مصطفى بن جعفر لـ «الشرق الأوسط»: مستعدون للمشاركة في حكم تونس

الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات: من المنتظر الخروج بمشهد سياسي سيكون أنموذجا بين دول المنطقة\

مصطفى بن جعفرالأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات
TT

كشف مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات عن تفاؤله الكبير بشأن مستقبل تونس، فقد اعتبر أن الكابوس قد زال بعد أكثر من 40 عاما في العمل السياسي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوفر التونسيون فرصة جديدة أمام عودة الديكتاتورية، وهم واعون بزيف الوعود التي كان قدمها نظام بن علي سنة 1987، ومن الصعب إعادة نفس السيناريو بعد ربع قرن. وقال بن جعفر «نحن أوفياء لخطنا السابق المطالب بالحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهناك انسجام تام مع مطالب الثورة ومبادئها». وأعرب عن استعداد الحزب للمشاركة في الحكومة بعد الانتخابات مهما كانت نتائجها وذلك «سواء أكان بن جعفر في قمة المسؤولية أو في أي موقع».

كما بين بن جعفر أن المطمئن في المشهد السياسي التونسي أن القانون الانتخابي الجديد لا يتيح لأي حزب أن ينفرد لوحده بالسلطة، وهو مطالب بالتحالف مع أحزاب أخرى لإدارة شؤون البلاد، وقال «نحن على اطمئنان على المستوى الداخلي بأن انتخابات المجلس التأسيسي ستكون للمرة الأولى في تاريخ تونس صادقة ونزيهة وشفافة». وأكد أيضا ثقته في نزاهة الهياكل المرافقة للعملية الانتخابية. وطلب من الرأي العام الداخلي أن يحترم النتائج وأن يقر بمصداقيتها حتى ييسر عمل أعضاء المجلس الفائزين عبر صندوق الاقتراع.

وطمأن بن جعفر الرأي العام التونسي بأن «الفراغ السياسي في تونس لن يوجد مرة أخرى وبإمكان الحكومة المؤقتة الحالية مواصلة المرحلة الأولى التي تأتي بعد الانتخابات والجميع يعول على جدية الأطراف السياسية».

وقال إن التخوف يبقى مطروحا في كل المناسبات و«اليقظة في صفوف التونسيين مطلوبة لأنه بكل صراحة كل شيء جائز خلال الفترة القادمة».

وبشأن الجدل الدائر حول تشريك مراقبين من الخارج في العملية الانتخابية، قال بن جعفر إن حزب التكتل لا يعارض وجود مراقبين من الخارج إذا أرادت تونس أن تنشر صدى مصداقية انتخاباتنا واعتبر أن العملية في صالح تونس وبالإمكان أن تكون مفيدة لها ولعلاقاتها مع عديد الأطراف والكتل السياسية.

«الشرق الأوسط» التقت بن جعفر بمقر حزب التكتل بالعاصمة التونسية وأجرت معه الحوار التالي.

* بعد نحو تسعة أشهر من الإطاحة بنظام بن علي، كيف يبدو لكم المشهد السياسي في تونس؟

- أعتقد أن تونس بكل مكوناتها تتعلم ممارسة الديمقراطية. لقد مرت الساحة التونسية بمرحلة ثورة بما خلفته من انعكاسات عديدة على غرار الانفلات الأمني وغياب الاستقرار الاجتماعي. وليس من السهل التخلص من شخص مستبد ومع ذلك نجحت تونس في هذا الأمر ولكن الطريق لا يزال طويلا للغاية فالتخلص من منظومة الاستبداد يتطلب إرادة سياسية قوية من جميع التونسيين.

* وما الذي ميز مرحلة ما بعد بن علي حسب رأيكم؟

- إن عدد الأحزاب لوحده يكفي للتدليل على ما تعرفه الساحة السياسية ومكونات المجتمع من حراك لا مثيل له في تاريخ تونس الحديث. البعض تحدث عن تخمة في الأحزاب بعد بلوغ حد 111 حزبا حاصلة على الترخيص القانوني، وهو ما يؤثر على الرأي العام التونسي ويربكه، ولكنني أرى الأمر من زاوية مختلفة فالوضعية صحية من الناحية السياسية لأنها أعطت زخما سياسيا غير مسبوق ومن المنتظر غربلة الأحزاب والخروج بمشهد سياسي سيكون أنموذجا بين دول المنطقة.

* ولكن هذا العدد الكبير من الأحزاب أثر على الحياة السياسية، وقد يصعب مأمورية الاختيار لدى التونسيين في انتخابات المجلس التأسيسي القادمة؟

- لا أعتقد أن تواصل جيوب الانفلات الأمني على أكثر من جبهة له علاقة بالأحزاب السياسية، فالأحزاب ساهمت من موقعها كذلك في تحسن الوضع الأمني وهناك قطاعات هامة من الاقتصاد تعمل الآن بشكل جيد ولا بد من الإقرار بأن الحياة اليومية للتونسيين قد تجاوزت مرحلة التأزم الكبير الذي عرفته غداة هروب الطاغية. وهناك مؤشرات كثيرة تبعث على التفاؤل.

* وماذا عن استعدادات حزب التكتل للمحطات الانتخابية القادمة؟

- لدينا أجندة واضحة فقد تمكنا من صياغة قانون انتخابي حصل حوله التوافق، وننتظر اجتياز موعد 23 أكتوبر (تشرين الأول) القادم وتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود. ولعل التوصل للاتفاق حول إعلان المسار الانتقالي بين 11 حزبا سياسيا لها ثقلها في المشهد السياسي، قد يوفر فرصة تاريخية لتغيير الوضع السياسي وتحقيق مكاسب هامة على جميع الواجهات. وننتظر من كافة الأحزاب وخاصة تلك التي أمضت على نص الإعلان الإيفاء بالتزاماتها والتمسك بها عند الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي القادمة.

* هل هناك اتفاق واضح بين الأحزاب السياسية حول المحطات التي ستلي انتخابات المجلس؟

- هذا هو ما نرجوه ونحن نسعى إلى طمأنة الرأي العام التونسي بأن الفراغ السياسي في تونس لن يوجد مرة أخرى وبإمكان الحكومة المؤقتة الحالية مواصلة المرحلة الأولى التي تأتي بعد الانتخابات والجميع يعول على جدية الأطراف السياسية ونضجها وقدرتها عل مواصلة الحوار حتى موعد الانتخابات وبعد الإعلان عن النتائج.

* ألن يكون التوافق بين مختلف الاتجاهات السياسية أمرا عسيرا؟

- الاتفاق المبدئي حول بعض النقاط الأساسية لا يعني أن المسالة ستكون سهلة. وأود الإشارة إلى عدم وجود أي طرف سياسي حاليا في تونس يعرف الخارطة السياسية التي ستحكم بعد انتخابات المجلس التأسيسي أو تركيبة المجلس ولمن ستكون أغلبية الأعضاء وبمجرد أن نعرف ثقل كل حزب من الأحزاب وما يزنه داخل المجلس سنتمكن من وضع استراتيجيات للتعامل مع الواقع السياسي الجديد.

* هل تعتقد أن الظروف مهيأة لنقلة نوعية على مستوى الحياة السياسية في تونس؟

- الحمد لله أن الشعب لم يبق مكتوف الأيدي منذ الاستقلال فخلال 60 سنة خلت تمكنا من تحسين مستوى العيش لدى التونسيين ووفرت دولة الاستقلال المستوى الثقافي والاجتماعي الذي يجعل التونسيين لهم القدرة الكافية على تمييز كل الأمور. وفي تونس مؤهلات كثيرة يمكن استغلالها خلال الفترة القادمة لتحقيق نسب نمو قياسية. لقد تمكنت الثورة من إزاحة الكابوس وتخطت جل عناصر التضييق على حرية الانتشار والنشاط وخلقت مناخا جديدا تدفقت من خلاله طاقات جديدة وذهب الخوف والإحباط وهناك تلقائية تونسية في المشاركة وحماس كبير لتدارك ما ضاع من وقت.

* هل انتفع حزب التكتل من الانفتاح السياسي في تونس؟

- لقد ظهرت لدينا إمكانات جديدة لم تكن متوفرة قبل 14 يناير فتطور عدد المنخرطين الذي أصبح يناهز العشرين ألف منخرط وهبت إلى الحزب قدرات وطاقات وتمكنا من التأقلم السريع مع الوضع الجديد، وتحولنا في فترة قياسية من حزب معارضة وصمود إلى حزب مقترحات يستعد للمشاركة في تسيير البلاد. وبذلك نقول إن التكتل أعد العدة جيدا للمرحلة القادمة. ونحن متفائلون وأعددنا فريقا متكاملا للمشاركة في الحكم بعد انتخابات المجلس التأسيسي.

* هناك من وجه لكم الاتهام بتلقيكم مالا سياسيا مجهول المصدر، ودعاكم إلى تغيير اسم الحزب من التكتل إلى «التكتم» في دلالة على أن مصدر تمويلكم المجهول. ما مدى صحة هذا الاتهام؟

- بعد الثورة أقبلت آلاف مؤلفة من التونسيين ونزعت عن وجوهنا كابوسا دام أكثر من عشرين سنة. وهناك منخرطون ومتعاطفون، وهناك من سخر إمكانات لدعم حزب التكتل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال توجيه أصابع الاتهام لحزبنا. إن الكثير من التونسيين تعاطفوا مع حزبنا، ونظمنا الكثير من المظاهرات في المناطق «الساخنة» التي انطلقت منها الثورة مثل سيدي بوزيد والقصرين ولم يعطل أحد اجتماعاتنا. هناك انتقادات كثيرة طرحها المشاركون ولكنها لم تتحول إلى إبطال لمظاهراتنا مثلما حصل مع أحزاب سياسية أخرى. نحن أوفياء لخطنا السابق المطالب بالحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهناك انسجام تام مع مطالب الثورة ومبادئها.

* أحجمتم عن المشاركة في حكومة محمد الغنوشي.. كيف اتخذتم هذا القرار؟ وهل وراءه حسابات سياسية خاصة أن قراركم جاء متزامنا مع خروج الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة العمالية) من الحكومة وقيل حينها إن هناك تنسيقا بين حزبكم والاتحاد؟

- عبرنا عن رغبتنا في المشاركة لأن هناك فراغا سياسيا كان يهدد البلاد، ولكن اكتشفنا بعد مدة وجيزة أن الهاجس الطاغي على الفريق الحكومي بمن فيه الوزير الأول كان الاستمرارية في إدارة البلاد بنفس طريقة بن علي وليس التوجه نحو تغيير سياسي حقيقي يقطع مع ممارسات الماضي. أنا عشت فترة 7 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1987 عندما صعد بن علي إلى سدة الحكم، وقدم للتونسيين حزمة كبيرة من الوعود ولكن خسارتنا جميعا كانت كبيرة لأنه لم يلتزم بوعوده وقيادة التكتل ليست مستعدة من جديد للسقوط في نفس مشكلات سنة 1987. أما بالنسبة لتزامن خروجي من الحكومة المؤقتة مع الاتحاد العام التونسي للشغل فإن المسالة ليست إلا تطابقا في وجهات النظر، وكان التخوف الطاغي لدى جميع التونسيين أن يعاد «استبلاه» التونسيين من جديد وهو ما لم يكن أحد مستعدا لقبوله. لقد كان لدينا إحساس بأن نفس سيناريو تغيير بن علي يمكن أن يتكرر، ولدينا عديد التجارب في أوروبا والعالم حيث يتم إخراج الأحزاب الحاكمة من الباب فترجع متنكرة عبر النافذة.

* وهل برأيكم زالت هذه المخاوف نهائيا عن تونس؟

- التخوف يبقى مطروحا في كل المناسبات واليقظة في صفوف التونسيين مطروحة لأنه بكل صراحة كل شيء جائز خلال الفترة القادمة.

* ألا يعتبر هذا تراجعا عن التفاؤل الذي أعربتم عنه في بداية الحوار؟

- إن المطمئن في المشهد السياسي التونسي إن القانون الانتخابي الجديد لا يتيح لأي حزب أن ينفرد لوحده بالسلطة، وهو مطالب بالتحالف مع أحزاب أخرى لإدارة شؤون البلاد، هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية فيبدو أن الأوضاع قد تغيرت عما كانت عليه سنة 1987 ولا أعتقد أن التونسيين سيفوتون الفرصة على أنفسهم من جديد. وأبقي على قدر كبير من التفاؤل بالرجوع لهذين المعطيين.

* هل يمكن اعتبار بن جعفر شخصية سياسية وفاقية في نظر سياسيي تونس؟

- نحن نكن الاحترام لكل الأحزاب والانتقاد لا يكون إلا للبرامج. وأعتقد أن المرحلة السياسية القادمة ليست سهلة فكم القضايا كبير على الحكومة القادمة من أمن واستقرار اجتماعي وتوفير مناخ الاستثمار والحد من البطالة المتفاقمة كل هذه العناصر تتطلب تقريب وجهات النظر حتى نخرج البلاد من وضعها الصعب. وهناك اختلافات وهناك منافسة ولكن علينا خلال الفترة القادمة الابتعاد أكثر عما يبعدنا عن بعضنا البعض وأن نسعى إلى تجميع القوى وتجاوز كل ما من شأنه أن يحدث توترا أو يخلق أزمة سياسية أو اجتماعية. علينا بالتهدئة وطمأنة التونسيين على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

* وما هو تقييمكم لأداء حكومة الباجي قائد السبسي؟

- لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة الحالية قد قبلت على مضض تركة حكم بن علي ومخلفات حكومة الغنوشي بعد الثورة. ولكن بالمقارنة مع تضحيات بلدان أخرى يمكن القول إن بلادنا قد اجتازت المرحلة الصعبة.

* وما هي حسب رأيكم الأجواء التي تنتظر أن تدور فيها انتخابات المجلس؟

- نريد تطبيقا صارما للقوانين التي نادت بها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولا نريد أن ننام على مجرد الكلام. لقد انسجمنا مع الثقة التي أعطينا لمختلف الهياكل ونطالب جميع الأحزاب السياسية باحترام القانون الانتخابي والقبول بالنتائج مهما كانت. نريد الانتخابات عرسا حقيقيا حرمنا منه منذ استقلال تونس سنة 1956 ولا نود المواصلة على نفس النهج المنتكس منذ عشرات السنين.

* وما هو رأيكم في عملية مراقبة الانتخابات وعرض بعض الأطراف مثل أوروبا وأميركا المساعدة في إنجاح العملية الانتخابية؟

- نحن على اطمئنان على المستوى الداخلي بأن انتخابات المجلس التأسيسي ستكون للمرة الأولى في تاريخ تونس صادقة ونزيهة وشفافة. ولدينا ثقة تامة في نزاهة الهياكل المرافقة للعملية الانتخابية. ونريد من الرأي العام الداخلي أن يحترم النتائج وأن يقر بمصداقيتها حتى ييسر عمل أعضاء المجلس الفائزين عبر صندوق الاقتراع.

ولكننا كذلك لا نعارض وجود مراقبين من الخارج إذا أردنا أن ننشر صدى مصداقية انتخاباتنا وهي في صالح تونس وبالإمكان أن تكون مفيدة لها ولعلاقاتها مع عديد الأطراف والكتل السياسية. ويجب أن نفرق جيدا بين المراقبة التي تتطلب آلافا من المراقبين وهناك تشكيك منذ البداية في العملية الانتخابية والمراقبة التي غايتها الأساسية إضفاء المصداقية الدولية على الانتخابات. ونحن لدينا أمثلة عن استدعاء هيئات مشهود لها بالكفاءة لمراقبة الانتخابات في أفضل الديمقراطيات وهذا لا ينقص منها شيئا.

* هل يمكن أن نرى بن جعفر رئيسا لتونس؟

- هذا مرتبط بنتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي القادمة، وبالمناخ السياسي الذي سيسود أروقة المجلس. ومهما كانت الصورة فحزبنا مستعد للمشاركة سواء أكان بن جعفر في قمة المسؤولية أو في أي موقع من مواقع البلاد. نريد أن نضع تونس على الطريق الصحيح. ونريد من الطبقة السياسية أن تتخلص من الحسابات الضيقة وأن تتخلص من أوبئة العهد الماضي.