نشطاء البدو في سيناء: النظام السابق عاملنا كمواطنين «درجة ثانية».. وتردي الوضع الأمني مسؤوليته

طالبوا بتملك أراضيهم وبتوفير الأمن قبل التنمية

TT

بعد عقود طويلة من إغفال الحكومة المصرية الاستماع لصوت أبناء سيناء، وإهمال تنميتها بالشكل المطلوب وهو ما أدى لتفاقم الأوضاع الأمنية هناك بشكل وصل لذروته في شهر يوليو (تموز) الماضي حين قام مئات المسلحين بالهجوم على قسم شرطة العريش وهو ما نتج عنه سقوط قتلى، أكد عدد من نشطاء البدو بسيناء لـ«الشرق الأوسط» أن سوء معاملة أبنائها أمنيا والإهمال الحكومي المتعمد للتنمية داخل شبه جزيرة سيناء في ظل النظام السابق كان وراء زيادة حالات الانفلات الأمني طوال الفترة الماضية.

وأضاف النشطاء أنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية بسيناء في ظل الانفلات الأمني الحالي. وفيما تعتبر حماية الحدود أحد أدوار الدولة في المقام الأول، طالب نشطاء بدو بأن يتم إشراكهم في هذا الأمر، وذلك لخبرتهم بطبيعة المنطقة الحدودية.

ويقول يحيى أبو نصيرة، أحد النشطاء بسيناء، الذي كان معتقلا لأكثر من 30 شهرا، وأفرج عنه قبل ثورة «25 يناير» بأشهر قليلة، إنه «ثمة مبالغة في سوء الأوضاع الأمنية في سيناء»، مشيرا إلى أن الأزمة تعود لعدد ممن وصفهم بـ«البلطجية». وتابع بقوله: «كان النظام السابق يستعين بهم (البلطجية) وهم الآن يرغبون في إحداث مشكلات بسيناء لضمان استمرار وجودهم وحماية مصالحهم التي كان يرعاها النظام السابق».

ويلفت أبو نصيرة إلى وجود بعض من أبناء سيناء لهم أجندة خاصة ويعملون على إحداث حالة من الانفلات الأمني بها، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: إن «هناك بعض الأجهزة الحكومية وبعض فلول النظام السابق ممن لهم مصالح بسيناء وهم يعملون على الترويج في الإعلام بوجود مشاكل بسيناء حتى تظل ساحة للصراع وليست ساحة للأمن والتنمية».

وتعد قضية تمليك الأراضي لأهالي سيناء من أهم المشكلات التي تعوق التنمية في شبه الجزيرة التي يقول مراقبون إنها قلب الأمن القومي في البلاد، فأبناء سيناء يعيشون على أراضيهم منذ مئات السنين لكنهم لا يمتلكون أراضيهم ولا منازلهم وهو ما يشكل أزمة كبيرة جدا لأهل سيناء، وهو ما علق عليه أبو نصيرة قائلا «من حق أهل سيناء تملك أراضيهم فقد دافعوا عنها لعقود طويلة، لكن البعض يخاف أن نبيعها للأجانب، وأنا أؤكد أن هذا مستحيل»، فيما أوضح آخرون أن معاملة البدو على اعتبار أنهم مواطنون من الدرجة الثانية لا حق لهم في تملك شبر على أرضهم قد أصبح أمرا غير مقبول بعد الثورة.

ويشكل عدم توفر المياه أزمة أخرى، فكثير من الأراضي الزراعية برفح والشيخ زويد تعرضت للتصحر لنقص المياه، هذا بالإضافة إلى تسمم المياه في كثير من المناطق، وتفتقد سيناء لمحطات تحلية المياه للشرب وللزراعة، التي سيؤدي توفرها لتدفق الاستثمارات على سيناء.

وعبر سنين طويلة، استخدم الأمن للتعامل مع مشاكل سيناء، وهو ما صنع فتورا كبيرا في العلاقة بين أهالي سيناء وصانع القرار في القاهرة، وكشف أبو نصيرة عن أن النظام السابق حكم أهالي سيناء بواسطة البلطجية والخارجين عن القانون، معتبرا أن النظام السابق لم يكن يعترف بأهالي سيناء كمواطنين، بل كمواطني درجة ثانية وتعامل معهم بعصا الأمن فقط لا غير.

وكشف موسى الدلح، وهو من أشهر المطلوبين للنظام السابق، عن أن سياسة النظام التي اعتمدت على تجنيد شيخ القبيلة لصالحه ولصالح الأجهزة الأمنية أدى لانعدام الثقة بين البدو والشرطة وهو ما فاقم الأوضاع في سيناء بشكل كبير، وقال الدلح «الشرطة لفقت التهم للبدو مما زاد من الصورة السلبية للمجتمع عنهم بوصفهم مشتبها بهم حيث أصبح السائد لدى العامة أن البدوي إما تاجر مخدرات أو تاجر سلاح». ويفضل الدلح أن يكون اختيار شيخ القبيلة عبر الانتخاب حتى تكون الريادة للبدو وليس للنظام الذي يقوم بتعيين مواليه. وقال الدلح إن للبدو دورا هاما وواضحا في تأمين الحدود الشرقية للبلاد، وأكد أن العمل بنظام الحرس الوطني في السابق كان يتيح الفرصة للبدو لتأمين الحدود حيث كان يتم الاستعانة بأهل المنطقة من البدو في سيناء لتأمين الحدود وكان يتم تخصيص نظام عمل لهم ودوريات ورواتب شهرية وهو ما يدعو لعودة الحرس تحت إشراف المخابرات العامة المصرية.

المثير، أن الانفلات الأمني في سيناء ليس وليد الثورة فهو يعود إلى سنوات مضت، حيث شهدت سيناء عدة عمليات إرهابية في طابا وشرم الشيخ، ويرجع الناشط السيناوي سعيد حجي تفاقم الأوضاع داخل سيناء إلى سياسات القمع التي قام بها النظام السابق تجاه أبناء سيناء والتي أدت إلى حالة من الاحتقان والضيق لدى الأهالي هناك، خاصة في ظل التعامل الأمني العنيف مع المواطنين بعد أحداث طابا. وقال حجي: «ما حدث في سيناء خلال الشهور الأخيرة هو حالة من الانتقام تجاه الشرطة التي طالما تعاملت معهم على أنهم مجرمون».

وقال خالد عرفات، أحد النشطاء من بدو سيناء والقيادي بحزب الجبهة، إن «القضاء على حالة الانفلات الأمني يتطلب تطبيق القانون بكل قوة وردع للقضاء على البلطجية الذين روعوا الآمنين من أبناء سيناء وهددوا الاستقرار بها»، لكنه استدرك قائلا إن البلطجية لا يجدون من يردعهم الآن بكل أسف.

وقبل أيام أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها تطبيق خطة متكاملة لتنمية سيناء والنهوض بها، لكن النشطاء البدو يعتقدون أن الخطة لا بد أن يسبقها توفير الأمن لأهل سيناء عبر زيادة قوات الأمن وعناصر من الجيش هناك للقضاء على البلطجية والمجرمين، مما أثر سلبا على عدد المصطافين في العريش في ظل وجود عصابات مسلحة تهاجمهم وتقوم بالسرقة والخطف. حيث إن الاستثمار والسياحة يعتمدان أساسا على توفير الأمن.

وقال الناشط سعيد حجي «لا بد من توفير مياه عذبة صالحة للشرب وللزراعة واستصلاح الأراضي، فسيناء يوجد بها مساحات كبيرة من الأراضي التي يمكن استصلاحها بأقل التكاليف». وأضاف حجي أنه يجب إنشاء جامعة للأزهر بسيناء لنشر الفكر الإسلامي المعتدل بين أبناء سيناء لتجنب سيطرة الأفكار المتطرفة للجماعات الإسلامية عليهم، مستهجنا إنشاء جامعة خاصة لا يستطيع الكثير من أبناء سيناء دخولها. وكذلك إقامة مشاريع وتوفير فرص عمل وجعل سيناء مأهولة بالسكان حتى يمكن أن يكون الأهالي درعا بشرية لحماية سيناء والحدود.

لكن عرفات اعتبر أن تنمية سيناء لا تمثل سوى مجرد كلام ووعود للإدارة السياسية في مصر، حيث قال إن «القيادة السياسية ترى سيناء مجرد مكان جغرافي وليس أرضا بها بشر تحتاج للرعاية والتنمية».

وربما يمكن القول، إن ما يحتاجه أهل سيناء الآن بصورة فورية ليس الأمن أو التنمية بل مجرد الشعور بأنهم مواطنون مصريون طبيعيون بعيدا عن صورة التخوين التي رسخها الإعلام عنهم عبر عقود عانوا فيها من التهميش.