أنفاق غزة تزهق أرواح 200 من العاملين فيها

تدهور الأوضاع الاقتصادية يدفع الشباب الغزي لـ«العمل الأسود»

TT

تبدي كثير من الأوساط الحقوقية في قطاع غزة قلقها الشديد إزاء تزايد عدد الفلسطينيين الذين يلقون حتفهم أثناء عملهم في أنفاق التهريب التي تربط قطاع غزة بمصر. فحتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي قتل 200 شخص أثناء عملهم في الأنفاق، حيث إن معظم القتلى يسقطون جراء خلل فني ناجم عن ظروف العمل الصعبة داخل الأنفاق، وقلة التجهيزات اللازمة للعمل في هذه البيئة، في حين سقط ضحايا جراء انهيارات ترابية ناجمة عن عمليات القصف التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي. وذكرت مصادر أمنية فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» أن «سلاح الجو الإسرائيلي يحرص دائما على إلقاء قنابل تزن الواحدة منها طنا من المتفجرات على الشريط الحدودي الذي تصطف الأنفاق تحته، بواسطة طائرات نفاثة مقاتلة». وأكدت المصادر أنه بخلاف الانطباع السائد لدى غالبية الفلسطينيين، فإن إسرائيل تستخدم طائرات من طراز «إف 15»، المعدة للقيام بعمليات قصف في مناطق بعيدة عن حدود إسرائيل. ولم تستبعد المصادر أن تكون القنابل المستخدمة في عملية القصف هي نفس القنابل التي زودت بها إدارة باراك أوباما إسرائيل والقادرة على اختراق التحصينات الإسمنتية، وهي نفس الإمكانيات التي يحتاجها قصف المنشآت النووية الإيرانية. وحسب إحصائية مركز الميزان لحقوق الإنسان، فقد ارتفع عدد القتلى منذ عام 2006، وحتى نهاية شهر سبتمبر الماضي إلى 200 قتيل، وبلغ عدد المصابين 583 مصابا. ووصل عدد ضحايا الأنفاق منذ بداية عام 2011 إلى 17 قتيلا و42 مصابا.

ويرى الكاتب والناشط الحقوقي مصطفى إبراهيم أن أوضاع الأنفاق لم تعد مقلقة فقط، بل مخيفة في ظل العدد الكبير من القتلى من العاملين في الأنفاق، وفي ظل التوقع باستمرار سقوط ضحايا آخرين. وأشار إلى أن الذي يزيد الأمور تعقيدا هو وقوع حالات من النصب والاحتيال بسبب تجارة الأنفاق، وبروز فئة من التجار الجدد الذي يتحكمون في الاقتصاد الهش جدا في قطاع غزة. وانتقد إبراهيم حكومة غزة لمواصلتها الاعتماد بشكل كلي على الأنفاق حتى بعد أن قامت إسرائيل برفع الحصار جزئيا، مشيرا إلى أن الحكومة سمحت «لكل شخص يستطيع فتح نفق أن يعمل به، ويشغل من يريد من العمال بمن فيهم الأطفال، مما أضعف الرقابة الحقيقية وإجراءات السلامة والوقاية». وعزا إبراهيم إقبال عدد كبير من الشبان الفلسطينيين على العمل في الأنفاق إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر، مشيرا إلى أنه حسب معطيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فإن نحو 80 في المائة من سكان القطاع من اللاجئين يتلقون مساعدات إنسانية. ويصف إبراهيم العمل في الأنفاق بـ«العمل الأسود»، حيث يعمل العمال في ظروف قاسية «تشبه السخرة، وبأجور زهيدة، فمعظم الضحايا هم من الفقراء والعاطلين عن العمل، وهم ممن دفعهم الفقر والفاقة للمغامرة بحياتهم من أجل لقمة العيش»، على حد تعبيره. وانتقد إبراهيم عدم اتخاذ حكومة غزة التدابير اللازمة لحماية أمن وسلامة العاملين في الأنفاق، وعدم اتباع مواصفات الأمن والسلامة، وعدم توفر معدات الإنقاذ، وغياب الرقابة الحقيقية على البضائع وجودتها وصلاحيتها وسلامتها ومناسبة أسعارها وحاجة السوق إليها.