اليمن: مقتل المتشدد الأميركي من أصل يمني أنور العولقي في قصف بشرق البلاد

البيت الأبيض ينفي وجود أي ربط بين عودة صالح ومقتل العولقي

أنور العولقي (أ.ب)
TT

أعلنت السلطات اليمنية، أمس، مقتل المتشدد الأميركي من أصل يمني أنور العولقي في غارة جوية شرق البلاد. وقد أكدت مصادر أميركية مقتل العولقي في غارة أميركية فوق الأراضي اليمنية.

وقالت مصادر أمنية يمنية إن العولقي قتل ومعه 3 من مرافقيه، وإن بين القتلى سمير خان، وهو أميركي من أصل باكستاني، وخبير في برامج «الكمبيوتر» الخاصة بتنظيم «القاعدة».

وأضاف مصدر أمني أن «العملية كانت ناجحة»، وأنها تمت عقب «عملية متابعة ومراقبة ورصد من قبل أجهزة الأمن اليمنية لتحركات الإرهابي أنور العولقي ومن معه الذين لقوا مصرعهم».

وبحسب السلطات اليمنية، فقد تمت معرفة مكان العولقي من خلال معلومات أدلى بها أحد عناصر «القاعدة» الذين ألقي القبض عليهم، والذي أفاد بأن العولقي كان يسكن في قرية الخسف بمحافظة الجوف لدى شخص يدعى خميس عرفج، وأن هذه المعلومات أسهمت في ملاحقته ومتابعته.

وتضاربت الأنباء حول المنطقة التي جرى استهداف العولقي فيها، غير أن الأرجح أنها منطقة تقع بين محافظتي مأرب والجوف، وهي منطقة تبعد جغرافيا عن محافظته التي ينتمي إليها وهي محافظة شبوة في جنوب شرقي البلاد، وهي المحافظة ذاتها التي ظلت الطائرات الأميركية من دون طيار تحلق في سمائها لأكثر من عام، كما نفذت هذه الطائرات عدة غارات جوية لاستهداف العولقي لكنه نجا منها.

وأكدت الولايات المتحدة مقتل أنور العولقي الذي كان مطلوبا للمخابرات الأميركية حيا أو ميتا بعد اتهامه بالمسؤولية عن هجمات إرهابية استهدفت الولايات المتحدة التي قالت إنه كان على صلة بالضابط الأميركي من أصل فلسطيني نضال مالك حسن، الذي قتل قرابة 13 من زملائه في قاعدة «فورت هود» الأميركية، وعلى صلة كذلك بالشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب الذي حاول تفجير طائرة أميركية من دون طيار في سماء مدينة ديترويت عشية عيد الميلاد في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009.

وقالت مصادر قبلية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن من بين القتلى محمد النعاج من مأرب، وسالم عرفج من الجوف، ويعتقد أن البقية من محافظة شبوة.

وفي الوقت الذي يمثل فيه مقتل العولقي ضربة لتنظيم القاعدة، فإن الخبير اليمني في شؤون الإرهاب سعيد عبيد الجمحي لا يعتقد أن تأثير مقتل العولقي سيكون جوهريا في كيان التنظيم «لأن العولقي ليس جزءا من هيكلية التنظيم».

ويقول الجمحي لـ«الشرق الأوسط» إن الأثر الذي يمكن أن يتركه غياب العولقي هو ما ابتدعه بنفس، وأضافه لتنظيم القاعدة «لأن أنور العولقي استطاع أن يكون بمثابة قوة جذب للتنظيم في مجال الاستقطاب، لا سيما الخارجي، فهو مهندس العمل الفردي، ونتذكر عمليتي نضال مالك وعمر الفاروق».

ويؤكد الباحث الجمحي، وهو مؤلف كتاب عن تنظيم القاعدة باليمن، أن أنور العولقي «أضاف لسانا آخر لـ(القاعدة) التي تتحدث العربية، وذلك اللسان هو اللغة الإنجليزية»، ويردف أن العولقي «لا يتحدث الإنجليزية فقط، وإنما يفكر بها أيضا بحكم أنه مولود في الولايات المتحدة»، وقال الجمحي إن سمير خان الذي قيل إنه قتل في العملية، هو الذي كان مرشحا لخلافة العولقي، لكنه يؤكد أن «(القاعدة) لن تعجز عن إيجاد البديل رغم أن التنظيم سيفتقد العولقي كثيرا وسيبكيه كثيرا، لكنه لن يتراجع».

واعتبر مسؤول أميركي رفيع المستوى أن العولقي كان مسؤولا عن العمليات الخارجية في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول الذي لم يكشف عن هويته قوله إن العولقي «قام بدور كبير في محاولة الهجوم على طائرة ركاب أميركية في ديسمبر عام 2009، كما شارك في الإشراف على خطة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010 لتفجير شحنة ناسفة في طائرة شحن أميركية»، وأشار إلى أن واشنطن «علمت أيضا بأنه سعى لاستخدام مواد سامة ومنها السيانيد والرايسين لشن هجمات على مواطنين غربيين».

من جهة أخرى أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بمقتل مسؤول العمليات الخارجية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أنور العولقي، معتبرا أن مقتله «ضربة مهمة لأكثر الحركات الموالية لـ(القاعدة) نشاطا». وعدد أوباما التهم الموجهة إلى العولقي، قائلا: «إنه ترأس المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة خلال أعياد الميلاد عام 2009 وترأس المحاولة الفاشلة لتفجير طائرات الشحن الأميركية عام 2010، وطالب تكرارا بقتل الرجال والنساء والأطفال من أجل أجندته القاتلة». وجاء ذلك في وقت نفى مسؤول أميركي من البيت الأبيض وجود أي ربط بين عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى اليمن من السعودية ومقتل العولقي، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «التعاون مع اليمن لا يعتمد على شخص واحد».

وعبر أوباما عن ثقته من تراجع قدرات تنظيم القاعدة، خاصة بعد مقتل زعيم المنظمة أسامة بن لادن في مايو (أيار) الماضي والآن العولقي الذي باتت تعتبره الولايات المتحدة من أهم زعماء «القاعدة». وقال في خطاب صباح أمس: «مقتل العولقي يعتبر نقطة بارزة في الجهود الأوسع لهزم (القاعدة) والشبكات الموالية لها.. (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية ما زالت خطرة ولكنها الآن أكثر ضعفا».

وحرص أوباما على الإشادة بدور اليمن في مقتل العولقي، رغم أنها كانت طائرة أميركية من دون طيار التي قتلته مع 5 آخرين من عناصر «القاعدة» صباح أمس في الجوف. وقال: «هذا نجاح لأجهزتنا الاستخباراتية وللقوات اليمنية التي تعمل معنا بتعاون وثيق». وأضاف أن «العولقي مسؤول هو ومنظمته بشكل مباشر على مقتل الكثر من المواطنين اليمنيين.. إنه قتل لأن حكومة اليمن وشعبها تشاركوا في جهد مشترك ضد (القاعدة)». وبينما أكد مسؤولون أميركيون أن طائرة من دون طيار أميركية هي التي قامت بقصف موقع اختباء العولقي وقتله، بقيت الإدارة الأميركية متكتمة حول تفاصيل العملية ودور القوات اليمنية فيها. وكانت الولايات المتحدة قد صعدت في الفترة الأخيرة من عمليات القصف في اليمن لاستهداف عناصر «القاعدة» فيها.

وجاء مقتل العولقي تزامنا مع إقامة احتفال تقاعد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأميرال مايك مولن الذي كان من أبرز القادة الأميركيين المنخرطين في مكافحة المجموعات المتطرفة، وخاصة تنظيم القاعدة. واجتمع كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين الأميركيين أمس في فيرجينيا لحضور حفل تقاعد مولن، حيث بدأ أوباما خطابه بالحديث عن مقتل العولقي أمام جمهور من العسكريين الذين صفقوا عندما أعلن تأكيد خبر مقتل العولقي.

وشدد أوباما على استمرار الجهود لهزم تنظيم القاعدة، معتبرا أن مقتل العولقي في اليمن «دليل إضافي بأن (القاعدة) والمنظمات الحليفة له لن تلاقي مأوى في أي مكان في العالم». وأضاف: «سنكون حريصين وعازمين في التزامنا لتفكيك الشبكات الإرهابية التي تهدف إلى قتل الأميركيين».

وقام مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي جون برينان بإبلاغ الرئيس الأميركي بمقتل العولقي صباح أمس، وأطلعه على تفاصل العملية. وبرينان يعتبر المسؤول الأميركي الأبرز المتعامل مع الملف اليمني ولديه اتصالات مباشرة مع اليمنيين، خاصة مع نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي حول المسائل الأمنية في البلاد.

وتزامن مقتل العولقي مع إثارة التساؤلات حول المستقبل السياسي للرئيس اليمني، الذي عاد قبل أيام إلى البلاد. ولكن أكد مسؤول أميركي من البيت الأبيض أنه «لا يوجد رابط بين عودة صالح ومقتل العولقي.. علاقتنا مع اليمن لا تعتمد على شخص واحد، فنحن عملنا مع الحكومة اليمنية والقوات اليمنية منذ سنوات لمواجهة (القاعدة) والمجموعات الحليفة لها». وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط»: «لم نتصل بصالح منذ عودته إلى اليمن وما زلنا نطالبه بالتخلي عن السلطة والالتزام بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي من أجل انتقال سلمي للسلطة، كما نطالب كافة الأطراف بالكف عن المواجهات المسلحة».

ويذكر أن العولقي وهو أميركي الجنسية من أصل يمني، وكان أول أميركي تعلن الحكومة الأميركية رسميا السعي لقتله. وقتل أمس معه مواطن أميركي آخر اسمه سمير خان، مما أثار تساؤلات عن مسؤولية الحكومة الأميركية لضمان حقوقهم البسيطة. وحتى عصر أمس لم تحصل «الشرق الأوسط» استفسارات عن دول السفارة الأميركية في إبلاغ عائلتيهما عن مقتلهما أو إذا كانت هناك تفاصل عن موقع دفنهما.