مؤسس «منبر 17 فبراير الحر»: تأجيل تشكيل الحكومة وجمع السلاح إلى ما بعد التحرير الكامل للبلاد

عاشور أبو دية: نسبة التيار الإسلامي في ليبيا لا تزيد على 10%.. والخوف من الطابور الخامس والمندسين

عاشور أبو دية مؤسس «منبر 17 فبراير الحر»
TT

قال عاشور أبو دية مؤسس «منبر 17 فبراير الحر»، الذي يضم جميع الطوائف والشرائح المنخرطة في الثورة الليبية، إن جمع السلاح من أيدي الليبيين وتشكيل الحكومة الانتقالية لن يبدأ العمل عليهما إلا بعد التحرير الكامل للأراضي من أي وجود لكتائب العقيد الليبي معمر القذافي، مشيرا إلى أن البلاد ما زالت تعاني من وجود طابور خامس ومندسين تابعين للقذافي. وقلل أبو دية في الوقت نفسه من حجم تيار الإسلام السياسي في ليبيا الذي أشار إلى أن نسبته، من جهاديين و«إخوان» وسلفيين، لا تزيد على 10 في المائة من حجم القوى السياسية الليبية. وأضاف أبو دية في حوار مع «الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، من العاصمة طرابلس، أمس، أن أبناء قبائل معروفة تاريخيا بموالاتها للقذافي، من القذاذفة والورفلة والمقارحة، يشاركون في الثورة منذ البداية، قائلا إن ثوارا من هذه القبائل، ومن مدينة بني وليد، يحاولون منذ أشهر إقناع ذويهم بالانضمام للمرحلة الجديدة الآخذة في التشكل في ليبيا.

وأعرب أبو دية عن أمله في أن يتمكن الليبيون من تجاوز مشكلة تشكيل الحكومة بما يعبر عن كافة الأطياف الليبية، مشيرا إلى أن سبب قرار محمود جبريل، رئيس المجلس الانتقالي الحالي، عدم المشاركة في أي حكومة مقبلة، يرجع إلى عدم رغبته في الوجود في موقع يمكن أن ينتج عنه أي نوع من سوء الفهم، بعد أن أدى دوره الوطني في أحلك الظروف التي مرت بها ليبيا منذ بداية ثورة 17 فبراير (شباط)، وقال أيضا إن من بين «سوء الفهم» الحديث عن دوره في لجان الثورة في السابق، وهو أمر «لا يقلل من موقفه الوطني تجاه الثورة».

وتحدث أبو دية، الذي نظم منبره مؤخرا سلسلة ندوات في طرابلس شارك فيها عدد من ممثلي المجلس الانتقالي والأكاديميين والوجهاء ورجال السياسة والفكر في ليبيا، عن مأساة الجرحى والمصابين جراء الأحداث المشتعلة منذ 7 أشهر، مطالبا المجتمع الدولي بسرعة التدخل والإفراج عن الأموال الليبية، وقال موضوع المصابين سيؤثر سلبا على الحكومة الانتقالية لأن اللوم عليها كبير. وإلى تفاصيل الحوار..

* إلى أين وصلت التطورات الخاصة بتشكيل الحكومة الليبية، وما سبب تأخير إعلانها؟

- أولا الموضوع ليس موضوع خلافات، وإنما السبب هو أن ليبيا لم يتم تحريرها بالكامل.. إعلان الحكومة قبل التحرير أعتقد أنه سيتم انتقاده دبلوماسيا، إذا أعلن عنها ولدينا مدن لم تتحرر بعد.. لذلك لن يتم الإعلان عن الحكومة بالكامل إلا بعد أن يتم تحرير ليبيا بالكامل، وهذا من الممكن أن يتطلب أسبوعا أو 10 أيام أو أسبوعين. توجد جهود جديدة وقوية من أجل أن يتم تحرير ليبيا بالكامل إن شاء الله في أقرب فرصة.

* لكن يتردد أن هناك مشاكل تعترض الإعلان عن تشكيل الحكومة منها على سبيل المثال منافسة مصراتة بمرشح لها لرئاسة الوزراء هو عبد الرحمن السويحلي.. وقبائل في الشرق لها متطلبات مغايرة، والتيارات الإسلامية لها شروط.. كيف يمكن تسوية هذه المشاكل؟

- طبعا توجد أشياء كثيرة.. مصراتة تعد من أكبر المدن الليبية، وعدد سكان هذه المدينة ليس بالقليل.. في الوقت الحاضر طبعا، كما قلت لك، توجد إشكاليات، لكن لو استمر الوضع حاليا كما نحن عليه، في ظل حكومة تيسير الأعمال، لن يكون هناك أي إشكالية. مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، عليه إجماع كامل دون أي تحفظ من كل الليبيين من العرب والأمازيغ ومن الجنوب والشرق والغرب.. أما محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي (حكومة تسيير الأعمال الحالية)، فتستطيع أن تقول إنه لديه الأغلبية، بنسبة أكثر من 70 في المائة، لو لم يكن هناك أي انتماء قبلي أو طائفي بالنسبة له.

* إذا كان 70 في المائة من الليبيين مع جبريل، فلماذا قرر عدم المشاركة في أي حكومة قادمة؟

- لا تنس أن محمود جبريل شخص مؤهل عالميا، كما أنه وقف وقفة واضحة لصالح الليبيين منذ بداية الثورة، حين أوقف جميع أشغاله الخاصة من أجل ليبيا. وحقق مكاسب لليبيا في الخارج لم يكن أن يحققها أي شخص آخر، وتسبب في اعتراف العديد من دول العالم بالمجلس الانتقالي مبكرا.. وضع جبريل المالي جيد، ولديه شركاته الخاصة، والحصول على منصب في الحكومة لا يعني له أي شيء.. لكن هذا لا ينفي أنه بعد أن تتشكل الحكومة الانتقالية (بعد إعلان التحرير) أن يقوم بتأسيس حزب، كما أنه ليس ملزما بأن يكون في الحكومة مستقبلا، لكن هذا لا ينفي أنه من الممكن أن ينضم أو يشكل أي حزب، وأن يترشح مستقبلا من جديد.

* لكن ما السبب في رأيك الذي جعله يتراجع عن المشاركة في الحكومة المقبلة؟

- جبريل ضحى بـ7 أشهر من وقته، وعطل شركاته وأعماله، وأنت تعرف أنه مستشار لأكثر من دولة عربية.. قام بالعمل الوطني، لكن إذا كان هذا العمل الوطني يمكن أن يسبب له نوعا من سوء الفهم، فلا لزوم له.. وطنيته موجودة، بغض النظر عن بعض الحقائق الأخرى، مثل أنه كان في اللجان الثورية قديما. أحيانا تعمل عملا ما اعتقادا أنه عمل وطني. موضوع أنه كان في اللجان الثورية (الليبية التابعة للقذافي) في أميركا، أمر معروف، لكن ما قام به خلال الشهور الـ7 الماضية أثبت أنه شخص وطني.

* ألا ترى أن تيار الإسلام السياسي يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تشكيل الحكومة القادمة؟

- التيارات الدينية لا تستطيع أن تقصيها لأنها موجودة في الواقع، وليست شيئا خافيا، بغض النظر عن أنه لم يكن لدينا في ليبيا تنظيم قوي مثلما هو موجود في الدول الأخرى، لكن الإسلاميين موجودون، ولا يمثلون أكثر من 10 في المائة، من مجموع القوى الليبية، لأن ليبيا كلها بنفس المذهب، كلها مسلمون 100 في المائة، ولهذا فإن هذه التيارات الإسلامية لن تجد أرضية في بلد فيه نصف مليون ليبي يحفظ القرآن الكريم.. ومع ذلك التيار السلفي كان موجودا في ليبيا، لكن ليس بأعداد كبيرة.. قلت لك إن جميع التيارات بما فيها «الإخوان» والجهاد والسلفيون وغيرهم من إسلاميين لا يشكلون أكثر من 10 في المائة، بغض النظر عن أن لديهم وجودا وثقلا سياسيا، لأن لديهم حاليا مناصب قيادية في بعض الأماكن، لكن كقاعدة شعبية فإن الشارع الليبي لا يعطي الموضوع أي وزن كبير.

* هناك من يقول إن الاستقرار لن يتحقق إلا بتحقيق المصالحة مستقبلا مع قبائل كبيرة يقال إنها وقفت مع القذافي أثناء الثورة عليه، مثل القذاذفة (قبيلة القذافي) والورفلة والمقارحة.. أين موقع هذه القبائل في رأيك على الخريطة السياسية المقبلة؟

- لا يمكن أن تساوي بين شخص انتفض مع الثورة منذ البداية وآخر لم ينتفض.. على أي حال الشعب الليبي يريد الأمن لأنه ظل منذ 7 أشهر في معاناة كبيرة.. كل يوم قتل.. الذين ماتوا خلال 7 أشهر نسبة كبيرة جدا جدا جدا، مقارنة بأي دولة أخرى من الدول المنتفضة، ومقارنة بعدد سكان ليبيا البالغ نحو 6 ملايين. أقول إن الشعب الليبي كله، أي الأغلبية.. وحين نتكلم عن الأغلبية نتكلم عن سكان العاصمة الذين يمثل عددهم نحو ثلث سكان ليبيا، ليست لديهم مشكلة.. لكن هناك مسائل مبدئية، لن تعامل شخصا انتفض مع الثورة منذ البداية وشخصا لم ينتفض بعد معاملة واحدة.. سيكون هناك بعض الفروق، لكن هذا لا ينفي أنه لو أن شخصا من بني وليد (موطن قبيلة الورفلة الموالية للقذافي) وطني ليس عليه أي تحفظ وكان معارضا للقذافي، أن يأخذ منصبا قياديا، لا أعتقد أن هذا لن يلقى أي معارضة في ليبيا، ولا تنس أن محمود جبريل نفسه من ورفلة.

* البعض يعتقد أنه لا يوجد في أوساط الثوار أي عناصر من القبائل الموالية تاريخيا للقذافي، وهي القذاذفة والورفلة والمقارحة.. هل هناك من هم ضمن صفوف الثوار من هذه القبائل؟

- كل المهمشين من هذه القبائل انضموا للثورة والثوار.. يوجد قذاذفة ومقارحة وورفلة قام القذافي بتهميشهم. في بني وليد معارضون حتى اليوم، وما زالوا يحاولون الاتصال بذويهم ويحاولون توعيتهم. نحن ننظر باحترام كبير إلى أبناء هذه القبائل ممن لعبوا دورا في ثورة 17 فبراير.

* في الفترة الأخيرة كان البعض يتحدث عن أن 17 فبراير التي أشعلت الثورة تحولت حاليا إلى مجرد جناح ضمن أجنحة أخرى. ما رأيك؟

- نحن في منبر 17 فبراير الحر نمثل جميع الشرائح من الليبيين من الشباب والكبار والصغار والفتيات، ومن جميع مدن ليبيا. للمنبر مواقع تضم كل الليبيين في كل المدن.. في بنغازي والزاوية ومصراتة والجبل، حتى الآن ليست لنا أي صفة سياسية أو أي اتجاه سياسي. ما زال منبر 17 فبراير للجميع، وكل يعبر عن رأيه بغض النظر عن توجهاته. ثم لا تنس أننا في ليبيا ليست لدينا أي خبرة سياسية.. لا في الأحزاب ولا في التنظيمات. حين ظهر معمر القذافي منذ انقلاب 1969 كان في العشرينات من عمره، والشعب الليبي ليس له أي خلفية بالأحزاب. ومع ذلك فإنه من المستبعد أن تكون انتماءاته قبلية لأن الأحزاب التي سوف تتأسس في ليبيا الجديدة لن تكون على أساس قبلي. ونحن في منبر 17 فبراير نعمل على نبذ العنصرية والإقصاء والتهميش التي كانت موجودة أيام حكم القذافي.

* يوجد العديد من التقارير التي تتحدث عن تفاقم مشكلة الجرحى والمصابين. ما حجم المشكلة في رأيك؟

- هذا صحيح.. أولا دعنا نقول إن الشعب الليبي شعب فقير لم يكن الأغنياء يمثلون أكثر من اثنين في المائة أيام حكم القذافي، وهؤلاء كانوا من موظفي الدولة. لم يكن لدينا تجار أغنياء. أغلبية الشعب هم من نزلوا للثورة، والشعب هو من أخذ ينفق من جيبه الخاص على كل متطلبات الثورة منذ بدايتها منذ نحو 7 أشهر حتى الآن، ومع نقص الأشياء في الأسواق أصبحت أسعارها تتضاعف. أما اليوم وبعد أن وقف معنا المجتمع الدولي لحماية الشعب من مذابح القذافي، فمن المفترض أن تكون عملية الإفراج عن أموال الليبيين في الخارج، واضحة وصريحة. اليوم الجرحى مأساة.. من الممكن أن يتعرض مصاب برصاصة لبتر ساقه، بسبب التأخر في علاجه. مفروض على المجتمع الدولي أن يتكاتف ويتعاون معنا. الشعب الليبي لم يعد في مقدروه التبرع.. توجد أرصدة مجمدة. لا بد أن يقتنع العالم أن الشعب الليبي ينفق طوال 7 أشهر دون أن يكون لديه دخل. الذي كان لديه عشرة آلاف جنيه أنفقها في الشهور الـ7 الماضية. ولا يوجد بيت في ليبيا من دون مصاب أو شهيد أو مفقود. لا بد من الإفراج عن الأموال الليبية ولو تحت إشراف المجتمع الدولي لعلاج الجرحى والمصابين. موضوع المصابين يسبب أرقا كبيرا للشعب الليبي، وهذا سيؤثر سلبا على الحكومة الانتقالية حاليا، لأن اللوم عليها كبير، ولا بد أن تكون وقفة جادة من المجتمع الدولي.

* من المواضيع الملحة أيضا قضية انتشار السلاح في العاصمة طرابلس. كيف يمكن معالجة الأمر؟

- هذا الموضوع ليس صعبا، بل سهل جدا جدا جدا.. لا بد أن نسأل من هم حملة السلاح؟ حملة السلاح مهندسون وأطباء وتجار وطلبة وموظفون في البنوك.. أعتقد أن هذا الموضوع لن يتسبب في أرق كبير في ليبيا نهائيا. وعملية سحب السلاح ليست قضيتنا حاليا، إلى أن يتم تحرير ليبيا بالكامل، لأن الطوابير الخامسة موجودة والمندسين موجودون.. السلاح موجود لدى الثوار وهذا بالنسبة لنا صمام أمان، وسيظل موجودا إلى حين التحرير وتكوين الشرطة والنجدة والدعم المركزي، وتعود كل الأجهزة الأمنية.. حينها سيقوم الثوار بتسليم الأسلحة. والشعب الليبي بطبيعته لا يحب حمل السلاح. السلاح موجود لظرف طارئ وسيزول بزواله.