ثوار ليبيا يرفضون طلب رئيس المجلس الانتقالي توحيد قيادتهم العسكرية تحت إمرة بلحاج

رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: نحن ضد عسكرة طرابلس.. وقرارات المجلس ليست قرآنا

أحد المقاتلين من ثوار ليبيا بسيارة تحمل آلية مضادة للطائرات أول من أمس في طرابلس (أ.ب) وعبد الله أحمد ناكر (الزنتاني) رئيس مجلس ثوار طرابلس
TT

تزايدت أمس حدة الأزمة السياسية والعسكرية التي يمر بها المجلس الوطني الانتقالي المناهض لنظام حكم العقيد الليبي الهارب معمر القذافي، بعدما كشف عبد الله أحمد ناكر (الزنتاني)، رئيس مجلس ثوار العاصمة الليبية طرابلس لـ«الشرق الأوسط» أمس النقاب عن أن الثوار رفضوا الانصياع إلى تعليمات المجلس بوضع قواتهم تحت قيادة موحدة للمجلس العسكري التابع للمجلس الانتقالي في طرابلس بقيادة عبد الحكيم بلحاج، أحد كبار قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة سابقا.

وأخفق رئيس المجلس الوطني الذي يعتبر أعلى هيئة سياسية للثوار في إقناع قادة الوحدات العسكرية التي تضم آلاف المقاتلين المسلحين بوضع مقاتليهم وأسلحتهم تحت إمرة القائد العسكري الذي اختاره المجلس سابقا.

ويمثل هذا الإخفاق علامة أخرى على تصاعد نغمة الانتقادات الموجهة إلى الأداء السياسي والعسكري للمجلس الذي أخفق قبل شهور أيضا في إقناع قادة الكتائب العسكرية والأمنية في مقره بمدينة بنغازي بشرق البلاد في الانصياع لتعليماته والانخراط إما في أجهزة وقوات الشرطة المحلية وإما في جيش تحرير ليبيا الوطني الممثل للثوار.

ومع انتشار آلاف المقاتلين المسلحين الذين تتوزع قياداتهم وتتعارض أجنداتهم السياسية ورؤيتهم حول كيفية تسيير شؤون طرابلس في المرحلة الراهنة، فإن عدم وجود قيادة موحدة للثوار يمثل عبئا إضافيا على المجلس الانتقالي الذي انتهى مبكرا من شهر العسل على ما يبدو بينه وبين الرأي العام المحلي.

وعلى الرغم من أن معظم الليبيين ومن بينهم رئيس مجلس ثوار طرابلس عبد الله ناكر (الزنتاني) يدينون بالولاء لشخص عبد الجليل، فإن الأمر لا ينسحب بالضرورة على بقية أعضاء المجلس الانتقالي أو من وقع عليهم الاختيار لتولي الشؤون العسكرية للثوار في هذا التوقيت الحرج.

وقال (الزنتاني) لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في العاصمة الليبية، إن الاجتماعات التي عقدها المستشار مصطفى عبد الجليل مع نحو 30 من قادة سرايا الثوار وكتائبهم العسكرية، لم تسفر عن أي نجاح فيما يتعلق بقبول الثوار العمل تحت إمرة بلحاج.

ولفت إلى أن مجموعة محدودة من المقربين من بلحاج دافعت عنه، بينما أكد الآخرون أن من حقهم التساؤل حول كيفية وصول بلحاج إلى موقعه الراهن في قيادة المجلس العسكري المسؤول عن ثوار طرابلس.

وأضاف: «التساؤلات كانت كثيرة، أنا قلت إنه لا مشكلة مع أي شخص وطني يتولى أي منصب يراه المجلس، لكن من حقنا أن نتساءل عن حيثيات تعيين هؤلاء ومن أتى بهم ولماذا؟».

وأكد أن الثوار طرحوا في المقابل أسئلة على المستشار عبد الجليل تتعلق بكيفية تنصيب بلحاج رئيسا للمجلس العسكري ودوره في عملية تحرير طرابلس من قبضة قوات القذافي العسكرية الشهر الماضي واجتياح المعقل الحصين للزعيم الهارب في باب العزيزية، بالإضافة إلى تساؤلات أخرى حول تلقي بلحاج دعما من دول خارجية.

وروى (الزنتاني) لـ«الشرق الأوسط» للمرة الأولى تفاصيل الاجتماع السري المغلق الذي عقده المستشار عبد الجليل مع قادة الثوار العسكريين، بهدف توحيد كتائب الثوار المنتشرة في مختلف أرجا العاصمة طرابلس.

وقال إن عبد الجليل وجه له سؤالا مباشرا: «ماذا تريد»، فرد قائلا: «اللبيب بالإشارة يفهم»، مضيفا: «كلامي لا يصح أن يقال على الملأ وإلا اعتبر شقا للصف، ونحن نسعى للم الصفوف في هذه المرحلة، لكن لدينا تساؤلات معلقة في حاجة إلى إجابات فورية وحاسمة».

وأضاف «قلنا ما هو معيار اختيار المسؤول العسكري، ما هي خلفياته، وما هي حيثياته، أنا شخصيا قدت بنفسي 36 معركة ناجحة ضد قوات القذافي، وأعتبر نفسي جنديا في خدمة بلادي وشعبي، ومستعد للتخلي فورا عن موقعي لأي شخص يستطيع تحمل المسؤولية، لكن نرفض بشكل قاطع أي أجندات خارجية».

ومضى إلى القول «اقترحت في الأساس إلغاء المجلس العسكري لأن دوره انتهى كما نرى بتحرير طرابلس وهروب القذافي، يجب أن يتحول إلى مجلس مدني يساعد في عودة الأمن والاستقرار إلى أنحاء العاصمة، وحذرت من مسألة عسكرة طرابلس لأنها لم تعد مقبولة أو مطلوبة الآن».

وتابع أن هذا «طبعا لا يعني أن ننهي الوجود العسكري للثوار، لكن بإمكاننا الاحتفاظ بقوة ما للرد على أي هجوم إذا حصل أي شيء من هذا القبيل، لكن الأساس هو إنهاء عسكرة مدينة تضم مليونا ونصف المليون نسمة، لأن الأمور لم تعد تتحمل».

وقال ناكر إنه تساءل أيضا خلال الاجتماع عن مبررات الإصرار على رموز المجلس العسكري لطرابلس وكلهم من خارج المدينة وبعضهم حتى لا يحتفظ لنفسه بمنزل بداخلها، مشيرا إلى أنهم يرفضون أي محاولة لفرض قيادات من خارجها عليهم.

واستطرد ناكر (الزنتاني): «لم نصل لأي اتفاق والمستشار عبد الجليل دافع عن اختيار بلحاج باعتباره من اختصاص وزير الدفاع في المجلس الانتقالي، لكنه قال أيضا إن قرارات المجلس وكلامه ليست قرآنا وإنه يمكن تغييرها بما يتناسب مع مطالب الثوار».

ولفت من جهة أخرى إلى أن حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن قطر أسيء فهمه وأنه تلقى الكثير من الاتصالات بهذا الشأن خاصة من قبيلة (الزنتان) التي ينتمي إليها.

وأضاف «أنا لست ناكرا للجميل، وللعلم قواتي حصلت على وقود ودعم من قطر وهذا لا ننكره ولا نتجاهله ولا نقفز عليه، هم مشكورون تماما على هذا الدعم وبارك الله فيهم».

لكنه تابع «مع تقديرنا للجميع، نرفض أي تدخل في الشؤون لداخلية لليبيا سواء من قطر أو من فرنسا أو المجلس الانتقالي، ولا يمكن لأي جهة أن تسعى لفرض أجندة معينة أو أشخاص بعينهم على الثوار حتى لو كان المجلس الانتقالي نفسه».

وشدد رئيس مجلس ثوار طرابلس على أن الثوار الذين تمكنوا من الإطاحة بنظام وجبروت القذافي بإمكانهم الإطاحة بأي أشخاص أو أجندات مستوردة من الخارج ويراد إملاؤها عليهم، مضيفا: «فشل القذافي ولن ينجح الآخرون، لن نسمح لهم، هذه ثورة الشعب الليبي، ويجب أن يكون هو صاحب الكلمة العليا والفاصلة في تحديد مصيره وتدبير شؤونه».

وتابع: «حتى لو أراد المجلس الانتقالي أو أي جهة فرض أي شخص من عائلتي أو من قبيلتي (الزنتان) على الثوار، سيرفضون، وأنا معهم، لا يمكن أن نعود مجددا للوراء، نرفض وجود أوصياء على ثورة السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي».

وتعني تصريحات ناكر لـ«الشرق الأوسط» أن مساعي المجلس الانتقالي لإقناع الثوار بجمع السلاح المنتشر بكثافة مخيفة في أرجاء طرابلس لن تكلل بالنجاح على المدى القصير وأن الأمر سيحتاج إلى وقت أطول مقارنة بما كان مخططا في ظل تصاعد الضغوط الغربية والأميركية المعلنة في هذا الصدد.

ويخشى الكثيرون من تحول الجدل السياسي إلى صدام عسكري مسلح، بينما ما زال القذافي هاربا وقادرا على القيام بعمليات عسكرية لإرباك الثوار والتقليل من شأن الإنجاز التاريخي الذي حققوه بإزاحته مؤخرا من السلطة التي قادها على مدى نحو 42 عاما.

وأسهم التجاذب بشأن مطالبة بعض المدن والجماعات السياسية وكتائب من الثوار بنصيب من «كعكة» الحكومة الانتقالية في إلغاء تشكيلها والاكتفاء في هذه المرحلة باستمرار عمل المكتب التنفيذي برئاسة الدكتور محمود جبريل الذي أعلن ضمنيا مساء أول من أمس استقالته من منصبه كرئيس لهذه الحكومة قبل إلغائها.

وكشف جبريل في مؤتمر صحفي عقده بطرابلس عن أن المكتب التنفيذي تقدم بمقترح للمجلس يتعلق بالبدء في العملية الديمقراطية مبكرا، مؤكدا عدم وجود أي مشاورات لتشكيل حكومة انتقالية، وقال في المقابل إن المجلس الوطني الانتقالي سيناقش ويدرس هذه الفكرة التي تضمنها المقترح الأسبوع المقبل، حتى يمكن البدء سريعا في العملية الديمقراطية لخلق أداة شرعية من الناس.

وأكد أن المشاورات حول تشكيل الحكومة الانتقالية توقفت تماما، بعد قرار المجلس الوطني الانتقالي تأجيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد تحرير كامل التراب الليبي، والذي قد يستغرق أسبوعا أو شهرا أو شهرين، على حد قوله.

وبعدما أعلن أن المجلس الوطني الانتقالي قرر الاحتفاظ بالتشكيل الحالي للمكتب التنفيذي لحين اكتمال التحرير، لتكون حكومة تصريف أعمال خلال الفترة المقبلة، وبعدها يسقط المكتب التنفيذي وتبدأ إجراءات تشكيل حكومة انتقالية، لفت إلى أنه قد يحدث تعديل جزئي لبعض الحقائب الوزارية، لكنه قال في المقابل «هذا لا يعني إعادة تشكيل للمكتب التنفيذي».

كما أعلن جبريل عن إقرار مكافآت شهرية لأسر الشهداء بواقع 400 دينارا ليبيا، بالإضافة إلى مرتبات شهرية للمقاتلين في الجبهات بواقع 450 إلى 500 دينار تسري إلى يوم التحرير في كل مدينة وفي كل منطقة في ليبيا.

وأوضح أنه تقرر رفع المرتبات الضمانية لتلائم التضخم الذي حدث مؤخرا في الحياة المعيشية، مشيرا إلى أنه تجري الآن مراجعة دراسة سابقة لإعادة هيكلة المرتبات.

وفي محاولة وصفها بأنها لتخفيف الأعباء المعيشية، قال جبريل إنه تم تجميد الرسوم الجمركية على السلع الغذائية حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل حتى لا تستخدم ذريعة لرفع الأسعار.