ملفات تكشف أن تهديد القذافي بملاحقة المتمردين على نظامه «بيت بيت.. زنقة زنقة» لم يكن عبثيا

جراء استناده إلى جيش من المخبرين والمسلحين

TT

لم يكن تهديد العقيد معمر القذافي بملاحقة المتمردين على نظامه «بيت بيت.. زنجة زنجة»، تهديدا عبثيا؛ بل كان يستند إلى جيش المخبرين والمسلحين الذين كانوا ينتشرون في كل زاوية من زوايا المدن، خصوصا طرابلس.

وفي مكتب بمبنى يقع في شارع البلدية المتفرع من ساحة الشهداء، التي كانت تعرف سابقا بالساحة الخضراء، عثر الثوار على حلقة من شبكة التجسس التابعة للنظام السابق.

ويقول عبد الكريم قادر، وهو أحد الثوار، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذه كانت غرفة التحكم بكل طرابلس»، مشيرا إلى ثلاث خرائط أخذت من الأقمار الاصطناعية، وتحمل تفاصيل أصغر الشوارع في العاصمة وتحدد كل المناطق المهمة فيها.

وتشير المسامير المثبتة على الخرائط إلى المداخل التي يمكن أن يستخدمها المخبرون لدخول الأحياء بحثا عن معارضي النظام.

ويوضح قادر أن «الحواجز وقنوات الاتصال تضاعفت بعد انطلاق المقاومة»، في إشارة إلى المظاهرات التي بدأت منتصف فبراير (شباط) الماضي، وأدت إلى اندلاع حركة احتجاج مسلحة دفعت عائلة القذافي إلى الاختباء. وأضاف قادر أن الصور المأخوذة من كاميرات المراقبة على شاشات عملاقة ساعدت أجهزة الاستخبارات والمخبرين في التعرف على الذين شاركوا في المظاهرات المناهضة للنظام.

وقال قادر: «الوشاية كانت تطال كل منزل، ونظام القذافي كان يعرف كل من يسكن في كل منزل، ومن معه ومن ضده». ويتحدث قادر، على سبيل المثال، عن حي سوق الجمعة في جنوب طرابلس، الذي كان من أول جيوب المقاومة ضد نظام القذافي بعد 17 فبراير. ويوضح أن «هذا الحي الصغير كانت فيه خمسة حواجز ثابتة و14 حاجزا متحركا و170 رجلا مسلحا و90 عنصر دعم جاهزين للتحرك والانقضاض على المعارضة».

وذكر أن أجهزة الاستخبارات كانت تقوم على مزيج من العسكر والمدنيين. وحصلت وكالة الصحافة الفرنسية على وثائق إضافية تعود إلى أرشيف أجهزة استخبارات القذافي، تظهر التعاون الوثيق بين وكالتي الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز «إم آي 6» البريطاني والاستخبارات الليبية.

وتشمل الوثائق التي حصلت عليها منظمة «هيومان رايتس ووتش» من أرشيف استخباراتي ليبي، تفاصيل عملية سرية لاعتقال الإسلامي عبد الله الصديق في ماليزيا عام 2004، الذي يقود حاليا الثوار في طرابلس.

ويرد في الوثائق أن الاستخبارات الأميركية أبلغت السلطات الليبية أنها ستعتقل الصديق وزوجته وتسلمهما إلى النظام الليبي. وعبد الله الصديق، هو الاسم الحركي لعبد الكريم بلحاج.

وفي رسالة أخرى، تهنئ الاستخبارات البريطانية نظيرتها الليبية باعتقال الصديق، ويرد فيها: «هذا أقل ما يمكن أن نقوم به لأجلكم».

وفي مكتب شارع البلدية، تحمل عشرات الملفات أسماء العملاء وغالبيتهم يملكون أسلحة، ويتبعون 15 مركزا أمنيا ووزارة الداخلية والخارجية وأجهزة الاستخبارات والأمن الوطني والشرطة العسكرية وقوات طرابلس والمجالس الثورية.

وكان هناك على الأقل 500 مخبر صغير بينهم سائقو سيارات الأجرة الذين كانوا يعملون في مركز المدينة خلال فترة نظام القذافي. ولم يكن يجني هؤلاء أكثر من 400 دينار ليبي (نحو 300 دولار) في الشهر الواحد، إلا أن رواتبهم كانت تشمل أيضا حوافز مادية. وكان الضباط الأعلى رتبة يتقاضون نحو 1200 دينار.

وقال قادر: «لم يكن الراتب ما يهم هؤلاء. بل السيارات والمنازل، والأموال التي تدفع لهم للمعالجة الطبية».

ويرى قادر أن معظم هؤلاء الأشخاص لا يزالون موجودين، مشيرا إلى أنه مكلف الآن بتعقب أماكنهم «حتى ينال الذين تورطوا منهم بأعمال إجرامية قسطهم من العقاب».

ويقول إن الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء قد يعملون في أجهزة استخباراتية جديدة. لكن التمييز بين هؤلاء يبدو صعبا بسبب اختفاء الكثير من الأدلة، وقيام رجال القذافي بتدمير قاعدة المعلومات خلال مغادرتهم طرابلس بعد دخول الثوار إليها. ويضيف قادر: «لقد دمروا كل أجهزة الكومبيوتر، لذا يتعين علينا الاعتماد على التقارير المكتوبة».

وخسر الثوار قاعدة بيانات إضافية عندما استهدفت غارات حلف شمال الأطلسي مقر عبد الله السنوسي، رجل الاستخبارات القوي وأحد أعمدة النظام. وقال قادر: «لا نعرف ما الذي خسرناه فعلا. هناك العديد من الأشياء الناقصة، بما فيها سجلات المرتزقة الذين كانوا يقاتلون دفاعا عن النظام».