بعد أسبوع من اغتيال الإعلامي العراقي هادي المهدي.. لجان التحقيق تختفي

مرصد الحريات الصحافية لـ «الشرق الأوسط»: البرلمان يطلب حماية عشائرية للصحافيين

TT

يخشى الصحافيون والمثقفون والناشطون المدنيون العراقيون أن يضيع دم الصحافي والمسرحي والناشط المدني، هادي المهدي، الذي اغتيل، الخميس قبل الماضي، ذلك لأن مجموع من قتل من الصحافيين العراقيين طوال السنوات السبع الماضية زاد على الـ300 صحافي، فإن مضى أكثر من أسبوع على مقتل المهدي في منزله في حي الكرادة الهادئ والمحروس جيدا وسط بغداد يوشك أن يعلق جثة المغدور على شماعة القاتل المعلوم، وهو الثالوث المعروف والمرحب بتوجيه شتى أنواع التهم إليه، وهم حسب الأهمية: «القاعدة» و«البعثيون» و«التكفيريون».

وطبقا للبيانات التي أصدرها أعضاء الطبقة السياسية التي نعت المهدي، فإنها لم تجد أي عناء في توجيه التهم الجاهزة إلى هذا الثالوث، مع دعوة الأجهزة الأمنية إلى ضرورة إلقاء القبض على القتلة، وفي أسرع وقت ممكن.

ليس هذا فقط، فإن الدعوة لإلقاء القبض ليست كافية، بل يجب أن يحال المتورطون إلى القضاء لكي ينالوا جزاءهم الذي يشترط فيه أن يكون «عادلا»، لأن العراق اليوم دولة ديمقراطية ويجب أن تتوفر شروط العدالة حتى على القتلة والمجرمين. وبما أن عمليات القتل بحق الصحافيين والإعلاميين والناشطين مستمرة منذ سبع سنوات، فإن أيا من عمليات القتل التي بلغ ضحاياها من بين الصحافيين والإعلاميين فقط نحو 300 لم يلق القبض على أحد أو يحاكم، ومن ثم ينال جزاءه بصرف النظر عما إذا كان عادلا لا. وانزوت لجان التحقيق التي أعلن عن تشكيلها عشية الإعلان عن مقتل المهدي، التي تكفلت بها وزارة الداخلية بهدوء بحثا عن القاتل المستحيل، لأنه حتى على صعيد توجيه التهمة الجاهزة على ثلاثة أطراف مختلفة، فإن الأوساط الرسمية تضيع دم القتيل العراقي، ليس فقط بين قبائل القتلة والمجرمين المجهولين، بل إن دمه يضيع حتى بين الأعداء التقليديين للعملية السياسية وهم «القاعدة» و«البعثيون» و«التكفيريون».

وبعد أسبوع على مقتل المهدي، فإن السؤال الذي يطرحه أهل وزملاء المغدور، وكذلك الرأي العام العراقي هو: من قتله من هؤلاء الأعداء الثلاثة؟

مرصد الحريات الصحافية، وعلى لسان مديره التنفيذي هادي جلو مرعي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الصحافيين والإعلاميين والمثقفين العراقيين هم مثل الطيور المهاجرة على صعيد عمليات القتل والاغتيال، إذ لا يُعرف أين يمكن أن تقع هذه الطيور؛ مرة في عرض البحر ومرة من أعلى شجرة ومرة أخرى يمكن أن تصطدم بجبل وتسقط وتموت»، مضيفا أن «هذا الوضع المأساوي الذي نبدو عليه لا يمنعنا من استمرار العمل والعناء الحزين والبحث الدائب عمن قتل هادي المهدي، ومن قتل أكثر من 300 مثل المهدي وسواه طوال السنوات الماضية، وبالتالي، فإننا نظل من منطلق مسؤوليتنا نطالب بأن يكون للبحث والتحقيق مصداقية لكي لا تفلت العدالة إلى الأبد». وأشار إلى أن «أخطر ما يمكن أن نواجهه هو أن يذهب موضوع هادي المهدي مثل سابقيه لكي يستمر القتل والقمع مرة أخرى، وكأن شيئا لم يكن».

وأوضح أنه «لكي تكتمل المأساة، فإنه حتى عندما شرع البرلمان قانون حماية الصحافيين فإنه حوله في الحقيقة إلى نوع من الحماية العشائرية للصحافي، وليس الحماية المدنية».

من جهة أخرى، أدان عدد من المثقفين العراقيين في المملكة المتحدة حادث اغتيال زميلهم المهدي، ووقع عدد من الكتاب والشعراء والفنانين العراقيين في لندن بيانا أمس، تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه، جاء فيه: «على الرغم من الضجة التي أثارتها تلك الحادثة الشنيعة، محليا ودوليا، فإن الحكومة سكتت عنها، وكأنها لم تكن. في مرة ثانية تكررت الحادثة مع شبان متظاهرين آخرين، أضافت فيها القوات الأمنية، إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب، تهمة التزوير في وثائق رسمية. ثم قدمت الحكومة أخيرا نسختها العراقية من (موقعة الجمل)، يوم أنزلت المسلحين بالعصي والسكاكين إلى المتظاهرين في ساحة التحرير»، مضيفا: «وفي كل هذه الحوادث أظهرت الحكومة انخفاض منسوب احترامها لحرية التعبير إلى درجة الصفر، وكشفت عن غياب حساسيتها تجاه كرامة الأفراد، كما عبرت بمثل هذه الأفعال الشنيعة عن اعتمادها نهجا منظما لإشاعة الخوف، وهو النهج الذي يعبد الطريق لقيامة الاستبداد».

وتساءل الموقعون على بيان الإدانة والاستنكار: «هل ستتمكن السلطة بأجهزتها الضخمة من أن تكشف للشعب الذي انتخبها خيوط الجريمة وتقتص من جناتها؟ وأن تثبت أنها مختلفة قليلا عن النظام السابق؟ ومهما كان فإننا لن نتوقف عن المطالبة بكشف الجناة بكل طريقة ممكنة، بما في ذلك السعي لإجراء تحقيقات على مستوى دولي مستقل. نحن نتهم، ونحن للأسف نتوقع الأسوأ. إنهم يلاحقون بذور (الربيع العربي) في ربوعنا ويحاولون اجتثاثها».