لندن تحتفل في «أسبوعها» للموضة بما حققته من سبق خلال السنوات الأخيرة

بحفلات وعروض مشوقة.. في عرس ما زال في أوله

TT

من المستحيل أن تمر مناسبة مثل «أسبوع لندن للموضة»، بكل ما تعنيه من بريق وحضور عالمي مهم، من دون استغلالها بشكل أو بآخر.

المصممة ماريا غراشفوغل مثلا لم تكتف بتقديم عرض خاص في فندق «السافوي» العريق يوم الجمعة، بل احتفلت مساء اليوم نفسه بافتتاح محل ضخم في العاصمة، وتحديدا في منطقة سلون سكوير الراقية على مساحة 2500 متر مربع. المصممة قالت إنها استوحت تصميمه من الثلاثينات من القرن الماضي ومن الـ«آرت ديكو».

محلات «سيلفريدجز» المعروفة، من جهتها، استضافت كلا من النجمة بيونسي ووالدتها تينا لكي تعلن على الملأ أنها الوحيدة، خارج الولايات المتحدة الأميركية، التي ستتوافر على ماركة «هاوس أوف ديريون» التي تصممها النجمة ووالدتها. وجاء إعلانها على شكل حفل تخلله عرض أزياء وموسيقى ورقص إلى ساعات متأخرة من الليل، وهذا على الرغم من أن بوادر الحمل كانت بادية بوضوح على بيونسي.

من ناحية أخرى، الجهة المنظمة لأسبوع الموضة نفسها نظمت عدة حفلات، أو على الأقل أشرفت عليها أو رعتها، إما احتفاء بمصممين شباب أو تشجيعا لهم بتوزيع جوائز على الفائزين منهم.

كل هذا يشير إلى أن العاصمة تصرخ بأعلى صوتها للعالم بأنها في أحسن حال، وأنها ند لا يستهان به لباقي عواصم الموضة التي كثيرا ما تجاهلتها واعتبرتها الحلقة الأضعف في دورتها الموسمية. وفي هذا السياق استغل بوريس جونسون، عمدة لندن، بدوره، مناسبة افتتاحه «الأسبوع»، وقال في كلمته: «إن لندن أصبحت رسميا عاصمة موضة لا يستهان بها»، متفوقة هذا العام على كل من باريس ونيويورك، بحسب دراسات قامت بها جهات أميركية وبريطانية.

وأضاف جونسون أن هذا الأمر سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد ويشجع على المزيد من الإبداع، عدا عن إتاحة فرص أكبر أمام الشباب والتخفيف من أزمة البطالة التي تهدد المجتمع البريطاني. ومع أن العمدة لم يبق طويلا بعد الافتتاح، ولم يتابع العروض، فإن كلامه ترك صداه وأكد مصداقيته مع كل عرض تابعناه سواء في مبنى «سومرست هاوس»، المقر الرئيسي، أو الأماكن المتفرقة على ضفاف نهر التيمس.

ففي الجهة الأخرى من «سومرست هاوس»، مثلا، وعلى بعد دقائق فقط، يقع فندق «السافوي»، حيث كان الموعد مع تشكيلة ماريا غراشفوغل.

نظرة واحدة إلى الحاضرات، تجعل الأزمة المالية التي تتكرر في كل نشرات الإخبار تبدو وكأنها مجرد مزحة يراد منها التخويف، أو بالأحرى خلق البلبلة. فالمصممة الشابة تخاطب المرأة المخملية الأنيقة، وهؤلاء الحاضرات هن زبوناتها، بكل ما يوحي به مظهرهن من حياة لذيذة تنأى عن مشاكل الحياة اليومية المملة.

بدأ العرض وتهادت العارضات في فساتين حريرية منسابة بشكل عفوي على طول الجسم أو إلى الركبة، تحدد أجزاء منه تارة وتتسع عند أجزاء أخرى تارة أخرى لتخلق تناقضا مثيرا ومتناغما في الوقت ذاته.

حتى اختيارها درجات الألوان اتسم بلمسة أرستقراطية، بدءا من الأخضر الفستقي أو الزيتوني إلى الأحمر المائل إلى التوت البري أو الأزرق النيلي أو الأسود أو البني. لكن الفساتين لم تكن وحدها الحاضرة في العرض، حيث جاءت الجاكيتات الجلدية بتصاميم لا تقل عصرية وأناقة، مثل جاكيت رمادي واسع بسحاب مائل على طول الصدر، إلى جانب بعض النقوش الهندسية الخفيفة في فساتين بالأبيض والأسود.

غير أن هذه النقوش لا تعتبر شيئا بالمقارنة بما قدمه المصمم جان بيار براغانزا. فكل ما في عرض براغانزا كان يضج بالنقوش والأنماط الهندسية التي كانت تميمة التشكيلة، رغم أنه لم يبخل بالألوان المرجانية، والفساتين الضيقة التي تتخللها أجزاء شفافة وأشكال متعرجة لكن بحساب، ولقد نسقها مع جاكيتات مفصلة تخاطب كل المناسبات.

في الحقيقة قدم المصمم خزانة تضم كل ما يمكن أن ترغب فيه المرأة، بغض النظر عن أسلوب حياتها. فقد كانت هناك مجموعة كبيرة من الفساتين الناعمة لمناسبات «الكوكتيل»، وسراويل قصيرة للأيام العادية وقمصان وجاكيتات للعمل وغيرها. الألوان أيضا كانت متنوعة تتباين بين الأصفر والأسود والأبيض والرمادي والمرجاني، اللون الذي تكرر في الكثير من العروض، ومن الواضح أنه سيكون قويا في الصيف المقبل إلى جانب الأخضر والأصفر والبرتقالي والأزرق.

ما يثير الإعجاب في التشكيلة هو تلك العملية الحسابية أو الهندسية التي برهن عليها جان بيار براغانزا وكأنه رسم كل خط بالمسطرة، سواء تعلق الأمر بالأشكال المستوحاة من فن «الآرت ديكو»، أو بالطيات والتفاصيل التي أضفاها على جاكيتات مفصلة وأخرى تعرضت لعملية تفكيك مبتكرة لتتناسب مع تنورات تغطي الركبة في الغالب، أو سراويل «حريم» بخصور منخفضة.

بالنسبة لعرض الثنائي جينا ثيو، فإن تزامن عروض على هامش البرنامج مع عرضهما الرسمي كان له تأثير على نسبة الحضور، إلى حد القول بأن عرضهما كان الوحيد تقريبا الذي لم يشهد ازدحاما.. لكنه إذا كان هادئا من ناحية عدد الحضور، فإنه لم يكن كذلك في ما قدمه من تصاميم «درامية».. إن صح القول. فقد لعب الثنائي على مفهوم الضوء والظلام من خلال اللعب بالأسود والأبيض في تصاميم مستوحاة من هوليوود لكن بأسلوب نيويورك الـ«سبور». ومن هنا انسابت الفساتين والقمصان على أقمشة ناعمة من الحرير مع تركيز واضح على منطقة الصدر التي أبدع فيها الثنائي أشكالا تكاد تتطاير مع أخف نسمة هواء.

القمصان الواسعة والطويلة وكأنها فساتين قصيرة، تم تنسيقها مع «شورتات» قصيرة جدا من الجيرسيه أو مع بنطلونات ضيقة من الدينيم، بينما تجلت الدراما الهوليوودية أيضا في ألوان الأسود والرمادي مع بعض درجات الفواكه الصيفية مثل الشمام والمشمش.

اللون الأسود كان أيضا قوي الحضور في عرض الأختين أنيت ودانييل، اللتين أسستا ماركة «فيلدر فيلدر»، لأن التشكيلة كان يغلب عليها الأسلوب القوطي، وبالتالي جاءت زاخرة بالمتناقضات والأضداد، مع تلاعب واضح على مفهوم القوة والنعومة، وأحيانا «الماسو سادية». فقد تهادت العارضات بفساتين من الشيفون كما بقطع من الصوف بياقات من الجلد وأحذية مرصعة بقطع مدببة، إلى جانب جاكيتات مستوحاة من ملابس سائقي الدراجات النارية.

كل ما في العرض كان موجها لامرأة جريئة تتلذذ بصدم الآخرين، لكنه تضمن أيضا قطعا ناعمة وخفيفة غلب عليها اللون الأسود، في حين كان اللونان الأخضر والبرتقالي مجرد تفاصيل لإضفاء بعض الضوء على قطع قوطية قاتمة.

المصممة السويدية آن صوفي باك، كانت من جانبها وفية للأسلوب الأوروبي، بتفصيله الهندسي وألوانه الهادئة جدا، ومن هنا تميزت التشكيلة التي اقترحتها لربيع وصيف 2012 بالبساطة التي تصرخ بأن القليل كثير وبمخاطبتها امرأة مثقفة وعملية. هذا طبعا إذا استثنينا تنسيقها الأحذية بجوارب شفافة.. فقد يكون الأسلوب موضة بالنظر إلى عدد المصممين الذين تبنوه، لكنه قد لا يجد صدى لدى المرأة الناضجة أو الكلاسيكية التي ستروق لها هذه التشكيلة رغم ابتكارها وغرابة بعض تفاصيلها.