلا أن مصادر مقربة من ويلش أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدف كان التفاوض على مخرج للقذافي وإنهاء الأزمة.. وكانت رسالة ويلش أن ذلك يعتمد على تنحي القذافي».

يذكر أن ويلش كان الشخصية الأبرز في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، الذي عمل على إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا عام 2008. ومنذ ذلك الوقت، استخدم ويلش علاقاته مع الليبيين لبناء علاقات مع شركة «بيكتيل» التي بدأت في العمل في ليبيا بعد تحسين العلاقات وتزامنا مع تولي ويلش منصبه في الشركة بعد خروجه من الحكومة الأميركية بعد انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما. وبحسب الوثائق التي تسجل مجريات اجتماع يفترض أنه عقد يوم 2 أغسطس 2011، بحسب الوثائق المنشورة على موقع «الجزيرة» الإلكتروني، فإن ويلش التقى مسؤولين ليبيين، هما فؤاد أبو بكر الزليطني ومحمد إسماعيل أحمد، في فندق «الفورسيزونز» بالقاهرة. وبالإضافة إلى تحذيره لليبيين بأن الوضع «خطير جدا»، قام ويلش بحسب الوثيقة التي وقعها المسؤولان الليبيان بتقديم نصائح لنظام القذافي. إلا أن المصادر المقربة من ويلش شككت في صحة الوثيقة ونقلها للحدث، موضحة أن المسؤولين الليبيين قدما عرضا للقذافي عن اللقاء ونقحا الوثيقة لتناسب ما يريد الاستماع إليه.

وتدعي الوثيقة الليبية أن ويلش اعتبر أنه من الضروري أن يقوم النظام الليبي باتخاذ «خطوات لبناء الثقة» مجددا مع الإدارة الأميركية، بينما في الوقت نفسه طلب من المسؤولين الليبيين تزويده بوثائق أو أدلة تدين الثوار الليبيين. ومن بين هذه الإجراءات، اقترح ويلش أن تقدم ليبيا معلومات إلى الولايات المتحدة حول الصواريخ المحمولة التي وقعت في أيدي الثوار، كخطوة لإظهار حسن نية والتحذير من استخدامها من قبل مجموعات متطرفة.

وتدعي الوثيقة أن ويلش اعتقد أنه «من المفيد توظيف الأحداث الجارية في سوريا لصالحكم، خاصة في ما يتعلق بسياسة الكيل بمكيالين». وأضافت الوثيقة أن ويلش يعتقد أنه «على العموم السوريون لم يكونوا أبدا أصدقاء، لن تخسروا شيئا في استغلال الوضع في سوريا لصالحكم لإحراج الغرب». واعتبر ويلش أنه «يمكن للشيح محمد بن زايد أن يلعب دورا مؤثرا، وأنصح بالاستمرار في الاتصال به والتنسيق معه»، أما بالنسبة لدولة قطر فأوضح أن «ما قامت به ضد ليبيا كان غطاء لتمرير عملية البحرين وتغطية ما حصل». إلا أن هناك شكوكا حول هذه العبارات، وإذا كان ويلش حقا قد أعطى هذه النصائح، إذ إنها مكتوبة من طرف المسؤولين اللذين خولا من نظام القذافي بالتوصل إلى مخرج له، وكانا يخشيان تداعيات فشلهما.

وتضيف الوثيقة الليبية أن ويلش أبلغ الليبيين بأن هناك «تخبطا في الإدارة الأميركية، وقد تورطت أميركا في موضوع ليبيا.. ولو كان الجمهوريون في الحكم لما حدث ذلك». وتضيف الوثائق حول مجريات اللقاء أن ويلش اعتبر أن «على الأخ سيف الإسلام (القذافي) أن يمتنع عن التصريحات الإعلامية، لأن مثل هذه التصريحات سلبية ولا تخدم الموقف الليبي»، وأشار بالتحديد إلى «تصريح الأخ سيف الإسلام الأخير الذي قال في ما معناه إننا لن نتوقف عن القتال حتى لو توقف الناتو».

وبدأ الاجتماع بطلب ويلش توضيحا حول مقتل عبد الفتاح يونس، الذي تدعي الوثائق أنه كان على أيدي «الجماعات الإسلامية المتطرفة». ومن جهة أخرى، لفت ويلش إلى أهمية المعلومات الاستخباراتية حول المجموعات المتطرفة. وجاء في الوثيقة الليبية أن «أي معلومات أمنية مرتبطة بـ(القاعدة) أو أي تنظيمات أصولية إرهابية يمكن إيصالها للجانب الأميركي عن طريق أجهزة دول مثل مصر والمغرب والأردن وإسرائيل، أميركا ستسمع منهم وسيكون المردود أكثر إيجابية». لكن تشكك المصادر المقربة من ويلش في دقة الوثيقة في نقل نصائحه هو، وتشير إلى إمكانية أن يكون المسؤولان الليبيان هما اللذان وضعا هذه الأفكار ضمن الوثيقة لإقناع القذافي باتخاذ خطوات تمنع انهيار نظامه.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول هذا اللقاء، قال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية «هذه محادثة مع شخصية أميركية خاصة تتقدم برأي شخصي مع مسؤول ليبي»، إذ ترفض الإدارة الأميركية ربط موقع ويلش الرسمي السابق مع هذه الحادثة. ورفض المسؤول الخوض في المزيد من التفاصيل حول إذا كان ويلش يريد أن يلعب دور الوسيط بين طرابلس وواشنطن، مكتفيا بالقول «الولايات المتحدة ترسل رسائلها بشكل رسمي». إلا أن الوثيقة تشير إلى وعد ويلش بنقل مجريات الحديث هذا إلى الإدارة الأميركية والشخصيات النافذة فيها. كما أنه لفت إلى استعداد عضو مجلس النواب الأميركي دينيس كوسنيتش للعمل على مساعدة ليبيا والعمل داخل الكونغرس لوقف العمليات الأميركية في ليبيا في حال ثبت وجود عناصر في «القاعدة» بين صفوف المعارضة الليبية أو إثبات قتل «الناتو» للمدنيين وغيرهما من فرضيات.

واتصلت «الشرق الأوسط» بمصادر مطلعة وعلى علاقة وثيقة مع ويلش، أكدت أنه لم يسع إلى إبقاء نظام القذافي أو العمل كوسيط، بل التقى بشكل شخصي بناء على طلب الليبيين لبحث إمكانية التفاوض على مخرج للقذافي من السلطة وإنهاء العمليات العسكرية.

ولم ترد «بيكتيل» على استفسارات «الشرق الأوسط» حول صحة هذه الوثائق أو دورها في ما يجري في ليبيا. ويذكر أنه قبل يومين، استضافت بيكتيل مع شركة «كوكاكولا» اجتماعا مغلقا حضره السفير الأميركي لدى طرابلس جين كريتز الذي ما زال في واشنطن والسفير الليبي في العاصمة الأميركية علي العجيلي.