كوبولا يضفي بريقه على مهرجان «دوفيل» للسينما الأميركية

اهتمام خاص بالمخرجات.. ورهان على نجوم المستقبل

المخرج وضيف الشرف فرانسيس فورد كوبولا
TT

يجاهد معظم المهرجانات السينمائية في أوروبا لكي لا تهيمن الأفلام الأميركية على مناهجها. لذلك يسعى القائمون عليها في سبيل البحث عن أفضل ما يحققه مخرجون من كوريا الجنوبية وإيران والصين ومصر ولبنان وفلسطين، رغم إدراكهم أن النجم الآتي من هوليوود هو المحور الذي تدور حوله وسائل الإعلام ويطارده المصورون ويضمن الدعاية لأي تجمع للفن السابع.

ورغم أن الكثيرين يأخذون على مهرجان «كان» السينمائي الشهير الذي يقام، ربيع كل عام، على الساحل الجنوبي لفرنسا، خضوعه للحضور الطاغي للنجوم والمخرجين الأميركيين وإحاطتهم بالكثير من الرعاية والاهتمام، فإن هناك مهرجانا فرنسيا آخر مكرسا بالكامل للسينما الأميركية، تستضيفه بلدة دوفيل الساحلية الواقعة في مقاطعة النورماندي، شمال غربي البلاد. وطبعا، فإن هذا المهرجان المتواضع، بالقياس إلى «كان»، يعتمد تماما على ما تنتجه الاستوديوهات في بلاد العم سام من أفلام، ويحاول أن يجد لنفسه موقعا حقيقيا من خلال بادرة جديدة تتمثل في تقديم أحدث المسلسلات الأميركية التلفزيونية التي تتهافت المحطات المحلية والأوروبية على شرائها في الصفقات التي تقام في الأروقة الجانبية للمهرجان. وفي دورة العام الحالي ينفرد المهرجان بعرض حلقتين من مسلسل «بورجيا» للمخرج توم فونتانا، أحد أبرز فناني هذا النوع من المواد التلفزيونية في الولايات المتحدة.

في دورته لهذا العام والتي تحمل الرقم 37 وبدأت، أول من أمس وتستمر حتى الحادي عشر من الشهر الحالي، نجح مهرجان «دوفيل» في اقتناص المخرج الكبير فرانسيس فورد كوبولا (72 عاما) الذي كان حضوره كفيلا بتأمين البريق اللازم لأي تجمع فني دوري من هذا النوع. ويحضر كوبولا بصفته رئيسا شرفيا للمهرجان. وقد سبق له وأن شارك في دورة عام 2004 وقال إنه سعيد لوجود مخرجين رائعين في الدورة الحالية. وأضاف وهو يقف على السجادة الحمراء التي فرشت للضيوف، أن وجوده في «دوفيل» هو متعة أكيدة. أما مدير المهرجان فقد وصف صاحب «العراب» بأنه شخص شديد التواضع، يحب السينما بشكل هائل وقد رفض أن يقدم «الدرس السينمائي» الذي يعتبر من التقاليد الجميلة في عدد من المهرجانات، لكنه سيقيم جلسة حوار مع الجمهور حول مسيرته وأفلامه. وبالإضافة إلى كوبولا، أعلن منظمو المهرجان عن حضور النجمة «العجوز دائمة الشباب» شيرلي ماكلين ذات الرصيد الفني الثري والتي كان الفرنسيون قد تعرفوا عليها، لأول مرة، قبل نصف قرن تقريبا مع عرض فيلمها «إيرما الجميلة». أما «الضيف المفاجأة» فهو الممثل بيل موري الذي كان قد شارك في فيلم «ضاع في الترجمة» للمخرجة صوفيا كوبولا، ابنة الضيف الأكبر. ومن المنتظر، أيضا، أن يلمح جمهور دوفيل وجوها معروفة أخرى مثل ناعومي واتس وآبل فيرارا.

ليلة الافتتاح، وكالعادة، احتشد المئات من أهالي المدينة ومن الزوار ومن المصورين والصحافيين على جانبي مدخل قاعة العرض لكي يتفرجوا على المحظوظين الذين تلقوا الدعوات الرسمية لحفل الافتتاح وصار من حقهم أن يشرفوا أحذيتهم اللامعة بالسير فوق السجادة الحمراء.

فيلم الافتتاح كان «لون الأحاسيس» الذي تصدر قائمة الأفلام الأكثر رواجا منذ بداية عرضه في الولايات المتحدة ويتناول قضية العنصرية ضد السود في أميركا خلال خمسينات القرن الماضي. والفيلم من إخراج تيت تايلور وعرض خارج المسابقة الرسمية. وقال برونو بارد مدير المهرجان، إن العودة إلى موضوع العنصرية، بشكل عميق وصريح، يمثل، حاليا، واحدا من أبرز اتجاهات السينما الأميركية. كما سيتاح للجمهور التعرف على عدد من أفضل الأفلام الوثائقية الأميركية ومنها واحد عن سيرة المغني والممثل هاري بيلافونتي، أحد الناشطين في حركة «القوة السوداء» خلال ستينيات وسبعينات القرن الماضي. كما يعرض فيلم وثائقي آخر عن أسرار صناعة السيارة التي تعمل بالكهرباء في دهاليز المصانع الأميركية الكبرى. وتتيح مراجعة منهاج المهرجان ملاحظة التركيز على موضوع المراهقة في الكثير من الأفلام المختارة للعرض فيه، وما يمثله صراع الأجيال من مادة متجددة تلهم كتاب السيناريو.

تتألف لجنة تحكيم الأفلام الطويلة من المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس رئيسا وعضوية كل من الممثلتين ناتالي باي وكيارا ماستروياني والمخرجة كلير دوني. وأساياس هو مخرج فيلم عن «الإرهابي» الدولي كارلوس كان قد أثار جدلا عند عرضه في العام الماضي واعترض عليه كارلوس، شخصيا، من سجنه الفرنسي الذي يقبع فيه منذ سنوات في انتظار محاكمته، قريبا، عن تهم إضافية. وسيكون على اللجنة أن تتفحص 14 فيلما مشاركا في المسابقة، بينها 9 أفلام لمخرجين يقدمون للمرة الأولى فيلما طويلا، في اعتراف مميز بالدماء الشابة الجديدة في ميدان الإخراج وكذلك في حفاوة غير مسبوقة بمخرجين غير معروفين. ومن بين أفلام المسابقة «كل ما تستطيعه» لآمي وندل، و«أرض أخرى» لمايك كاهيل، و«يوم سعيد آخر» لسام ليفنسون، و«في السر» لمريم كيشافارز، و«عودة» لليزا جونسون، و«ثقة» لديفيد شويمر. وهناك أفلام سبق وأن عرضت في التظاهرات الثانوية لمهرجان «كان» الماضي وحققت ردود فعل طيبة أو نالت جوائز النقاد. وهنا تجدر الإشارة إلى الحضور الطاغي للأفلام التي تقدمها النساء وتكشفن فيها عن نظرة خاصة للمجتمع وللعلاقات بين الجنسين.

للمرة الأولى، يفتتح مهرجان «دوفيل» تقليد إعطاء خيار مفتوح «كارت بلانش» لإحدى الشخصيات لكي تقدم ما يروق لها من الأفلام الأميركية التي سبق وعرضت طوال المراحل الماضية. وتحمل هذه البادرة اسم «أميركا شخصية» ووقع الاختيار على مصمم الأزياء جان شارل دو كاستلباجاك ليكون أول من يدشنها.

كما يدشن المهرجان بادرة ثانية تحمل اسم «هوليوود الجديدة» وتقوم على الاحتفاء بممثلة وبممثل من المواهب الواعدة والرهان عليهما في أن يكونا من نجوم المستقبل. ووقع الاختيار على الممثلة الشابة جيسيكا شاستين، ذات الأداء اللافت في فيلم «شجرة الحياة» للمخرج تيرنس ماليك الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان «كان» الأخير، وعلى زميلها ريان غوسلنغ الممثل الصاعد في هوليوود. وعلى صعيد الاحتفاء بالراحلين، من المقرر أن يكرم المهرجان المخرج بليك إدواردز الذي فارق الحياة في العام الماضي وكان قد حقق شهرة عالمية مع فيلمه الأشهر «النمر الوردي»، عام 1963.

ولعل من أجمل تقاليد دوفيل استعادة التاريخ الغني للسينما الأميركية، حقبة بعد حقبة، وذلك من خلال عرض أفلام قديمة يعود بعضها إلى أوائل القرن العشرين. وتجري هذه العروض، ليل نهار، ودون توقف، طيلة أيام المهرجان، تاركة لعشاق السينما أن يناموا داخل الصالات وأن يحلموا بأعين مفتوحة.