كوفنت غاردن.. «كل لندن»

يزورها 30 مليون سائح سنويا.. وأزقتها الضيقة تضم كنوزا تاريخية وفنية

«كوفنت غاردن» مدينة المرح والمسارح
TT

عندما يردد البعض بأن «كل ما في لندن يوجد في كوفنت غاردن» فإن هذه المقولة لم تأتِ من فراغ، فمن يقصد لندن يرغب تحديدا في زيارة مسارحها العتيقة ومطاعمها المتنوعة وأسواقها العالمية وحتى تجربة طقوس أهلها في تناول الشاي التقليدي الإنجليزي بعد الظهر. باختصار، كل ذلك يمكن تجربته في منطقة كوفنت غاردن. هذه البقعة الواقعة وسط العاصمة البريطانية، وبالتحديد على الهامش الشرقي من لندن غرب المدينة المعروف بـ«الويست إند»، تستطيع تقديم المفاجآت لأكثر الزوار ترددا عليها.

ومن اللحظة الأولى التي ستقودك قدماك إلى ساحات هذه المنطقة، وخصوصا ساحة «بيازا» التي تستقر فيها سوق كوفنت غاردن لبيع التحف والملابس والأدوات الحرفية، ستلاحظ بأن تاريخها إنجليزي عريق وروحها أوروبية تماما كما يبدو ذلك واضحا من مظهر شوارعها المرصوصة بالأحجار الذي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، حيث كانت تسير عليها عربات الخيول آنذاك، يتخللها أزقة ضيقة وحارات صغيرة ستثير فضولك لتتبع تعرجاتها. وفي الغالب تنتشر مقاهي القهوة ودكاكين المعجنات والفطائر في معظم هذه الأزقة التي تفوح منها رائحة العجين المخبوز بالزبدة اللذيذة وتقدم مختلف أنواع الكيك المطبوخ على الطريقة الإسكندنافية أو الباريسية، التي تغريك بأخذ استراحة قصيرة والتمتع بتناول كوب من القهوة والشاي وأنت تستمتع بمشاهدة المارة.

وللعلم، فالمنطقة مشهورة بفروع المطاعم الفرنسية والإيطالية المعروفة على نطاق واسع بين سكان تلك الدول المحليين، ويشرف عليها خيرة من الطباخين الذين يتفننون في تقديم الأطباق بحرفية عالية. ويظل تناول البيتزا المطبوخة في الفرن أو المأكولات البحرية التي تشتهر بها سواحل فرنسا من أروع التجارب هناك، إذ يوجد في كوفنت غاردن عشرات المطاعم تنتمي إلى أكثر من 20 مطبخا عالميا.

ولا تقتصر متعة زيارة كوفنت غاردن على الأكل فحسب، فهي منطقة ترفيهية من الدرجة الأولى، وإحدى المناطق المرخصة في لندن للترفيه في الشوارع على غرار رقص الشارع والألعاب البهلوانية وخفة اليد. فإذا وجدت نفسك في إحدى ساحات أو ميادين هذه المنطقة فتأكد بأن جيبك يحمل بنسا أو أثنين، فهذه المنطقة معروفة بعازفي وفناني الشوارع الذين يقضون النهار بأكمله يدهشون الحشود بمهاراتهم. هذا ولأنك ستجد نفسك جالسا أمامهم لمتابعة ما يفعلونه من نشاطات وفنون «مجنونة» فمن غير اللائق الاستمتاع بمشاهدة هؤلاء وعدم إعطاء القليل من المال على الأقل ووضعه في العلب الصغيرة والقبعات المنتشرة بقربهم على الأرض لهذا الغرض.

وتدرك بلدية «ويستمنستر» التي تشرف على كوفنت غاردن أهمية عروض الترفيه في هذه المنطقة، ولهذا فقد قررت بأن تقام العروض الترفيهية بشكل منظم وساعات محددة. ومن أبرز الساحات التي تضم هذه العروض منطقة ذا نورث هول، وبيازا، وساوث هول، وكورت يارد التي يخصص فيها الغناء الكلاسيكي فقط.

وقد تكون الفعاليات التي في الغالب لا يخطط لحضورها الزوار مسبقا، وإنما يصادفونها خلال وجودهم في كوفنت غاردن، هي أكثر ما يجذب الزوار ليعودوا إلى هذه المنطقة في المستقبل، ففي شارع «فلورال ستريت» تطلق في بعض المواسم عروض أزياء في الهواء الطلق، كما تقوم متاجر أدوات التجميل بدعوة الفتيات للخضوع لـجلسات تغيير مظهر أو «نيو لوك» أو «مايك أوفر» بغية تسويق أحدث منتجاتهم في آن واحد.

وبما أننا نتحدث عن الجمال والموضة فمعظم السكان المحليين والسياح القادمين لمنطقة كوفنت غاردن هم من المتأنقين الذين يقبلون عادة على المطاعم الأنيقة، والمتاجر لأحدث صيحات الأزياء، إذ إن التسوق في هذه المنطقة لا يقل إثارة عن مناطق شهيرة بالتسوق كـ«أكسفورد ستريت» أو «كينغز رود» إن لم يتغلب عليهما، فهي من أفخر أحياء التسوق في المدينة، كيف لا وهي تضم أكثر من 400 متجر للملابس والأثاث والإكسسوارات والتجميل؟ وغالبا ما يردد البريطانيون بأن «كوفنت غاردن والتسوق يسيران جنبا إلى جنب مثل الفراولة والقشدة». يرجع ذلك إلى أنها تضم مختلف بوتيكات الموضة الجديدة والكلاسيكية والمصممين العالمين ومتاجر الهدايا إلى جانب متجر خاص بـ«أبل» للهواتف والحواسيب.

مكانة كوفنت غاردن في عالم التسوق جعلتها خيارا لأبرز النجوم المستثمرين في الأزياء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر مغنية البوب ليلي آلن، التي اختارتها مقرا لأول تجربة لها في امتلاك محل لبيع الملابس الجاهزة بمساعدة شقيقتها الأصغر سنا، حيث افتتحت محل أزياء مؤخرا في هذه المنطقة باسم «Lucy in Disguise»، وهو خاص بتشكيلة من «الفينتاج» تقوم بتصميمها بنفسها، والمحل مخصص لتأجير الملابس، وهي فكرة جديدة بعض الشيء وغير مألوفة من قبل في لندن.

هذا ومن الصعب التجوال في كوفنت غاردن من دون الدخول في إحدى أسواقها الشعبية التي تميزها عن باقي مناطق لندن، خصوصا «سوق أبل»، وهي سوق قديمة على الطراز الفيكتوري تحيطها المقاهي والمطاعم التي يفضل مديروها أن تحوي جلسات في الهواء الطلق فتعطي هذه الأجواء مشاهد رائعة للمنطقة. وتضم السوق بضائع يدوية ومحلية الصنع، إلى جانب الحرف اليدوية والتحف، حيث إن هذه السوق فقط تضم أكثر من 24 دكانا للإكسسوارات والجواهر، بجانب 18 للفنون والمشغولات اليدوية و7 للأنتيكات. بالإضافة إلى سوق «جوبيلي»، الرواق الذي يتوسط كوفنت غاردن وتحوي الكثير من الأكشاك من صنع يدوي لمنتجات مختلفة مثل الصابون، والجواهر، وحقائب اليد، والأحزمة. أما سوق «إيست كولونيد» فتحتوي على أكشاك الملبوسات التقليدية كالحرير والمخمل المطرزة يدويا، وتفتح أبوابها للزوار من الثلاثاء إلى الأحد.

وبحجم 13 مسرحا تتربع كوفنت غاردن على عرش أكثر المناطق التي تضم مسارح في لندن. الأمر الذي يضيف إلى قيمتها التاريخية قيمة فنية، فهي تحتوي على معظم مسارح الفنون والأوبرا. ومن أبرز المتاحف التي تستحق الزيارة متحف النقل الذي يمكن من خلاله استكشاف نظام النقل الذي تتميز به العاصمة البريطانية، كما يضم قصصا حول الأشخاص الذين سافروا وعملوا في القطارات والحافلات في المدينة خلال الـ200 سنة الماضية. كما يشمل مجموعات نادرة من التاريخ حول مركبات النقل، مع عرض رائع من الترام والحافلات والأنابيب.

ولا بد من زيارة خاطفة إلى دار الأوبرا الملكية التي تعتبر بيت الأوبرا والفنون المسرحية، والتي قدم فيها أول عرض باليه في التاريخ، وترددت بين ثنايا جدرانها أصداء أنامل أيقونة العزف البريطاني هاندل.

وفي الجانب الغربي من ساحة كوفنت غاردن يوجد معلم تاريخي يرجع تاريخه إلى عام 1631 هو كنيسة القديس بولس، وهي أضخم كاتدرائية بروتستانتية في العالم التي يغلب عليها منقوشات وزخارف غاية في الروعة، خصوصا في القبة التي يبلغ وزنها 65.000 طن.

ولا يتعين على السائح أن يكون ملمّا تماما بالفنون حتى يزور المتحف الوطني، وهو أحد المتاحف الرائدة في لندن، والتي تضم أكثر من 2200 لوحة لرسامين عالميين من عصور وأزمنة مختلفة، حيث يزخر المتحف بلوحات الفنان الإيطالي جيوتو وبيكاسو.

وتعتبر محطة المترو في كوفنت غاردن من أهم نقاط اللقاء والتلاقي في المدن اللندنية، ففي فترة بعد الظهر وبداية المساء تجد المئات واقفين أمام مخرج المحطة لملاقاة الأصدقاء والأحباء، فكوفنت غاردن هي باختصار أحد شرايين العاصمة البريطانية النابضة بالحياة على مدار الساعة لأنها قريبة من المنطقة المالية اللندنية وتقع في قلبها التجاري والعملي وتمزج ما بين الفن واللهو والعمل، ولها طابع خاص ومميز، وزيارة واحدة لها غير كافية لأنه في كل مرة تزورها سوف تكتشف زقاقا جديدا برهن الاكتشاف والاستكشاف.