المنشقون يكثفون هجماتهم ضد القوات السورية.. وازدياد المخاطر من الانزلاق لحرب أهلية

محللون يرجحون أن يستغل النظام قتال المنشقين لتبرير وتكثيف حملته الدموية

مظاهرة ضد الاسد في حمص أمس (رويترز)
TT

كثف المنشقون عن الجيش السوري هجماتهم ضد القوات الحكومية خلال الأسبوع الماضي، مما يعرض الاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي يغلب عليها الطابع السلمي، لخطر الانزلاق إلى حرب أهلية طائفية لها عواقب إقليمية أوسع نطاقا، وذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وحاولت القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد يوم الثلاثاء الماضي السيطرة على بلدة استولت عليها قوات عسكرية انضمت للمعارضة في حين أفادت تقارير من بلدات أخرى بتوحيد مقاتلين لصفوفهم. التفاصيل غير واضحة على الإطلاق، ويقول دبلوماسيون ومصادر أخرى إن الوحدات المنشقة تبدو «خليطا» قد يجد صعوبة في شن قتال مستمر ضد قوات متفوقة عليه. ويستولي محتجون من حين لآخر على أسلحة لمهاجمة قوات الأمن، لكن شهودا يقولون إن الاحتجاجات كانت في العموم سلمية.

ويضفي ظهور مجموعات من المنشقين على الجيش ذات طبيعة فضفاضة بعدا جديدا على الانتفاضة.

ويقول جوليان بارنز ديسي المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في «كونترول ريسكس» لاستشارات المخاطر، ومقرها لندن، لوكالة الصحافة الفرنسية: «من الواضح أن استراتيجية المعارضة السلمية تتقهقر في مواجهة رد فعل الأسد الوحشي، والدعوة للقتال تكتسب تأييدا بوصفها السبيل الوحيد لإزاحة النظام». وأضاف: «السؤال الأساسي هو ما إذا كان هذا سينتشر ويؤدي إلى انقسام حاسم في صفوف الجيش».

وتعتقد الغالبية أن هذا الاحتمال غير مرجح. ومنذ زمن طويل ينقسم الجيش السوري على أسس طائفية ويسود اعتقاد بأن الوحدات الموالية بشدة للأسد ويغلب عليها العلويون ستظل موالية له. وقد يسفر هذا عن ألا يتمتع أي من الجانبين بالقوة الكافية للفوز ويفتح الباب أمام أشهر أو سنوات من الحرب. ويقول خبراء إن الخطر يكمن في أن كلا الجانبين يشعر بأنه لا يستطيع التراجع، فالمعارضة تخشى من الملاحقة والقتل إذا استطاع الأسد تأكيد سيطرته مجددا بينما يخشى العلويون وغيرهم من الجماعات المتحالفة معه من الانتقام إذا رحل. وفي حين قد يكون لدى البعض في المعارضة السورية نوع من الطموحات بتكرار نجاح نظرائهم في ليبيا ودخول العاصمة في نهاية المطاف والسيطرة على الحكم، فإن قلة من المحللين هي التي تعتقد أن هذه نتيجة معقولة يمكن أن تتحقق قريبا. ويقول أنتوني سكينر، مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ«مابلكروفت» لاستشارات المخاطر السياسية: «من المرجح أن يستغل النظام هذا لتبرير وتكثيف حملته الدموية. هذا يزيد من خطر انزلاق سوريا إلى حرب أهلية».

ويخشى البعض من تحول الصراع إلى صراع إقليمي، خصوصا إذا زادت إيران الدعم لحليفها القديم الأسد. وقال ستيفن هايدمان نائب رئيس معهد السلام الأميركي بواشنطن والمتخصص في الشؤون الإقليمية: «سيكون لهذا الكثير من التداعيات الإقليمية، خاصة إذا أدى إلى اتجاه سوريا نحو التحول إلى دولة فاشلة». وقد يزيد الاقتتال الطائفي في سوريا من التوتر بين تكتلات أصغر في دول مجاورة مثل العلويين والأكراد في تركيا والشيعة والسنة في لبنان. ويقول محللون إن من السابق لأوانه في الوقت الحالي تحديد ما إذا كان سينشق عدد كاف من الجنود السوريين ليكون قوة تمثل تهديدا عسكريا كبيرا لحكومة دمشق.

ويقول آلان فريزر المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في «إيه كيه إي» لاستشارات المخاطر، ومقرها لندن: «معدل الانشقاقات يتزايد... غير أنه يأتي وسط تراجع أعداد الاحتجاجات على مستوى البلاد والتي بدأت تفقد قوة الدفع في ظل الحملة المستمرة. تهديد النظام سيحتاج إلى عدد أكبر كثيرا من المنشقين». ولم يتضح بعد لأي مدى تريد حركة المعارضة الأوسع نطاقا والمتفاوتة نوعا ما تبني نهج أكثر عنفا.

وتأسس الشهر الحالي المجلس الوطني السوري وهو جبهة موحدة للمعارضة هدفها دعم الانتفاضة وهو يرفض مثلما ترفض لجان التنسيق المحلية وهي شبكة من القاعدة العريضة من النشطاء مثلت قوة دفع للمظاهرات التي اجتاحت سوريا على مدى الأشهر الستة الماضية اللجوء للعنف. ويقول بيتر هارلينج من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: «ليس اتجاها على مستوى الدولة... أعد الناس أنفسهم في أجزاء من البلاد... لكنهم ما زالوا يظهرون ضبط النفس. وفي أجزاء أخرى لا يستطيعون تحمل تكلفة الأسلحة». ويقول بعض المحللين إنه على المدى الطويل ستكون أقصى آمال المعارضة محاولة التشبث بالأمل في أن يؤثر تشديد العقوبات على حكم الأسد. ومن المرجح أن يحرم هذا حكومته من مبيعات النفط التي تمثل نحو 30% من عائدات الحكومة في حين أن معظم الاقتصاد الأوسع نطاقا يعاني من الركود أو التوقف التام. وقال جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الأمن والدراسات الدولية في واشنطن العاصمة: «خيار ليبيا ليس قائما، خاصة لأن الأوروبيين والقوى الإقليمية الأخرى لا يريدون لعب الدور الذي لعبوه في ليبيا». وأضاف: «ربما يكون هناك خيار تقديم نوع من الدعم لعمليات سرية للمعارضة لكن يصعب تحديد كيف قد تكون الاستراتيجية».

وتحاول جماعات خارجية تتعاون مع المحتجين السوريين إقناعهم منذ فترة طويلة بأن حمل السلاح هو الطريق الخطأ الذي يجب ألا يسلكوه في كفاحهم وتشجعهم على انتهاج أساليب غير عنيفة مثل المقاطعات والإضرابات. ويقول سرديا بوبوفيتش، وهو ناشط صربي شارك في الإطاحة بسلوبودان ميلوسيفيتش عام 2001 ويتعاون الآن مع جماعات معارضة على مستوى العالم، ومنها جماعات سورية: «أي عنف تمارسه قوى المعارضة سيضر بالحركة... سيقلل أيضا من احتمال تحقيق الوحدة بين الشعب السوري وتكوين بديل واقعي».