«ديور».. ما أحلى العودة إلى القديم! و«لانفان» تدخل صيف 2012 بروح «سبور»

في رابع أيام أسبوع باريس للموضة

TT

يوم الجمعة الماضي كان يوم «ديور» بلا منازع؛ فغني عن القول إن عرض هذه الدار الفرنسية العريقة، كان الحدث الأكبر في أسبوع باريس للموضة لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالأناقة وبعضها الآخر بما تعيشه الدار من أحداث منذ نحو سنة تقريبا في أعقاب «سقوط» مصممها الشهير جون غاليانو، لتفوهه بكلمات معادية للسامية، الأمر الذي نتج عنه طرده.

هذا الأسبوع اعتقد الكثير من الحضور، أو بالأحرى تمنوا، أن يشبعوا فضولهم ويصار إلى الإعلان عن اسم خليفته. وكان الاهتمام بهذه النقطة أكبر حتى من الاهتمام بمتابعة ما سيقدمه المصمم بيل غايتون من اقتراحات لربيع وصيف 2012. غير أن الدار لم تعلن عن أي شيء، باستثناء قول رئيسها التنفيذي سيدني توليدانو لوكالة «رويترز» إنه لن يعلن عن أي شيء في الوقت الحالي، وبالتالي علينا الانتظار إلى أن يحين الوقت المناسب لذلك، ثم علق قائلا: «ستفهمون عندما يعلن الخبر، فالتوقيت مهم»، مضيفا بمزيد من التشويق: «أولئك الذين يعرفون لا يتكلمون، ومن يتكلمون لا يعرفون شيئا». وهو بهذا يشير إلى الشائعات التي لم تهدأ منذ الاستغناء عن خدمات غاليانو في شهر مارس (آذار) الماضي، مما جعل الدار تقدم عرضين حتى الآن من دون مصمم رسمي.

ولا شك أن المشرفين على «ديور» يعرفون أنه ما دامت الدار لم تعين مصمما، فإن لائحة المرشحين لهذا الدور ستطول. فحتى الآن، أضيفت إلى اللائحة عدة أسماء، وإن كان الاسم الأكثر إثارة هو مارك جاكوبز. وهذا ربما لأنه الأكثر مصداقية بالنظر إلى قدراته الفنية وما حققه من نجاحات تجارية وفنية لدار «لوي فويتون»، التي تنضوي مثل «ديور» تحت جناحي مجموعة «إل في آم آش» العملاقة، وهو ما تحتاجه فعلا أي دار أزياء، ولا سيما في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها قطاع المنتجات المترفة بسبب الأزمة المالية وعدم استقرار السوق.

أما فيما يتعلق بالعرض نفسه، فإن بيل غايتون بذل مجهودا جبارا ليقول للجميع إنه قادر على فهم روح الدار وترجمتها في أزياء قد يراها كثيرون مضمونة ولا تحمل جديدا، لكنها في كل الحالات تتضمن جماليات تحترم أسلوب الدار وتاريخها، وبالأخص أن المرحلة بالنسبة له انتقالية لا تحتاج إلى تصاميم ثورية. وبالنتيجة، فإن ما افتقده العرض من «فانتازيا» وإخراج مسرحي درامي عوض عنه بأزياء واقعية يمكن لأي امرأة أن ترى نفسها فيها، بغض النظر عن سنها وأسلوبها.

نظرة إلى الحضور ونظرات الترقب قبل العرض تشعرك بمدى الضغط النفسي الذي يمكن أن يمر به أي مصمم، فيما لو كان في مكان بيل غايتون. فالتشكيلة التي قدمها في موسم الـ«هوت كوتير» (الأزياء الراقية) في شهر يوليو (تموز) الماضي لم تلق استقبالا حارا من قبل وسائل الإعلام، وبالتالي فإن الأقلام كانت مستعدة للمزيد من الانتقاد عند أول هفوة. لكنه نجح في تفاديها إلى حد ما بفضل لعبه على المضمون، إذ كان واضحا أنه توخى السلامة هذه المرة بإعطاء المرأة كل ما تتوق إليه وتحتاجه في كل المناسبات بغض النظر عن المكان وأحوال الطقس.

في حديث له مع وكالة «رويترز»، اعترف غايتون بأن الفكرة التي انطلق منها هي العودة إلى أرشيف الدار، وإعادة صياغة مفرداتها مثل الياقات الناعمة، والجاكيت المحدد لكن بأكمام عريضة مستوحاة من الكيمونو، وخصور أعلى من تلك التي قدمها كل من سبقوه.

حتى الديكور، الذي تم تصميم القاعة به في متحف «لورودان» كان إيماءة واضحة إلى المؤسس وجينات «ديور» الوراثية. وما إن بدأ العرض وأضيئت الأنوار، حتى بدت خلفية رمادية في صورة تعكس واجهات محلات «ديور». فاللون الرمادي يعد «ماركة مسجلة» عند «ديور»، وهو كان المفضل لدى السيد ديور، وبالتالي؛ فإن غايتون استعمله كمدخل لجوهر الدار وما تعنيه من أناقة أنثوية.

توالت التصاميم، وتبين أن غايتون أخذ من كل أسلوب طرحته الدار في يوم من الأيام وترجمته بلغة واضحة، إذ كان هناك الجاكيت المحدد عند الخصر، والتنورة المستديرة، وإن كان اللافت فيها هو أنه خفف من حجمها، وأضفى عليها رشاقة أكبر، على الرغم من حفاظه على استدارتها. وهذا ما سيجعلها مناسبة لكل النساء بغض النظر عن أحجامهن ومقاساتهن.

الازدواجية المثيرة بين الشفاف والسميك كانت هي الأخرى حاضرة، وتجسدت في مزجه الأقمشة المتناقضة التي خلقت ما يشبه الخدع البصرية المثيرة.

وباختصار، فإن ما فعله غايتون هو أنه استغل قدرات وحرفية الأنامل الناعمة العاملة في الدار منذ عشرات السنين، وجعل الكثير من القطع تحاكي الـ«هوت كوتير» مع صياغته إياها بأسلوب سلس يلعب على خفة أقمشتها، مثل الأورغنزا والتول والحرير. وصحيح أنه، في البداية، أرسل مجموعة تشعرك بأنها موجهة للخريف والشتاء.. وليس للربيع والصيف بألوانها الرمادية وأقمشتها الدافئة، مثل التويد والصوف والجلد، لكنه سرعان ما أتبعها بمجموعة من الجاكيتات والتنانير والفساتين الناعمة والمفصلة بأسلوب حرفي بأقمشة تتماوج على الشيفون والحرير والدانتيل، وألوان باستيل منعشة.

في حدائق التويلريز، التي لا تبعد كثيرا عن متحف «لورودان» كان الموعد مع تشكيلة دار «لانفان».

المصمم هنا ألبير إلبيز قدم مجموعة ركز فيها هو الآخر على التنوع، بدأها بأزياء كادت تنسينا أننا نحضر موسما موجها للربيع والصيف، حيث طغت الألوان الغامقة والأقمشة الدافئة عليها، مما زاد من ارتفاع درجات الحرارة التي لم تكن تطاق في القاعة، على الرغم من المراوح التي جرى توزيعها على الحضور.

لحسن الحظ أن ألبيز أتبعها بمجموعة «سبور» أكثر خفة وانتعاشا من خلال بنطلونات واسعة تضيق كلما اقتربت من الركبة ثم الكاحل، وقمصان مريحة وجاكيتات مفصلة، لكن بأسلوب منطلق يغازل الخصر من بعيد. كعادته لعب إلبيز على التفاصيل البسيطة والمؤثرة في الوقت ذاته، سواء كانت على شكل طيات أو أكتاف. فقد شرح أنه رسم صور نساء بأجنحة قبل أن يعكف على تنفيذ التشكيلة: «أردت أن أطبّق هذه الصورة من خلال الأكتاف، لأن القوة تأتي غالبا من هذا الجزء». بيد أنه لم ينس أجزاء أخرى من الجسم، حيث كانت هناك قطع عملية وأخرى مرصعة بسخاء، فضلا عن مجموعته الأخيرة التي كانت عبارة عن فساتين مستوحاة من الثقافة الإغريقية تنسدل على الجسم، مرة بكتف واحد ومرة بطيات عند الخصر أو فتحات من الجوانب.

الألوان هي الأخرى تفتحت وابتعدت عن الأسود والأبيض لتشمل الأخضر والأزرق والأصفر الخردلي (الموتار)، لكن ما يعلق في الذهن بعد العرض ذلك الإحساس بأن المصمم مارس فيها رياضة ذهنية مثيرة لتخرج بهذا الشكل الـ«سبور»، الذي لم نعهده في تشكيلاته السابقة.

من ناحية أخرى، جاءت تشكيلة المصممة إيزابيل ماران، متميزة أيضا بلمسة «سبور»، إذ يبدو أنها أرادت أن تقدم تحية لكرة القدم الأميركية، خصوصا أنها افتتحت أول محل لها في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2010، وكان واضحا أنها تريد أن تخاطبه بلغة يفهمها.

ماران أبدعت فيها بنطلونات جينز باهتة و«تي - شيرتات» وشورتات بألوان هادئة وحيادية مع بعض الأحمر والأخضر المائل إلى الكاكي. وللمساء، اقترحت فساتين قصيرة من اللاميه ومن الدانتيل، إلى جانب استعمال الأقمشة الشفافة من دون تبطينها في فساتين كوكتيل وسهرة، وهي موضة حضرت أيضا في كثير من العروض من «ديور» إلى «لانفان».