مهرجان أدنبره الدولي يستضيف مسرحية «ألف ليلة وليلة»

ضمن فعالياته لتضييق الهوة بين الشرق والغرب

جانب من العرض («الشرق الأوسط»)
TT

تعهد مدير مهرجان أدنبره الدولي باسكوتلندا في دورته الحالية، بمد جسور التواصل بين أوروبا وآسيا عبر برنامج طموح خلال شهر أغسطس (آب) - من كل عام - يتركز بشكل أساسي على الفن الآسيوي، بما في ذلك الأوبرا الصينية والرقص الهندي والرؤية الكورية الجديدة لإبداعات شكسبير.

يتوافد ملايين الزوار إلى أدنبره كل عام لمتابعة المهرجانات التي تقام فيها كل عام، والتي حولت العاصمة الاسكوتلندية من عاصمة تاريخية نائمة إلى مركز ثقافي نابض بالحياة.

ويعتبر مهرجان أدنبره الدولي في نسخته الحالية استكشافا واحتفاء بالثقافات المتنوّعة والنابضة في آسيا والتأثيرات القوية التي أحدثتها على المشهد الثقافي في الغرب. ويأتي المهرجان ضمن المهرجانات الكثيرة التي تستضيفها العاصمة الاسكوتلندية كل صيف والتي تشكل معا أضخم حدث ثقافي في العالم.

كان من بين أبرز فعاليات المهرجان باليه «ذا بيوني بافليون»، قصة الحب التي كتبها المؤلف المسرحي تانغ شيانزو، والتي أدتها فرقة الباليه الصينية. كانت نسخة من رواية صينية تجمع الباليه الكلاسيكي الغربي والأوركسترا السيمفونية والأدوات الصينية التقليدية.

وتضمنت العروض الأخرى عرضا لمسرحية «هاملت» للكاتب الإنجليزي الأشهر ويليام شكسبير، لدار أوبرا شنغهاي، ومسرحية «العاصفة» لدار المسرح الكوري. واستمتع الجمهور بعزف الموسيقى الهندية في عرض «الموسيقى الأسطورية في راجستان»، التي تضمنت أصواتا وأدوات للمجتمعات الصحراوية.

ويقول جوناثان ميلز، مدير المهرجان: «استلهم الفنانون والمستكشفون والفلاسفة الأوروبيون الكثير من الشرق الأقصى لقرون. وبدوره فقد استلهم المهرجان من ثقافات متعددة من فيتنام والصين».

وتحدث ميلز إلى صحيفة «السكوتسمان»، أثناء مأدبة الغداء التي أقيمت خلال المهرجان، مشيرا إلى هذه أن العروض ستشكل الحدث الرئيسي خلال المهرجان وسيتيسر الوصول إليها، إضافة إلى العروض الفردية في قاعة كوينز هول والأوركسترا الرئيسية من أميركا وأوروبا. من بين أبرز العروض التي شهدها الاحتفال أوبرا ماريينسكي لدار بطرسبرغ، وهي إنتاج ملحمي لرواية ريتشارد شتراوس «امرأة دون ظل».

ونقل ميلز المهرجان هذا العام إلى ما هو أبعد من الجذور الأوروبية، بعدد كبير من الأعمال الآسيوية كان من أشهرها لعازف السيتار الهندي العالمي الشهير رافي شنكار وأعمال الرقص التي صممها مصمم رقصات أولمبيات بكين. ثم قال: «لا يحاول المهرجان إبراز تأثير آسيا على أوروبا أو أوروبا على آسيا، بقدر سعيه إلى بناء جسر للتواصل بين أوروبا وآسيا في أدنبره في أغسطس، واستكشاف (العلاقات التبادلية) بين أوروبا وآسيا بدءا من عزف مقطوعات المؤلف الموسيقي الفرنسي ديبوسي بأوركسترا إندونيسية إلى أداء مسرحيات شكسبير. ويعكس هدف مهرجان العام الحالي (إلى الغرب الأقصى)، التركيز على الفنانين الشرقيين والتأثيرات الشرقية القادمة إلى أدنبره».

ولقد امتدت فكرة الاطلاع على الثقافات الشرقية، في المهرجان، إلى العالم العربي عبر عرض ملحمة «ألف ليلة وليلة»، من إنجاز تيم سابل، في جزأين تمتد على امتداد ست ساعات على مسرح «الرويال ليسيوم» ولقد أديت باللغة العربية ووزعت على الحضور ترجمات باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

كان المفترض أن تكون خشبة المسرح الضخمة، التي اتسمت بتعدد الثقافات لهذه الملحمة العربية الضخمة، من بين الفعاليات الأكثر جذبا للاهتمام، لكنها كانت أقل تأثيرا من قضية أكثر أهمية تتمثل في التحول الحاسم في تاريخ العرب والعالم الذي تجري وقائعه في الوقت الراهن. ونظرا لأن العرض يغص بالجنس والعنف لم تكن لدى القائمين عليه نية القيام بجولة في العالم العربي.

لقد اقتبس سابل، بالتعاون مع الروائية والكاتبة اللبنانية حنان الشيخ، النص ومن ثم أعده من النص الأصلي لقصة «ألف ليلة وليلة»، وتعرض نسخة الشيخ وسابل 16 قصة في جزأين كل منهما طوله ثلاث ساعات، وأداها باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية 19 ممثلا وممثلة جاءوا من مختلف دول العالم العربي. وكانت مهمة هؤلاء إزالة الانطباعات الأوروبية السطحية عما يسمونه «الليالي العربية»، والعودة بالمشاهد إلى القصص الأصلية الأكثر واقعية.

وطبعا، كما هو معروف، تبدأ كل قصة من هذه القصص بالقصة الرئيسية للجميلة شهرزاد، التي تمكنت من الإفلات من القتل على يد زوجها الذي كان تعرّض للخيانة من قبل، بفضل رواية القصص المشوقة له والتوقف قبل موعد نومه عند مقطع مثير للفضول كي يظل متشوقا لمعرفة المزيد فلا يأمر بإعدامها. وفي هذا السياق نرى نسوة تنتهك حقوقهن على أيدي الرجال ويتعرضن للاغتصاب والتكفير والخيانة والتكذيب أو القتل من دون محاكمة أو النبذ من المجتمع أو التمييز المتعمد. وفي المقابل، حيثما تتمكن النساء من استجماع ما يكفي من القوة لاسترداد حقوقهن نرى الرجال وقد سقطوا ضحية للخداع والتملق والخيانة والدمار، وهو ما يشكل جزءا من سحر هذه الملحمة الرائعة، على الرغم من أن الطابع المأساوي عليها لا يغلب عليها بشكل دائم.

لقد احتوت المسرحية على الفكاهة السريالية الفجة، والكوميديا الخفيفة، والوعي الدائم بأنه إذا استطاع الرجال والنساء تدمير بعضهما بعضا فإن ذلك يعود تحديدا إلى جمال الرغبة المتبادلة التي توحدهما في المقام الأول، وهي صورت بطريقة مثيرة حسيا في هذه النسخة من القصة، عبر الكثير من العلاقات العاطفية والجنسية الصارخة، واحدة تلو الأخرى، سواء كان ذلك عن رغبة من الاثنين أم غير ذلك.

العرض تميز بالحيوية على الرغم من البساطة التي غلبت على تصاميم خشبة المسرح، من التحف وأشكال البوابات الخشبية في الخلفية وبعض السجاد الذي نثر على الأرض، والممثلين الذين كانوا حفاة في غالبية المشاهد، والفواصل بين رواية القصة والاستماع أو التمثيل في القصص. وكان التأثير الأكثر بديهية في الشكل والصوت وطريقة السرد القصصي الواضح المستوحى من مسرحية بيتر بروكس الضخمة «ماهابهاراتا» (الملحمة الهندية العظيمة) التي قدمها مع فرقة مشابهة في منتصف الثمانينات. بيد أنه بعد 25 سنة، يبدو أسلوب سابل «التقليدي الجديد» متقادما، ومزاجيا إلى درجة مزعجة في كثير من الأحيان، إلى جانب كونه مفتقرا إلى الإبداع الفني والطاقة العقلية والتجريبية لكي يمثل فعلا اتجاهات العصر الحديث. وإلى ما يعكس إحساسا بالهوية متحركا وسلس الانسياب ضمن السياق الأوسع لتبادل الثقافات.

مثل هذا الأسلوب يحول دون تطوير العرض لأسلوب السرد القاطع المطلوب لخلق تجربة مسرحية مقنعة لجمهور القرن الحادي والعشرين. ولقد تجلت حصيلة هذا الإخفاق في المقاطع الطويلة الجامدة والفاترة، وبعض التمثيل البالغ الرتابة.

للأسف، فإن هذا القصور يخفي في العرض، ضمن القصص التي يرويها ذاتها، تأملات مستمرة رائعة في طبيعة القهر، وفي الخوف والشفقة على النفس، والشعور بجنون العظمة لدى الشخص الذي يمارس القهر والأسلحة البشرية العظيمة - الذكاء والموسيقى ورواية القصة والفن - التي لا يستطيع أحد أن يسلبها من الشخص المضطهد.

إن ما غاب عن العرض، بشكل مؤلم، النظرة والصورة والنقاشات الحية التي تدور حول الحريات الجديدة في العالم العربي، التي اندلعت خلال جلسات التدريب على العرض والتي كانت ترتبط بشكل قاطع بهذه الملحمة الرائعة بتجربتنا المعاصرة. وهكذا كانت النتيجة عرضا جذابا لكنه في الوقت ذاته كان مخيبا للآمال، يصبح متحللا في اعتماده بشكل مبالغ فيه على عالم الاستعراضات الغربية، ويفشل في سحب صوت أكثر أصالة من عمق ماضيه الغني وحاضره الفوار.