كوريون يبحثون عن دخل إضافي بمهنة تصوير غريبة

يتصيدون مخالفي القوانين بالكاميرا ويبلغون السلطات عنهم.. وأعدادهم تتزايد رغم المخاطر

مون سيونغ أوك يدير مدرسة لتدريب من يريدون تصيد مخالفي القوانين بالكاميرا
TT

مع تراكم الديون عليه وأجره الذي بالكاد يكفي تغطية نفقاته، قرر إيم هيون سيوك أنه بحاجة إلى وظيفة جديدة. وانضم معلم اللغة الإنجليزية، صاحب الخلق الدمث، إلى حاملي الكاميرات الذين يسعون خلف المكافآت والذين يتزايد عددهم في كوريا الجنوبية يوما بعد يوم.

ويطارد هؤلاء الأشخاص، الذين يُعرفون هنا باسم المصورين المطاردين (الباباراتزي)، ضحاياهم ويلتقطون لهم صورا. لكن الضحايا هذه المرة ليسوا من المشاهير أو السياسيين أو حتى المجرمين، بل يجوب هؤلاء المصورون المدن لتصوير المواطنين الذي يخرقون القانون ثم يقدمون الأدلة إلى المسؤولين للحصول على المال. ويقول إم: «بعض الناس يكرهوننا، لكننا نقوم بما يحضّ عليه القانون».

هناك فرص في كل مكان، حيث يوجد مصنع يصرّف مخلفاته في النهر أو صاحب بناية يغلق باب الطوارئ بها أو محام لا يعطي قسيمة بقيمة ما دفعه موكلوه له حتى لا يسجلها ضمن دخله ليخفض الضرائب المفروضة عليه. ويستهدف إم الذين يحرقون القمامة في مواقع البناء وهو ما يعد انتهاكا لقوانين البيئة. ويقول إم، 39 عاما، الذي بدأ هذا العمل منذ نحو سبعة أعوام: «أجنى ثلاثة أضعاف ما أجنيه من العمل كمعلم لغة إنجليزية». ويجني إم 85 ألف دولار سنويا من هذا العمل.

وهناك جذور تاريخية لتصيد المكافآت في كوريا الجنوبية، فقد قدمت الحكومة لعقود مكافآت للذين يسلمون الجواسيس الذين يعملون لحساب كوريا الشمالية، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، أعدت هيئات حكومية برامج تتضمن الإبلاغ عن جرائم تافهة مثل إلقاء أعقاب السجائر من النافذة. وازداد الإقبال على مثل هذه المكافآت منذ تباطؤ اقتصاد كوريا الجنوبية القوي بفعل الاضطرابات الاقتصادية العالمية. ويقول هؤلاء المصورون إن أكثر العاملين في هذا المجال هم ممن فقدوا وظائفهم خلال الأزمة الاقتصادية والذين جذبهم ما سمعوه من أن أقرانهم يجنون عشرات آلاف الدولارات سنويا بفضل الإبلاغ عن تلك الجرائم. ولا توجد إحصاءات موثوق بها عن عدد الذين عملوا في هذا المجال منذ إطلاق الهيئات الحكومية هذه البرامج، لكن الظاهرة تتنامى إلى حد أنها أصبحت صناعة قائمة بذاتها، حيث تم تأسيس مدارس لتدريب الطامحين إلى العمل كمصورين من هذا النوع.

ويدير مون سيونغ أوك، 64 عاما، مدرسة لتدريب صائدي الجوائز المستقبليين. ويشار إلى أن الناس في كوريا الجنوبية يرتكبون الكثير من الأخطاء بسبب ما يتسمون به من قلة صبر وعجلة مثل السير أثناء الإشارة الحمراء والانتقال بين الحارات المرورية بشكل غير قانوني وعدم الالتزام بالصف وإلقاء أعقاب السجائر. ويقول مون: «طالما وجدت هذه الصفات، سيجد المصورون المخالفات عمل».

وبات هذا التعهيد في مجال تطبيق القانون نعمة بالنسبة إلى المجالس المحلية، حيث يقولون إنهم يوفرون المال الذي يُدفع كرواتب للضباط. وغالبا ما تفوق الغرامات التي تفرض على المخالفين المال الذي يدفع للمبلغين، فعلى سبيل المثال، تبلغ مكافأة الإبلاغ عن إلقاء القمامة، نحو 40 دولارا، بينما تفوق الغرامة هذا المبلغ بمقدار عشرة أمثال.

ويمكن أن تتراوح المكافآت على الإبلاغ عن المخالفات بين 5 دولارات (عن إلقاء أعقاب سجائر) إلى 850 دولارا (بيع مواشٍ دون ترخيص)، فضلا عن المكافآت غير المتوقعة التي تقدمها حكومة مدينة سيول والتي تصل أحيانا إلى 1,7 مليون دولار نظير الإبلاغ عن فساد كبير يتورط فيه أحد المسؤولين. ويُنظر إلى مثل هذه التصرفات باعتبارها خيانة للشركة التي يتم الإبلاغ عنها. كما يمكن النظر للإبلاغ عن الجيران باعتباره وصمة عار اجتماعيا.

لم يخبر إم والديه بالعمل الذي يقوم به، لكنه يقول إنه شأنه شأن الكثيرين ممن يعملون في هذا المجال، ولم يكن لديه خيار. ويشعر بانغ جاي وون، 56 عاما والذي يعمل في هذه المهنة منذ ثمانية أعوام بالفخر لأنه ألقى القبض على أشخاص يلقون القمامة في مواقع تخييم أو كشف عمليات احتيال، والتي كان ضحية أحدها. ويقول بانغ الذي اتجه للعمل في هذا المجال بعد أن قال له أصحاب العمل إنه طعن في السن: «أندم على الأيام التي أبلغت فيها عن فقراء مثلي بسبب قيامهم بمخالفات تافهة». وأضاف: «لا أبلغ عن جيراني لأن هذا قد يثير شكوكا لا لزوم لها، لكنني لا أخجل من عملي بشكل عام. أسأل من يصفوننا بالوشاة لماذا لا يلتزمون بالقانون».

وعلى الجانب الآخر، يقول منتقدو هذه المهنة إن برامج المكافآت قوضت الثقة بين أفراد المجتمع. ويقول لي يوت هو، أستاذ إدارة الشرطة في جامعة دونغوك في سيول: «الفكرة في حد ذاتها جيدة، لكن عندما يمتهنها الناس، تجعل قطاع تطبيق القانون مثل القطاع الخاص وتثير تساؤلات أخلاقية».

عادة ما يتجه مصورو المخالفات نحو الاحتراف، مثل البحث عن مدارس خاصة تفرض مصروفات أكثر من تلك التي تحددها الحكومة. ودفعت وزارة التعليم 2,9 مليون دولار لمصوري المخالفات منذ عام 2009 عندما بدأت الاعتماد عليهم للسيطرة على التكاليف المرتفعة للتعليم الخاص وهو ما يمثل عبئا على كاهل المواطنين في بلد يركز بشكل كبير على تحقيق إنجازات في مجال التعليم.

يتنكر المصورون كآباء ويقتربون من مديري المدارس ويسألونهم عن المصروفات المدرسية. ويسجلون سرا المحادثات التي تتم بينهم بكاميرات تصوير مخبأة. ويكره أصحاب المدارس الخاصة هؤلاء المصورين، حيث يقول تشو يونغ هوان، نائب رئيس اتحاد المدارس الخاصة: «إن الحكومة تحدد مصروفات غير واقعية من طرف واحد، ثم تطلق المصورين لمطاردتنا. هذا الأمر مهين للغاية وضار بالعملية التعليمية». ويقول جو ميونغ هيون، أحد موظفي وزارة التعليم والمسؤول عن البرنامج: «لا ندعي أن هذه طريقة مثالية في دولة ديمقراطية، لكننا سنستمر في اتباعها حتى يتوقفوا عن القيام بهذه الممارسات».

ويشير إم، المعلم السابق للغة الإنجليزية، إلى أنه رغم الأموال الكثيرة التي يجنيها، فإن قليلا هم الذين يعملون بدوام كامل في هذا المجال لأنهم لا يجنون القدر الذي يشجع على ذلك. ويوضح إم صاحب مدونة شهيرة باسم «سونغ مونغ سوك» قائلا: «الناس يعتقدون خطأ أن على مصور المخالفات أن يتصرف مثل الجواسيس ويستخدم وسائل تكنولوجية متقدمة ليكون ناجحا. الأهم هو أن يعمل ويفكر بجد واجتهاد».

لاحظ إم عام 2005 عدم وجود بطاقات تحمل تعليمات خاصة بالنظافة على ماكينات صرف القهوة بالعملة في أحد محال ألعاب الإنترنت، ولذا اتصل بالمئات منها. وقال: «لقد تركت محفظتي بالقرب من ماكينة القهوة لديكم»، وذلك حتى يعرف أي منها يمتلك تلك الماكينات. وأدرج أسماء تلك المحال في قائمة وبلغ عنها جميعا وحصل على 2600 دولار.

ربما تحدث تجاوزات، حيث يقول بعض المصورين إن بعض زملائهم يعقدون صفقات مع شركات ترتكب مخالفات وتخشى من فرض الحكومة غرامات عليها ومن تشويه سمعتها. وقال إم إن بعض رجال الأعمال استعانوا به لمحاربة منافسيهم مثل الصيادلة الذين حرضوه على الإبلاغ عن صيدلية بالقرب منه لتعيينها صيادلة غير مصرح لهم بالعمل. وقد فعل ذلك. ويقول: «ذات مرة طلب مني أحدهم الإبلاغ عن مطعم يخالف القانون في أحد المتنزهات العامة. وتبين أن هذا الرجل نفسه كان يدير مطعما بشكل غير قانوني بالقرب منه».

* خدمة «نيويورك تايمز»