حديقة ميدان التحرير.. «ممنوع الاقتراب والتصوير»

قوات الأمن تطوقها ويشكو عشبها من ثقل أقدام المتظاهرين

TT

في إحدى الأغاني الشهيرة للمطربة اللبنانية فيروز شدت بصوتها الساحر قائلة «العشب عشش ع اللدراج».. في دلالة على الوحشة والوحدة وفراق الحبيب الذي فارقت خطواته سلالم البيت ما سمح للعشب أن ينمو بين بلاطها.

وعلى عكس الزخم العاطفي العميق لهذه الصورة تبدو حالة مشهد «صينية» ميدان التحرير، مسرح عمليات ثورة 25 يناير، فبعد أن عانت أعشاب الصينية وأشجارها من أقدام المعتصمين وعشاق الثورة، وتحولت إلى مساحة جرداء خالية من الأشجار والعشب والزهور، وبعد أن أعيد تشجيرها وتعشيبها من جديد، أصبحت الصينية بمثابة منطقة محرمة، وبحسب العرف العسكري «ممنوع الاقتراب منها والتصوير».

هكذا، بدا المشهد في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية القاهرة غريبا، عشرات الآلاف يؤدون صلاة العيد في نهر الطريق بينما تتمركز قوات الشرطة والجيش في قلب الحديقة (الصينية) التي تتوسط الميدان، لتنعكس الآية التي دأب عليها الأمن في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، فبعد أن كان الهم الأول للأمن هو الحفاظ على حركة المرور في الشارع، أصبح همهم الرئيسي الآن هو الحفاظ على الحديقة الدائرية التي تتوسط الميدان.

وتدخلت قوات الشرطة والشرطة العسكرية (التابعة للجيش) في أول أيام شهر رمضان الماضي لتخلي الميدان بالقوة من عدة مئات اعتصموا به منذ الثامن من يوليو (تموز) الماضي للمطالبة بالقصاص من قتلة متظاهري ثورة 25 يناير، ومنذ ذلك الوقت، يوجد بشكل دائم على مدار اليوم قوات من الشرطة تتحلق حول الحديقة وتمنع المواطنين من مجرد الاقتراب منها، وحتى بعد أداء عشرات الآلاف لصلاة العيد في ميدان التحرير أول من أمس منعت الشرطة المصلين من الاقتراب من الحديقة وأحاطتها بطوق أمني مشدد من قوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية.

وللحديقة دلالة رمزية كبيرة لدى الثوار، فطوال الـ18 يوما للثورة أقام المتظاهرون عددا كبيرا من الخيام في الحديقة ليقيموا داخلها، وينالوا فيها قسطا من الراحة، وفي الاعتصام الأخير، نصب المتظاهرون مظلة كبيرة فوق الحديقة لحمايتهم من حرارة الشمس الشديدة، إضافة إلى إقامة عشرات الخيام في الحديقة التي لم تتسع لهذا العدد فتمددت الخيام في بقية الحدائق الصغيرة بالميدان.

وكعادة المصريين، لم يفوتوا الفرصة دون إطلاق النكات والتعليقات الساخرة على وجود قوات الشرطة في حديقة ميدان التحرير، فالبعض يعرض التفاوض مع قوات الشرطة التي تعتصم في الميدان لمعرفة مطالبها، ويرى آخرون أن نقل الجندي للخدمة في حديقة ميدان التحرير يتطلب واسطة كبيرة لكونها مكان خدمة مميزا، فيما دعا فريق ثالث قوات الأمن المركزي لنصب الخيام في الحديقة ليستريح الجنود فيها بدلا من الوقوف على مدار 24 ساعة. وحذر ناشطون إلكترونيون في تعليقاتهم على موقعي «فيس بوك» و«تويتر» من انضمام «الإخوان المسلمين» لاعتصام الشرطة في ميدان التحرير لركوب الموجة، ودعا آخرون القوات المتمركزة في الميدان لإقامة لجان شعبية على المداخل لمنع دخول الثوار إلى الميدان. وفيما قال أحد الضباط الموجودين في الميدان لـ«الشرق الأوسط» إن التعليمات التي صدرت لهم تقضي بمنع المتظاهرين من الوجود في حديقة الميدان تحت أي ظرف، وهو ما يعملون على تنفيذه بدقة. وقال جورج إسحاق القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير، المنسق العام الأسبق لحركة كفاية لـ«الشرق الأوسط»: «حديقة ميدان التحرير هي الدائرة الحجرية، ومنع الثوار من التظاهر فيها قيد على حرية الرأي والتعبير نرفضه تماما».

وأضاف «سنتظاهر في الحديقة في مليونية (تصحيح المسار) يوم 9 سبتمبر (أيلول) الحالي حتى لو اضطررنا لاقتحامها، لقد انتزعنا حق التظاهر في الشارع من نظام مبارك ولن نسمح لأحد أن يصادره منا».

وقال «كلي ثقة أن القوات المسلحة، وهي حامية الثورة، لن تمنع الناس من التعبير عن رأيها، وسنخوض التجربة في مليونية (تصحيح المسار)، ونحن متفائلون تجاه نتائجها».

إلا أن الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين قال لـ«الشرق الأوسط»: «الأمن أغلق الحديقة نتيجة الاعتصامات المتكررة في الحديقة، التي تعد سرة الميدان جماليا».

وأضاف «حرية التظاهر لا جدال فيها لكن بما لا يضر بالمصلحة العامة»، موضحا أن الجماعة لم تتخذ قرارا بعد إزاء المشاركة في المظاهرة المليونية التي دعت لها بعض القوى يوم الجمعة الموافق 9 سبتمبر.

وقال «الميدان واسع ويمكن التظاهر في أي مكان فيه، ولكن الاعتصام له تأثيرات سلبية على المرور والحركة في الميدان لذلك أغلق الأمن الحديقة».