استقالة وزير المالية تكشف خفايا «صفقة» عودة بوتين إلى الكرملين

ميدفيديف يستعرض «صلاحياته» ويؤكد: روسيا ليست إحدى «جمهوريات الموز»

ميدفيديف ووزير الدفاع سيرديوكوف، خلال مناورات عسكرية في منطقة شيليابينسك بجنوب غربي البلاد أمس (أ.ب)
TT

عاد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، أمس، خلال مشاركته في إحدى المناورات العسكرية، إلى التعبير عن غضبه واستعراض «صلاحيات الرئيس»، بعد الانتقادات التي تطايرت في حقه تتهمه بالضعف والتخاذل والتسليم أمام رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، الذي أقر المؤتمر السنوي للحزب الحاكم ترشيحه رئيسا للدولة في الانتخابات الرئاسية المقبلة خصما من طموحاته تجاه الاستمرار في الرئاسة لفترة ولاية ثانية.

وقد استهل ميدفيديف كلمته بالإعلان عن إصراره على زيادة النفقات العسكرية والتسليح، وتلبية كل احتياجات القوات المسلحة في مجال رفع مرتبات أفرادها والعناية باحتياجاتهم المعيشية. وقال إن روسيا دولة عظمى ودولة نووية، عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وليست إحدى «جمهوريات الموز»، على حد قوله، مضيفا أن من لا يتفق معه حول ذلك فليبحث لنفسه عن عمل في مكان آخر، منتقدا مناوئيه ممن أعلنوا عدم اتفاقهم مع سياساته، دون الإشارة بالاسم إلى وزير المالية، ألكسي كودرين، الذي كان طالبه بالاستقالة من منصبه، ردا على تصريحاته التي أدلى بها خلال زيارته لواشنطن وانتقد فيها اختيار ميدفيديف رئيسا للحكومة المقبلة، بعد ترشيح فلاديمير بوتين للرئاسة الروسية، وإشارته إلى أنه لن يعمل في حكومة يترأسها ميدفيديف، ورفضه لتوجهات زيادة النفقات العسكرية.

ويرى مراقبون، تعليقا على حدة تصريحات ميدفيديف، أن الرئيس الروسي يحاول استعراض قوته بعد اضطراره إلى التسليم بعودة بوتين إلى الرئاسة، واتهامه بالضعف، وهو الذي سبق وكشف عن رغبته في الاستمرار لفترة ولاية ثانية.

وكان ميدفيديف أشار أيضا خلال اجتماع لجنة تحديث روسيا، أول من أمس، إلى أنه الرئيس وسيظل رئيسا حتى السابع من مايو (أيار) المقبل، موعد انتهاء الولاية الدستورية، ويتخذ من القرارات ما يريد، ويمكن لوزير المالية استشارة من يريد حتى رئيس الحكومة، مؤكدا مطالبته وزير المالية بتقديم استقالته، ردا على ملاحظة وزير المالية أنه سوف يستشير رئيس الحكومة، بوتين، في أمر الاستقالة، نظرا لأن الدستور يحظر على الرئيس إقالة أي من الوزراء من دون موافقة رئيس الحكومة. وفي لهجة ساخرة أشار ميدفيديف إلى إمكانية انضمام كودرين إلى أي من أحزاب المعارضة اليمينية، التي قال إن فيها من وجه الدعوة إليه.

وقد كشفت الخلافات بين أعضاء فريقي بوتين وميدفيديف، عن ما وراء الاتفاق الذي توصل إليه «الرفيقان»، والذي ثمة من يقول إنهما توصلا إليه كحل وسط يرضي كل الأطراف، وكانت مصادر كثيرة أشارت إلى احتمالات تولي كودرين منصب رئيس الحكومة مع بوتين في حال إعادة انتخابه رئيسا للدولة، الذي لم يكن أحد يشك فيها. وبهذا الصدد يتوقع المراقبون استقالات أخرى في قوائم الحكومة، تشمل بالدرجة الأولى مناصب وزراء الزراعة والتعليم والتجارة والصناعة، فضلا عن احتمالات رحيل فيكتور زوبكوف، النائب الأول لرئيس الحكومة ورئيس الحكومة السابق.

وقد نقل المراقبون أيضا عن أركادي دفوركوفيتش، مساعد الرئيس للشؤون الاقتصادية، سخريته من قبول ميدفيديف التنازل عن طموحاته الرئاسية، وقوله إنه سوف يضطر لاحقا إلى البحث عن قناة رياضية لمتابعة ما تنقله من أحداث، في الوقت الذي قال فيه جليب بافلوفسكي، أحد مستشاري الكرملين السابقين، وكان أحد أركان الحملة الانتخابية لبوتين في عام 2000، في تصريحات لإذاعة «كوميرسانت إف إم» ونقلته شبكة «نيوز رو» الإلكترونية، إنه على يقين من أن تنازل ميدفيديف عن حقه في ولاية ثانية جاء نتيجة تهديدات وابتزازات تعرض لها.

وبعد استقالته من منصبه كوزير للمالية، لا يزال خليفة كودرين مجهولا، في حين نقلت صحيفة «فيدوموستي» الاقتصادية عن مصدر مقرب من الكرملين قوله إن المنصب الشاغر قد يمنح لوزيرة التنمية الاجتماعية، تاتيانا غوليكوفا، التي كانت مساعدة كودرين فترة طويلة. وذكر خبراء أسماء أخرى، من بينها نائب رئيس الوزراء، إيغور شوفالوف، والمستشار الاقتصادي للكرملين، أركادي دفوركوفيتش، وحتى رئيس مصرف سبيربانك ووزير التنمية الاقتصادية سابقا، غيرمان غريف.

وأشار مراقبون إلى أن وزير المالية النافذ لن يبتعد فعليا عن قيادة الاقتصاد الروسي، حيث قد يصبح مستشار بوتين العائد إلى الكرملين أو رئيسا للمصرف المركزي الروسي. لكن يمكن لرحيله أن يشكل ضربة قاسية للاقتصاد الروسي في مرحلة صعبة يشهدها، حسبما رأى خبراء. وتشهد البلاد منذ أشهر هجرة كبرى لرؤوس الأموال، وتراجعا متواصلا للروبل، وتراقب بقلق الاضطرابات التي تهز أوروبا والولايات المتحدة، خشية انكماش عالمي جديد يهدد بإغراق اقتصادي مجدد. وقال رولان ناش، من صندوق إدارة الاستثمار الذي يتخذ مقرا في موسكو: «كودرين رمز لاستقرار روسيا في السنوات العشر الأخيرة». وقالت صحيفة «فيدوموستي»: «إنه الوزير الأكثر مهنية في الحكومة الروسية وإنجازاته معروفة على مستوى العالم، وقد ألزم بالاستقالة». واعتبر يوشن فيرموت، من صندوق فيرموت لإدارة الاستثمارات، أن كودرين نقل روسيا من «جمهورية موز، من حيث ديونها، إلى دائن على مستوى رفيع». أما إذاعة «كوميرسانت إف إم» فقالت: «سواء كان محقا أو مخطئا، ربما كان وزير المال السابق كودرين الضمانة الوحيدة للشركات الأجنبية على قدرتها من الاستثمار في روسيا». وكتبت «فيدوموستي» تعليقا على استقالة كودرين: «بدأ الخبراء يتوقعون موجة من هجرة رؤوس الأموال وتراجعا للروبل وارتفاعا للتضخم».