نذر حرب تجارية بين دمشق وأنقرة.. وتحذيرات متبادلة بمقاطعة البضائع

حجم التبادل التجاري بينهما بلغ العام الماضي 2.5 مليار دولار معظمها صادرات تركية إلى سوريا

صورة من الانترنت لمظاهرة للمطالبة باسقاط النظام السوري في دوما امس
TT

الأزمة التركية - السورية تتجه إلى مزيد من التصعيد، بعد إعلان الحكومة السورية تعليق استيراد المواد التي يزيد رسمها الجمركي على 5 في المائة، تزامنت مع حملة إعلامية شنتها وسائل الإعلام شبه الرسمية لمقاطعة البضائع التركية، في حين ارتفعت أصوات في جلسات الحوار التي عقدها النظام في المحافظات السورية لتطالب بإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين سوريا وتركيا في السنوات الأخيرة، والتي يراها كثير من السوريين أنها مجحفة وتميل لصالح الطرف التركي، ما دفع الحكومة السورية للتلويح بإمكانية إعادة النظر بتلك الاتفاقيات.

وفي المقابل لوح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بمقاطعة تجارية مع سوريا، وإغلاق الأسواق التركية أمام المنتجات السورية، وأعلن أردوغان أنه ينسق مع المسؤولين الأميركيين لزيادة الضغط على سوريا. وإزاء هذه التطورات يرى الخبراء أن الأزمة بين البلدين، باتت تتجه إلى تصعيد جدي، ويوحي بأن «ما يخبئه المستقبل سيكون أعظم».

وشنت وسائل الإعلام السورية شبه الرسمية حملة تدعو إلى مقاطعة البضائع التركية في الأسواق السورية، وقامت بإجراء استطلاعات رأي في الشارع، قالت إن السوريين، يريدون مقاطعة البضائع التركية، ولكن هذه الحملة أخطأت في إصابة الهدف، وحصل خلط بين قرار تعليق الاستيراد الذي اتخذته الحكومة مضطرة لحماية احتياط القطع الأجنبية في مواجهة العقوبات الاقتصادية، وبين العلاقات السياسية مع تركيا.

وخرج وزير الاقتصاد التركي ظفر كاجليان ليحذر سوريا بشدة متوعدا برد مناسب إذا قاطعت البضائع التركية، وقال كاجليان إن «بلاده لن تتردد في توجيه الانتقام المناسب إذا ما قررت دمشق مقاطعة السلع التركية»، مهددا بأنه إذا «حدث هذا فإن تركيا ستفعل نفس الشيء بالنسبة للسلع السورية»، داعيا دمشق إلى «تصحيح هذا الخطأ في أسرع وقت». وقال كاجليان: «إن هذا القرار سيكون له آثار أكبر على الاقتصاد السوري أكثر من أثره على اقتصاد تركيا أو أي دولة معنية.. فليس هناك دولة على وجه الأرض تدير اقتصادها من دون واردات».

وتعتبر تركيا الشريك التجاري الأول لسوريا، واحتلت مشاريعها في البلاد العام الماضي المرتبة الأولى. وتشير أرقام رسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما بلغ العام الماضي 2.5 مليار دولار، بينها نحو 1.6 مليار دولار صادرات تركية إلى سوريا. علما أن البلدين وقعا في عام 2004 اتفاقا للتجارة الحرة دخل حيز التنفيذ عام 2007، فأدى إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 30 في المائة سنويا. وبلغ التبادل التجاري خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي نحو 1.4 مليار دولار، بانخفاض 1.1 في المائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. ودخل نحو 1.5 مليون سائح تركي إلى سوريا العام الماضي، منهم 865 ألفا أمضوا على الأقل ليلة واحدة في البلاد، بينما زار تركيا نحو مليون سائح سوري.

ويشار إلى أنه في العام الماضي ومع تدفق البضائع التركية إلى السوق السورية، ارتفعت أصوات تطالب بالمعاملة بالمثل إذ إن البضائع التركية كانت تتدفق بتسهيلات كبيرة في حين توضع العراقيل أمام الصادرات السورية. وقد اشتكى من هذا أكثر من مرة نائب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها عصام زمريق عبر تصريحات صحافية، حذر فيها من غزو البضائع التركية المدعومة لأسواق سوريا لأن الأبواب مفتوحة بوجهها، في حين تقيد الصادرات السورية لدول الجوار بالكثير من التعقيدات.

وطالب المسؤول «بتشجيع الصناعة المحلية وتفعيل قانون مكافحة الإغراق. وخاصة بعد تزايد الإقبال الشعبي على البضائع الأجنبية ذات النوعية الرديئة التي غزت الأسواق السورية بأسعار رخيصة». إلا أن الحكومة السورية لم تكن تستجيب لتلك الشكاوى، ولكن بعد تأزم العلاقات السياسية خلال الأشهر الأخيرة، بدأت تفكر بإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية مع الدولة الجارة، إلا أنها لم تعلن صراحة عن ذلك بل تم نفي أن قرار تعليق الاستيراد المقصود به تركيا، وصدرت عدة توضيحات حيث نفى معاون وزير الاقتصاد والتجارة خالد سلوطة في تصريح صحافي أن «تكون وزارة الاقتصاد السورية أبلغت الشركات التركية وقف استيراد السلع والمنتجات التركية كلها». وأوضح أن «قرار الحكومة هو تعليق الاستيراد من دول العالم كلها»، وفي السياق ذاته صرح رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع للصحافة أن «سوريا في قرارها تعليق المستوردات شملت دول اتفاقيات منطقة التجارة الحرة والدول التي تربطنا معها اتفاقيات تجارة حرة ثنائية، وعلى ذلك من الممكن أن تقوم تلك الدول بإجراء مماثل وسوريا علقت الاستيراد ولم تلغه أو حتى تحظره وإنما علقته حتى إشعار آخر».

وعدا المشكلة السياسية التي وجهتها الحكومة السورية جراء قرار تعليق الاستيراد، واجهت مشكلة اقتصادية داخلية كبرى، فمع أن الهدف من القرار بحسب تصريحات حاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة «توفير ما لا يقل عن 6 مليارات دولار بينها 4.5 مليار دولار من استيراد السيارات»، مع الإشارة إلى أن «البضائع التي يشملها القرار تمثل نحو 25 في المائة من الواردات»، إلا أنه قرار جاء صادما لسوق العمل، وتوقع اقتصاديون أن يلحق القرار مزيدا من الأضرار بالاقتصاد السوري خاصة في ظل فرض عقوبات من دول غربية، حيث بادر الكثير من التجار إلى رفع أسعار المواد الاستهلاكية احتجاجا على القرار، الأمر الذي ألحق ضررا مباشرا بالمواطن. ودفع وزارة الاقتصاد السورية إلى إعلان استعدادها لتعديل القرار استنادا لحاجات الصناعة والتجارة ولتوفير السلع الأساسية في الأسواق، معتبرة أن القرار ليس منزلا، وأنه قابل للتعديل أكثر من مرة، وفقا لحاجة الأسواق، وطلبت من غرف الصناعة والتجارة إبداء ملاحظاتها لدراستها، في إطار مسؤول، بحيث يتم تخفيف الضغط على الاحتياطي من العملات الأجنبية، وخاصة أن الحكومة ملتزمة بشكل كامل باستمرار الدعم للمواد الغذائية الأساسية ومادة المازوت، مما يشكل عبئا متزايدا على القطع الأجنبي، الذي يحتاج إلى إدارة واعية ومسؤولة. وذكرت مصادر صحافية أن مساعد وزير الاقتصاد والتجارة السوري خالد سلوطة التقى في مقر غرفة التجارة بحلب حشدا من التجار الذين أجمعوا على رفض قرار تعليق الاستيراد، حيث أعرب البعض عن دهشته من إصدار مثل هذه القرارات بشكل مفاجئ دون أي سابق إنذار وعدم الإعلان عنه ولو بفترة قصيرة مما سبب إرباكا للتجار الذين كانت لديهم طلبات استيراد بمواعيد محددة، وإذا ما طالت مدة هذا المنع فإن التجار سيضطرون لفسخ العقود التي أبرموها مع الجهات الموردة وبالتالي خسارة ملايين الليرات.

يشار إلى أن الاقتصاد السوري تأثر إلى حد كبير بالأحداث التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 6 أشهر، حيث تضررت عدة مجالات فيه، أهمها السياحة، التي انخفض مردودها إلى الصفر، إضافة إلى ركود يسود الأسواق التجارية. وكان صندوق النقد الدولي توقع الأسبوع الماضي أن ينكمش الاقتصاد السوري 2 في المائة هذا العام بعد أن كان يتوقع نموا نسبته 3 في المائة في أبريل (نيسان).