العيد في السعودية.. تتفق العادات وتختلف المظاهر

العرضات والرقصات الشعبية والقصائد تتصدر احتفالات المدن دون استثمار حقيقي للمناسبة

يحرص سكان القرى على تنظيم وجبات جماعية في عيد الفطر («الشرق الأوسط»)
TT

لا تختلف صور ومظاهر الاحتفاء بعيد الفطر المبارك في مختلف مناطق السعودية، حيث إن العادات والتقاليد في تلك المناسبة متقاربة فيما بينها، إلا أن بعض مدن البلاد تظهر تلك المناسبة في حلة من الفرح تنتهجها في كل عام، من خلال طقوس احتفالية وبرامج لفعاليات متنوعة.

وتأتي العاصمة السعودية الرياض في برنامج احتفالها بعيد الفطر المبارك، لتكون رائدة العمل الاحتفالي بتلك المناسبة، مما يثير عددا من التساؤلات لدى المواطنين السعوديين ممن يقطنون مدنا خارج الرياض، يحدوهم تساؤل عن غياب البرامج المشابهة لبرامج فعاليات أمانة الرياض بعيد الفطر المبارك في مدنهم التي يسكنون فيها. حيث إن العديد من مدن السعودية تكتفي بإقامة مناسبة محددة في أيام عيد الفطر المبارك، لا تتعدى العرضات الفلكلورية والرقصات الشعبية، وعددا من العروض الترفيهية، دون التوسع في تلك الاحتفالات وتنميتها، من خلال مشاركة القطاع الخاص في الرعاية والدعم المالي لإقامة مناسبات احتفالية تتناسب وحجم المناسبة وأهميتها في إظهار الفرح بين المواطنين.

الرياض العاصمة استطاعت بما يزيد على 18 عاما أن تحقق معادلة الاحتفال بالعيد والاستثمار الجيد لتلك المناسبة، بجلب العديد من الجهات الحكومية والخاصة للمشاركة في دعم التوجه الذي تبنته أمانة منطقة الرياض في الاحتفال السنوي بعيد الفطر المبارك.

وفي الوقت الذي كانت فيه بعض أمانات المناطق تتحدث عن استقبالها لعيد الفطر المبارك بتأهيلها عددا كبيرا من حدائق الأحياء وزراعة 250 ألف زهرة في شوارع مدينتها، وتركيب 1370 وحدة إنارة تجميلية، إلا أن أغلب المدن السعودية لا تختلف في طبيعة استعداداتها لاستقبال عيد الفطر بفعاليات احتفالية وتجهيزات لا تختلف من مدينة إلى أخرى، في نوعية الاحتفالات وكيفيتها، حيث إنها تتفق في تداول الورود والألعاب النارية في كل المحافظات.

ويعزو البعض نجاح العاصمة السعودية في إظهار احتفالاتها بعيد الفطر المبارك، لما تتمتع به المدينة من بنية تحتية، وذلك ما أكد عليه الأمير عبد العزيز بن محمد بن عياف أمين مدينة الرياض في حوار صحافي مع «الشرق الأوسط» في وقت سابق، حيث قال: «استفادت الأمانة في احتفالاتها بالعيد من البنية التحتية الكبيرة بمدينة الرياض، من حدائق ومتنزهات وساحات ومراكز تاريخية وثقافية وتعليمية، بتنويع برامجها واستحداث أنشطة جديدة»، إلا أن مدنا أخرى في البلاد تفوق الرياض في جوانب أخرى لا تتوافر للعاصمة، حيث إن الرياض وعلى مدى السنوات الأخيرة تعاني من ارتفاع في درجات الحرارة وعدم استقرار الأجواء، مما دفع بأمانة الرياض في العام الماضي لحصر العديد من فعالياتها بالعيد داخل المجمعات التجارية والصالات المغلقة تجنبا لتلك الظروف المناخية.

يضاف إلى ذلك كبر عدد السكان، الذي يقدر بما يزيد على 5 ملايين نسمة يقطنون مدينة الرياض، حيث لم يكن ذلك عائقا في تقديم فعاليات وبرامج تتوافق وتطلعاتهم بمختلف مشاربهم وأذواقهم، مما دفع بالعديد من الأسر خارج مدينة الرياض للقدوم إليها في جولة سياحية تستثمر حضورها للفعاليات التي تقدم في أغلبها بالمجان.

ويكمن سر نجاح الرياض في استثمار فعاليات العيد وتنميتها في كل عام، بأنها جاءت بعد دراسة متأنية، ولم تلتفت للأصوات التي نادت بإيقافها متحججة بمخالفات شرعية تشوب برامج فعاليتها، إلا أن أمانة الرياض لم تفتأ في الرد على كل من ادعى بوجود مخالفة شرعية في تلك الاحتفالات، وتؤكد أمانة الرياض في كل مرة أن جميع البرامج والفعاليات في احتفالات العيد تقر من قبل لجنة عليا ترأسها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ويشارك فيها عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة ومن بينها الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يدل على عدم وجود أي من المنكرات أو المخالفات الشرعية، بحسب وصف أمين مدينة الرياض.

من جانب آخر، تعمد العديد من الغرف التجارية بمناطق البلاد لتولي مسؤوليات إقامة احتفالات أهالي المنطقة بعيد الفطر المبارك، وذلك من خلال صناديق أنشأها رجال أعمال سعوديون من أهالي المنطقة لدعم مثل تلك المناسبات ماليا وتقديم الرعاية الكاملة لها، كما هو الحال في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، التي يرعى احتفالاتها بعيد الفطر المبارك صندوق المناسبات في الغرفة التجارية بالشرقية، وهو إحدى مبادرات غرفة الشرقية لتنظيم مشاركة رجال الأعمال في تنظيم الفعاليات الاجتماعية، التي تليق بالمنطقة الشرقية، هذا الصندوق هو مشروع رجال الأعمال لتنظيم مجموعة فعاليات تخص المنطقة، وحفل العيد هو إحدى أبرز الفعاليات التي يقوم بها الصندوق.

إلى ذلك، فقد عمت فرحة العيد في المناطق السعودية، وسط عودة واضحة للكثير من العادات والتقاليد المختلفة لكل منطقة من المناطق بالتجمع العام للأسر والقبائل والعوائل، إضافة إلى العودة إلى الأكلات التراثية التي اشتهرت بها تلك المناطق، بل تعدى الأمر إلى الحرص على أن يرتدي الأطفال الملابس الرسمية بالثوب والشماع والعقال وأحيانا المشلح.

ففي منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة (غرب السعودية) خرجت العوائل منذ الساعات الأولى لصبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك لأداء صلاة العيد وللاستعداد للبدء في تغيير الساعة «البيولوجية» إيذانا بتغير وقت النوم الذي سيعود إلى طبيعته بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.

وفي عسير (جنوب السعودية)، كان الوضع مختلفا قليلا، حيث تشير التقارير إلى أن الأهالي كانوا يفرون من البرد إلى تهامة لقضاء العيد هناك، والبحث عن الأجواء المعتدلة، وهو ما تغير هذا العام، وقلب الحال، حيث اتجه سكان تهامة إلى السراة لقضاء العيد والتمتع بالأجواء الماطرة التي تعيشها عسير.

وفي الإطار ذاته، تشهد منطقة عسير زيادة في عدد مناسبات الزواج التي أصبح البعض يعتمدها ويكتفي بها لمعايدة الأقرباء.

وفي حائل (شمال السعودية)، امتاز العيد بعادات مختلفة، منها الإفطار والسلام الجماعي بعد الانصراف من صلاة العيد والمرور على جل منازل الحي لإلقاء السلام وتقديم التبريكات بمناسبة العيد.

وتأرجح العيد في منطقة حائل بين التبريكات التقليدية بهذه المناسبة، التي عرفت منذ زمن بعيد بالمنطقة، والتقليعات الشبابية الجديدة، التي يحاول الشبان هنا ابتكارها بين الحين والآخر.

وفي الجنوب السعودي مرة أخرى حيث جازان في أقصى الجنوب، جرت العادة في منطقة جازان أن تتسابق النساء صبيحة أول أيام عيد الفطر من أجل تقديم أفضل طبق على موائد الإفطار التي تمتد خارج المنازل في الأحياء والقرى لتجمع الأهالي كافة، وذلك ضمن مسابقة اعتاد سكان كل حي تنظيمها بهدف المحافظة على هذه العادات. وتتمثل المسابقة في إعداد أشهر الأطباق الشعبية التي تعرف بها المنطقة لتزيين موائد الإفطار، والتي تخضع للتقييم من قبل إمام المسجد و3 من كبار السن بعد أن يمروا على جميع أنواع الأطعمة ليتذوقوها ومن ثم يحددون الطبق الفائز ليسلموا الهدية إلى ولي أمر صاحبة ذلك الطبق.

وفى محافظة رفحاء (شمال السعودية) هيأت البلدية جميع الحدائق العامة وزينت الشوارع بالعقود المضيئة، استعدادا لعيد الفطر المبارك، حيث عملت فرق الصيانة على مدار الساعة في الشوارع والميادين العامة وإبراز بعض اللمسات الجمالية على الشوارع والحدائق العامة والمتنزهات لاستقبال المواطنين والمقيمين.

يشار إلى تباين معظم المناطق السعودية عن بعضها، في شكل الاحتفال بعيد الفطر المبارك من نواح متعددة، مع محافظة أهاليها على عادات الاحتفال التقليدية المتعارف عليها منذ أجيال بعيدة، إلا أن هذه العادات لم تتغير على الرغم من التطور الزمني والاجتماعي الذي شهدته السعودية خلال العقود الماضية، لكن شريحة كبيرة من المجتمع السعودي تعتبر أن تقاليد وجبات العيد الشعبية مطلب أساسي للأعياد، سواء في شمال المملكة أو جنوبها، ووصفها كثيرون بأنها «حلاوة العيد».