تكنولوجيا أفران الميكروويف.. المستقبل لإنتاج الطاقة الكهربائية من الحرارة المهدرة\

طريقه مبتكرة باستخدامها لتحويل قشر البرتقال إلى نفط

TT

من المشاكل الكبيرة في مجال الطاقة، التي أرقت الباحثين في الماضي، مشكلة الطاقة المهدرة أو المفقودة. ففي جميع أنحاء العالم هناك أكثر من 60 في المائة من الطاقة المفقودة في شكل حرارة مهدرة والمنتجة بواسطة السيارات والآلات. وفي الصناعة، فعلى سبيل المثال، تفقد السيارة نحو ثلثي الطاقة التي تنتجها، كما أن المصانع والآلات ومحطات توليد الطاقة، تفقد أيضا كميات هائلة من الطاقة.

ونتيجة للطلب العالمي المتزايد على الطاقة، وبخاصة الكهرباء، هناك الآن اهتمام متسارع من الجامعات ومراكز البحوث في الدول المتقدمة، بإجراء العديد من الدراسات والبحوث للتوصل إلى تكنولوجيات يمكن من خلالها الاستفادة من الطاقة الحرارية المهدرة أو المفقودة، وتحويلها إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام من جديد.

فخلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، أعلن باحثون كيميائيون في جامعة ولاية أوريغون الأميركية، أن طاقة أفران الميكروويف يمكن أن تستخدم في عمل مجموعة واعدة جدا من المركبات الكيميائية تسمى «skutterudites»، تؤدي إلى تحسن كبير في أساليب التقاط الحرارة المهدرة وتحويلها إلى كهرباء مفيدة، في عملية تستغرق نحو دقيقتين، وسوف يؤدي ذلك إلى تسريع البحوث في مجال الطاقة الكهربائية الحرارية، لتصبح في نهاية المطاف ذات قيمة تجارية أكثر فائدة ومنخفضة التكلفة، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة مؤخرا في مجلة بحوث المواد.

وموجات الميكروويف هي موجات كهرومغناطيسية ذات أطوال موجية طويلة نسبيا، وتقاس بالسنتيمتر في المدى من 0.3 إلى 30 سنتيمترا، وتنتج هذه الأشعة في الطبيعة عندما يمر تيار كهربي من خلال موصل، وذات تطبيقات عملية كثيرة. أما مركبات «skutterudites»، فهي فئة من مواد الكهرباء الحرارية القوية ميكانيكيا، عندما تكون مجتمعة مع بعض العناصر، وتحتوي على المزيج الصحيح من الخصائص اللازمة والفعالة لتحويل الطاقة، وهذه المواد موصلة للكهرباء بشكل جيد وموصلة ضعيفة للحرارة، و«skutterudite»، هو معدن زرنيخيد الكوبالت، ويحتوي على كميات متفاوتة من النيكل والحديد، وقد تم اكتشافه في مناجم «skuterud» بالنرويج في عام 1845.

ومن المعروف أن أغلب الأفراد يدركون أنه ليس من المفترض أن نضع رقائق معدنية في فرن الميكروويف، لأنها تؤدي إلى حدوث شرر، لكن مع مسحوق المعادن يكون الأمر مختلفا، وقد استفاد علماء جامعة ولاية أوريغون من هذه الظاهرة الأساسية في تسخين المواد إلى 1800 درجة في غضون دقائق قليلة، ومؤدية إلى نتائج مفيدة للغاية.

يقول البروفسور ماس سوبرامانيان، أستاذ علوم المواد في جامعة ولاية أوريغون وأحد المشاركين في هذه الدراسة، إن «هذه النتائج مثيرة جدا، فهذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها تكنولوجيا أفران الميكروويف، من أي وقت مضى في عمل هذا النوع من مواد الكهرباء الحرارية».

وقال الباحثون، إن الجيل القادم من الطاقة الكهربائية الحرارية، سوف يتمثل في طرق إنتاج الكهرباء من الحرارة المهدرة، والناتجة عن العادم الساخن من السيارات، والحرارة المنبعثة من أجهزة الطنين أو الأزيز، وهذه الحرارة المهدرة معروفة منذ عقود ولكنها لم تستغل، لأنها مكلفة وغير فعالة، وأحيانا تكون المواد المستخدمة للاستفادة منها سامة، وقد استخدمت وكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا» بعض المولدات الكهربائية الحرارية عالية التكلفة لتوليد الكهرباء في الفضاء الخارجي.

ويضيف الباحثون، أنه مع هذه التقنية الجديدة، وعلى سبيل المثال، في السيارة المهجنة التي تستخدم محركا يعمل بالبنزين وآخر كهربائيا، سوف تكون مثالية للاستفادة من توليد الكهرباء الحرارية لزيادة كفاءتها، كما أن الحرارة المهدرة الآن في العادم أو التي يتم تنفيسها عبر المبرد، سوف يعاد استخدامها في تشغيل السيارة، وكذلك سوف تصبح المصانع أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. كما سيمكن للمرافق الكهربائية استعادة الطاقة من الحرارة التي تجري عبر المداخن، وقد تمتد التطبيقات لتشمل ساعة المعصم التي تديرها حرارة الجسم.

يقول البروفسور سوبرامانيان، إنه «لمعالجة هذا الوضع، نحن بحاجة إلى مواد منخفضة التكلفة وغير سامة ومستقرة، وذات كفاءة عالية في تحويل الحرارة المهدرة إلى كهرباء، وبسبب هذه العقبات لم نفعل شيئا على المستوى التجاري في توليد الطاقة الكهربائية الحرارية على نطاق كبير». ويضيف باحثو جامعة ولاية أوريغون أن «مركبات (skutterudites) فيها بعض الخصائص اللازمة، ولكنها كانت تاريخيا بطيئة وصعبة العمل، ولكن النتائج الجديدة المتمثلة في عمل هذه المركبات مع تكنولوجيا الميكروويف، أدت إلى تسريع توليد الكهرباء من الحرارة المهدرة من أيام إلى دقائق، وينبغي أن لا تقتصر البحوث على هذه المركبات، ولكنها في نهاية المطاف سوف توفر وسيلة أكثر يسرا لتطبيقات توليد الكهرباء الحرارية على نطاق تجاري شامل». يقول سوبرامانيان: «لقد فوجئنا بأن هذه التقنية الجديدة قد عملت بشكل جيد جدا، ففي الوقت الراهن، توليد الكهرباء من الطاقة الكهربائية الحرارية هي فكرة جيدة، ولكننا لم نتمكن من تطبيقها على نطاق واسع، ولكن في المستقبل يمكن أن نجعل هذه الفكرة تعمل على نطاق كبير».

ويذكر أن هذه الدراسة قد تم دعمها من جانب كل من المؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم، ووزارة الطاقة الأميركية.

وعلى صعيد آخر متصل، أعلنت جامعة يورك البريطانية خلال شهر سبتمبر (أيلول)، عن توصل البروفسور جيمس كلارك، أستاذ الكيمياء الخضراء في مركز التميز البحثي في الكيمياء الخضراء بقسم الكيمياء في الجامعة، إلى طريقه مبتكرة باستخدام فرن الميكروويف، لتحويل قشر البرتقال إلى نفط، حيث أكد أن أسلوب الميكروويف يمكن أن يستخدم أيضا على مجموعة متنوعة من النفايات ذات الأصل النباتي لإنتاج الوقود أو غيره من المنتجات، فقد وجد البروفسور كلارك أن الفرن الكهربائي العالي الحرارة يمكن أن يكسر الجزيئات في قشور البرتقال ويعمل على إطلاق غازات مهمة يمكن جمعها وتقطيرها إلى منتج سائل، وقد استخدم هذه الغازات في إنتاج النفط والبلاستيك والكيماويات والوقود ومادة البكتين التي تستخدم في صناعة المربى وتكسبها قواما سميكا. وقد قررت جامعة يورك البريطانية، إنشاء شركة باسم «شركة استغلال قشر البرتقال» (أوبيك) (OPEC) (Orange Peel Exploitation Company)، بدعم من مستثمرين من إسبانيا والبرازيل التي تعد أكبر منتج في العالم لعصير البرتقال، الذي ينتج عنه نحو 8 ملايين طن من المخلفات، وكذلك بالتعاون مع جامعتي ساو باولو في البرازيل، وقرطبة في إسبانيا، لإجراء المزيد من الأبحاث والتجارب للاستفادة القصوى من النفايات الناجمة عن صناعة عصير البرتقال.