جمعة «استرداد الثورة».. تتخلى عن حذرها تجاه «المجلس العسكري» والشباب يلوحون بالتصعيد

مسيرة إلى وزارة الدفاع.. وأهالي شرم الشيخ يحاصرون مقار القوات الدولية

الممثل الأميركي شين بين يحمل علم مصر في ميدان التحرير أمس (ا.ب)
TT

احتشد آلاف المتظاهرين في ميادين مصر أمس، في جمعة «استرداد الثورة». وبدا لافتا تخلي القوى السياسية للمرة الأولى عن خطابها الحذر في تعليقها على مواقف وقرارات المجلس العسكري الحاكم في البلاد، الذي بات مطالبا أمام هذه القوى بالالتزام بالإعلان الدستوري الذي صدر نهاية مارس (آذار) الماضي، ونص على تسليم السلطة للمدنيين، وإنهاء حالة الطوارئ خلال ستة أشهر انتهت أمس الجمعة. وفاجأ تصعيد أهالي منتجع شرم الشيخ بحصارهم لمقار القوات الدولية للضغط على المجلس، السياق العام لمظاهرات أمس.

وتحركت مسيرة من ميدان التحرير قاصدة مقر وزارة الدفاع بحي العباسية (شرق القاهرة)، وسط انتقادات واسعة ومخاوف من تكرار أحداث العباسية التي وقعت في يوليو (تموز) الماضي وخلفت قتيلا وعددا من الجرحى، وشهدت أعمال عنف وفوضى، بينما انتشرت قوات الجيش وأغلقت الطرق المؤدية إلى العباسية بحواجز وأسلاك شائكة. ويقول مراقبون إن الهدوء النسبي الذي ساد ميدان التحرير في مظاهرة «استرداد الثورة»، لا يعكس حجم المأزق السياسي الذي تمر به البلاد، متوقعين أن تشهد الفترة المقبلة خطوات تصعيدية مع التحاق جماعة الإخوان المسلمين إلى الميادين في حال لم يستجب المجلس العسكري لمطالب التحالف الذي تقوده الجماعة الأكثر تنظيما في البلاد، بعد أن أمهلوا المجلس حتى يوم غد لتنفيذ مطالبهم.

وفي مشهد كثف حالة «انعدام الثقة» في إجراءات نقل السلطة للمدنيين، بدأ نشطاء في ميدان التحرير أمس التدريب على الإسعافات الأولية، قائلين إن هذا الإجراء يأتي «تحسبا للتطورات خلال الأيام المقبلة»، وهو ما بدا إشارة قوية لاحتمالات تفجر الموقف في حال استمرار الأزمة السياسية بعد أن لوحت القوى السياسة باستخدام كل الوسائل المتاحة للضغط على المجلس العسكري، بما فيها العودة للاعتصام بالميدان.

وخلال الأسبوع الماضي، أثار ظهور المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في وسط المدينة بملابس مدنية، تكهنات عديدة بشأن نية المجلس العسكري في نقل السلطة إلى المدنيين.

وعلى الرغم من تحذيرات أطلقتها أمس السفارة الأميركية في القاهرة لرعاياها من الوجود في ميدان التحرير تحسبا لانتهاء المظاهرات السلمية بأحداث عنف، حل الممثل الأميركي سون بن ضيفا على ثوار التحرير، حيث قام بجولة داخل الميدان وهو يحمل العلم المصري، وسط حفاوة المتظاهرين بمشاركته.

وعلى الرغم من مقاطعة جماعة الإخوان وحزبها للمظاهرة، شارك الدكتور كمال الهلباوي، القيادي بالجماعة، في جمعة «استرداد الثورة»، وأكد أنه جاء لمؤازرة المتظاهرين وتحفيزهم على استكمال مطالبهم المتمثلة في رفض قانون الانتخابات الجديد واستمرار حالة الطوارئ، وتفعيل قانون الغدر السياسي، الذي يحرم قيادات الحزب الوطني المنحل من التنافس في الانتخابات البرلمانية. وقال الهلباوي إن «من لم ينزل اليوم مخطئ، وإن موقف المجلس العسكري سيحدد الأحد المقبل وفقا على ما سيتفق عليه في اجتماع التحالف الديمقراطي، وسيحدد قرار مقاطعة الانتخابات من عدمه».

وفي غضون ذلك، نظم المئات من أعضاء حركة شباب 6 أبريل «الجبهة الديمقراطية» مسيرة من مقر الحركة بشارع القصر العيني إلى ميدان التحرير، للمطالبة بإلغاء تمديد قانون الطوارئ، إلا باستفتاء من الشعب، ووضع جدول زمني واضح ومحدد المعالم لانتقال السلطة إلى رئيس مدني منتخب، وكذلك تحقيق مطالب العمال والأطباء والمعلمين، وإلغاء قانون تجريم الاعتصامات، وإعادة محاكمة المحكوم عليهم عسكريا أمام محاكم مدنية.

وانطلقت دعوات للاعتصام في الميدان، وهو ما قد يرفع درجة التوتر بين المعتصمين والسلطات المصرية، وتبنى دعوة الاعتصام نشطاء حملة حازم أبو إسماعيل المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، المحسوب على التيار السلفي، وعدد من ائتلافات الشباب.

وتفاعلت محافظات مصر بإيجابية مع الدعوة التي انطلقت من القاهرة، ففي الإسكندرية، نظم ائتلاف شباب مسيرات حاشدة جابت الشوارع، ردد خلالها المتظاهرون هتافات: «الشعب يريد دولة مدنية»، «الشعب يريد بدلة مدنية».

وفي خطبته بمسجد القائد إبراهيم بمنطقة محطة الرمل وسط الإسكندرية، طالب الشيخ أحمد المحلاوي إمام وخطيب المسجد: «المجلس العسكري باتخاذ إجراءات جدية لإعادة الثقة بأدائه خلال المرحلة الانتقالية، وتعديل قانون الانتخابات وفق نظام القوائم المغلقة».

ومن جانبه، قال محمد محفوظ، عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية: «إن مسيرات أمس الغرض منها توعية المصريين بالخطر الذي بدأت الثورة المصرية تتعرض له بعد تمديد قانون الطوارئ وعدم استعادة المليارات من الأموال المنهوبة من مصر والبطء الشديد في محاكمات قتلة المتظاهرين في الأيام الأولي من ثورة 25 يناير (كانون الثاني)»، لافتا إلى أن هذه الأخطار تجعل الثورة في مصر مستمرة، حتى يتم الاستجابة للمطالب التي قامت من أجلها الثورة.

وأضاف الناشط السياسي مصطفى محمود أن ثوار مصر يريدون بالفعل للبلاد أن تتقدم وأن تسير عجلة الإنتاج؛ لكن المجلس العسكري الحاكم لا يستجيب للمطالب نهائيا.

وفي مدن القناة وسيناء شارك المئات في مظاهرات انطلقت عقب صلاة الجمعة من عدة مساجد رئيسية. وبدأت أولى الخطوات التصعيدية في محافظة جنوب سيناء، حيث قالت مصادر بدوية وأمنية إن عشرات البدو حاصروا مقر القوات الدولية بشرم الشيخ تضامنا مع مطالب جمعة «استرداد الثورة»، مطالبين بإلغاء قانون الطوارئ، وإسقاط الأحكام الغيابية عن المئات من البدو، وإطلاق سراح المئات من أبنائهم الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية عسكرية وجنائية. وقال أحد البدو من شهود العيان: «نحن معتصمون أمام مقر القوات الدولية بخليج نعمة ولن ننهي الحصار قبل الاستجابة إلى جميع مطالبنا». وقال مصدر أمني إن البدو يحاصرون مقر القوات الدولية فوق شاحنات صغيرة وبعضهم يحمل الأسلحة الآلية. واتهم البدو أجهزة الأمن المصرية بالمماطلة في الإفراج عن ذويهم على الرغم من وعودها السابقة. وأكد البدو أن وعود السلطات المصرية بزيادة أعداد أبنائهم داخل الكليات الحربية وكلية الشرطة لم تتحقق حتى الآن. وفي القطاع الشمالي من سيناء، يواصل عشرات البدو قطع الطريق الدولي شرم الشيخ العريش - رفح بعد أن أشعلوا الإطارات المطاطية ومنعوا مرور السيارات باستخدام المتاريس الحجرية تضامنا مع جمعة «استرداد الثورة»، مطالبين بإلغاء قانون الطوارئ، وإسقاط الأحكام الغيابية، والإفراج عن ذويهم. وكان عدد من البدو قد حاصروا مقر القوات الدولية بمنطقة الكونتلا بالقطاع الأوسط من سيناء قبل يومين، مطالبين بتحسين أحوالهم المعيشية وإقامة دائرة جديدة بوسط سيناء.

وبعد مفاوضات أدارها قيادات بالجيش مع الأهالي وعدوا خلالها بتلبية مطالبهم، فض المعتصمون حصارهم لمقار القوات الدولية. وفي السويس، شارك نحو 800 متظاهر في مسيرة نظمها تكتل ثوار السويس بميدان 25 يناير (الأربعين سابقا). وردد المتظاهرون هتافات تندد بقانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية ورفض قانون مجلسي الشعب والشورى الجديد، مطالبين بسرعة الانتهاء من محاكمة الضباط المتورطين في قتل ثوار السويس. واختفت قوات الشرطة والجيش تماما من محيط الميدان بينما تمركزت قوات الجيش حول البنوك وديوان عام المحافظة والمجرى الملاحي لقناة السويس، وتولت قوات الشرطة حماية الأقسام ومديرية الأمن. وفي الإسماعيلية، نظمت 25 حركة وائتلافا مظاهرة تلبية لدعوة «استرداد الثورة»، انطلقت عقب صلاة الجمعة من ميدان الممر وشارك فيها نحو خمسمائة متظاهر. وطالب المتظاهرون المجلس العسكري بتحديد جدول زمني للفترة الانتقالية وتحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة، ووقف العمل نهائيا بقانون الطوارئ.

وفي بورسعيد، خرج نحو ألف متظاهر من مسجد التوفيقي في مظاهرة طافت الشوارع الرئيسية حتى وصلت إلى مبنى ديوان عام المحافظة لتأييد كل مطالب جمعة «استرداد الثورة».