ماذا يفعل المستثمرون في ظل اضطرابات أسواق المال؟

على صاحب المال أن يتذكر: عدم خسارة ما يملك أجدى من مغامرات تحقيق الأرباح

TT

تعاني الأسواق العالمية تقلبات حادة منذ منتصف أغسطس (آب)، وكرد فعل لذلك يشعر الكثير من المستثمرين بأن عليهم القيام بفعل ما خوفا من أن يكلفهم عدم اتخاذ أي فعل أكثر مما يكلفهم القيام به. ويخيف حجم مشاكل العالم، ومنها ارتفاع معدل البطالة والجمود التشريعي في الولايات المتحدة ومشاكل الديون في أوروبا ومؤشرات تباطؤ الاقتصاد الصيني، المستثمرين في الوقت الحالي.

لكن ماذا عن الحث على القيام بفعل ما؟ كما كتبت من قبل، دائما ما تكون الاستراتيجية الأفضل هي التركيز على خطة على المدى الطويل وعدم التخلي عنها بمجرد بداية تنفيذها. بات هذا أصعب كثيرا بعد الـ3 سنوات الماضية. وقالت سوزان فولتون، مؤسسة ورئيسة «إف بي بي كابيتال بارتنرز»: «من العسير عدم القيام بأي فعل في الوقت الذي يحاول فيه الجميع تشجيعك على فعل ذلك حتى في التوقيت غير المناسب». ويعبر مايكل مارتين، المتداول مؤلف الكتاب الجديد «الصوت الداخلي للتداول» الصادر عن دار نشر «إف تي بريس»، عن ذلك بطريقة مختلفة. ويتمثل الخطر الأكبر الذي يواجهه المستثمر العادي حاليا في الخلط بين التقلب والفرصة. ويقول إن خوف المتداولين المحترفين يزداد عندما تتغير الأسعار سريعا دون سبب رئيسي واضح. وشبه السوق بتقلبها وتأرجحها بالعم السكير أثناء عشاء خلال إجازة. وقال: «عندما يصبح سلوك أحدهم أكثر تقلبا، لن ترغب في التقرب منه بل الهروب بعيدا عنه». لكن ربما من الصعب تجاهل هذه التقلبات. وإليك بعض الأفكار السيئة والأفكار المضادة لها والتي قد توفر بعض الارتياح النفسي..

يدفع الخوف المستثمرين إلى القيام بكل ما يضرهم على المدى الطويل.

على سبيل المثال، خمدت حماسة البعض تجاه شراء الذهب بسبب الانخفاض الحالي له؛ حيث وصل سعر الأوقية إلى 1600 دولار بعد أن كان 1900 دولار في أغسطس الماضي. ودفع التحول في البورصات بعض المستثمرين إلى الاعتقاد أنهم يستطيعون إيجاد شيء سوف يرتفع سعره مثلما حدث للذهب في السابق.

تقول فولتون: «سقف تطلعات الناس مرتفع. لن تزداد قيمة ما نمتلكه من أسهم بمقدار 10 أمثال في المستقبل القريب». وأشارت إلى أنها نصحت العملاء بالتركيز على الشركات التي لديها سيولة نقدية كبيرة وتدفع أرباحا على الأسهم بانتظام. وستساعد القدرة على توقع مستقبل تحركات هذه الأسهم على النهوض بمحفظته الاستثمارية المتعثرة.

ويتضمن شكل معدل من استراتيجية انتقاء الأسهم استغلال الخسائر الضريبية المتراكمة خلال سنوات في المراهنة على الشركات المعرضة للخطر، أملا في أن تساعد أي مكاسب في عودة المستثمر إلى النقطة التي يغطي بها تكاليف عمله دون دفع ضرائب. لكن المشكلة هي أنه إذا انتقى المستثمر أسهم «غوغل»، ربما تصبح خسائره كبيرة. وحتى إن حالفه الحظ وانتقى أسهما ذات قيمة مرتفعة، يمكن أن تستغرق عملية بيعها واستغلال الخسائر الضريبية لتعادل الأرباح سنوات طويلة. ويقول لويس ألتفيست، كبير موظفي الاستثمار في مؤسسة «ألتفيست بيرسونال ويلث ماندجمنت»: «ينبغي أن تستخدم الخسائر الضريبية في الأمور التي يمكن أن تفيد المرء اليوم».

وقال إن أحد العملاء أراد منه شراء أسهم تتضمن مخاطر لانخفاض سعرها. وبدلا من الموافقة على ذلك، اقترح ألتفيست أن يعيد العميل توزيع الأسهم في محفظته الاستثمارية لتكون 65% منها أسهما و35% سندات، ثم العودة إلى هذا التوزيع عندما ينخفض وضع السهم إلى أقل من 63%.

وقال ألتفيست: «لقد عانى مشكلة إنسانية. يمكنني أن أخبره أن هذا هو أسوأ ركود مررنا به منذ 80 عاما. وقد يساعده هذا على المستوى العقلي، لكنه أمر موجع وهو يريد إجابة».

من الأمور الرائعة التي تريح نفوس المستثمرين العاديين في السوق المتقلبة: شراء أوراق مالية بسعر ثابت بصورة دورية. إنها طريقة مذهلة للقول إن عليك استثمار المزيد من الأموال خلال مدى زمني وليس دفعة واحدة فيما يعرف بالاستثمار على دفعة واحدة.

يعرض مؤيدو هذه الاستراتيجية حجتين، الأولى: أن باستثمار الأموال في سهم على مدى زمني سوف تشتري أسهما بأسعار مختلفة، وهو ما يفيدك في نهاية الأمر. يبدو هذا أمرا مقبولا، خاصة عندما تتأرجح أسعار الأسهم كثيرا بين الارتفاع والانخفاض. الميزة الثانية نفسية، فإذا وضعت كل أموالك في استثمار ثم انخفضت قيمته في اليوم التالي بنسبة 10%، سوف تشعر بإحساس فظيع، الأسوأ من ذلك أنك ربما تعزف عن القيام بالمزيد من الاستثمارات وتنجو بما تبقى لديك من مال.

لكن بحثا جديدا، أجرته مؤسسة «غيرستين فيشر» التي تعمل في مجال إدارة الأموال في نيويورك، أثار أسئلة حول فلسفة الاستثمار، ووجد البحث أنه خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) 1926 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2010 كانت نتائج استثمار أموالك ليوم واحد على مدى 30 عاما أفضل من استثمار القدر نفسه من المال على مدى 12 شهرا.

كان استثمار كل الأموال دفعة واحدة أفضل في 70% من المرات بنسبة 94%، وكانت استراتيجية شراء الأوراق المالية بسعر ثابت بصورة دورية تحقق في أفضل أحوالها 77%. وأضاف الاستثمار على دفعة واحدة 2% للعائدات السنوية خلال 20 عاما، حسبما أوضحت الدراسة، واستمرت هذه النسبة خلال العقد الماضي.

وقال غريف فيشر، رئيس «غيرستين فيشر»: «نستنتج من ذلك أنه كلما استثمرت أموالك بشكل أسرع، كان أفضل. أكبر قيمة لهذه العملية هي توفير الاستثمار المريح للناس. لن يقدم المستثمر العاقل على ذلك لأنها لا تتضمن أي منطق، لكننا لسنا عاقلين».

لا يمتلك أكثر المستثمرين مبالغ مالية كبيرة يمكن استثمارها دفعة واحدة، لكن لدى الكثيرين حاليا نقودا. وأشار فيشر إلى أن إنفاق المرء للمال ببطء أفضل من محاولة المرء التكهن بتوجهات السوق.

من الأمور الأخرى الباعثة على الراحة أن سندات الخزانة قد تكون أفضل مما يعتقد الكثير من المستشارين، ففي أغسطس (آب) كتبت أن المستشارين كانوا يخبرون العملاء أن العائدات السنوية على سندات الخزانة لا يمكن أن تنخفض أكثر من ذلك. وكان هناك خوف إذن من أن يبحث المستثمرون عن الأمان في الأرباح المنخفضة وأن أي نبأ جيد كان ليؤدي إلى ارتفاع العائدات وتكبد المستثمرين خسائر، لكن هذا لم يحدث. وقال بوب أندريس، كبير مسؤولي الاستثمار والمخطط الاستراتيجي في «ميريون ويلث بارتنرز»: إن المستثمرين متفائلون للغاية. ولا توجد الكثير من المؤشرات التي تدل على تحسن الاقتصاد العالمي قريبا.

وأضاف أندريس: «إذا كان العائد السنوي على سندات الخزانة التي تبلغ أجلها 10 أعوام 2.5% أو أقل، يتجه الناس إلى القول إنه لا يمكن أن يقل عن ذلك. وهذا غير صحيح؛ حيث يعد ذلك تقليلا من حجم المشاكل التي يعانيها الاقتصاد. هل أعتقد أنه من الممكن أن ينخفض العائد السنوي إلى 1.5%؟ نعم أعتقد ذلك».

لهذا التحليل وجاهته على الرغم من قتامته. في بداية العام الحالي، كان العائد السنوي على سندات الخزانة التي يبلغ أجلها 10 أعوام 3.36% وهو ما بدا رائعا حينها، لكن الأسبوع الماضي عندما انخفض العائد على السندات نفسها إلى 1.72%، بدت أفضل». لذا في الوقت الذي يؤدي فيه التضخم إلى تأثير سلبي على عائدات السندات، ترد أنباء سيئة كثيرة من الولايات المتحدة وأوروبا كفيلة بأن تدفع الناس بعيدا عن سندات الخزانة قبل الأوان. ويوضح أندريس قائلا: «عدم خسارة المال أهم من تحقيق أرباح في هذه البيئة. إن الشعور الغريزي أمر خطير في سوق كهذه. ربما تكون أفضل نصيحة عند مواجهة الضغط هي الاستمرار في الطريق على الرغم من العقبات».

* خدمة «نيويورك تايمز»