كشفت الخارجية الفرنسية أمس أن هيرفيه لادسوس، مدير مكتب الوزير ألان جوبيه، اتصل بالسفيرة السورية لمياء شكور عبر الهاتف، وأبلغها أربع «رسائل متشددة» لتنقلها إلى الحكومة السورية. وفحوى الرسالة الأولى تجديد الإدانة لاستمرار عمليات القتل والقمع ضد المتظاهرين السوريين وهو ما دأبت عليه فرنسا منذ انطلاق الحركة الشعبية المناهضة للنظام. وتتضمن الرسالة الثانية التعبير عن «نقمة» باريس لرفض السلطات السورية الإفراج عن عالمة النفس رفاه راشد التي اعتقلت الشهر الماضي في مطار دمشق عندما كانت تهم بالتوجه إلى العاصمة الفرنسية. وسبق لباريس أن طالبت أكثر من مرة وبالاسم، بإطلاق رفاه راشد «فورا»، وحتى أن عقيلة رئيس الجمهورية كارلا ساركوزي وجهت قبل أيام رسالة تضامن إلى زوج رفاه راشد.
وفي تصريح منفصل، أعربت باريس عن «صدمتها» لرفض دمشق إخلاء سبيل رفاه راشد المعتقلة رغم نداءات الأسرة الدولية ومن بينها فرنسا وكذلك المنظمات المهنية بسبب حالتها الصحية المتدهورة. ورأت باريس في رفض محكمة سورية إخلاء سبيلها بكفالة «تعبيرا عن احتقار نظام بشار الأسد المطلق للحقوق الأساسية».
وتدعو باريس في رسالتها الثالثة السلطات السورية أن تتحمل مسؤولية توفير أمانة سفارتها وموظفيها في دمشق التي سبق أن تعرضت أكثر من مرة لمحاولات اعتداء. كذلك تعرض السفير الفرنسي أريك شوفالييه إلى رشق بالبيض وهو خارج من لقاء بطريرك الروم الأرثوذكس في أحياء العاصمة القديمة. وتعتبر فرنسا أن السلطات السورية هي التي تحرك المتظاهرين وبالتالي لا شيء «عفوي» في التعرض للمصالح أو للموظفين الفرنسيين في دمشق. وأخيرا، قال الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو إن باريس جددت تحذيرها للمسؤولين السوريين من التعرض للمواطنين السوريين المعارضين للنظام على الأراضي الفرنسية أثناء قيامهم بالتجمع أو التظاهر كما حصل هذا الأسبوع في باريس. وثمة معلومات لدى السلطات الفرنسية تفيد أن المعتدين هم من أعضاء السفارة السورية أو من الدائرين في فلكها.
وفي سياق مواز، أعربت باريس عن قلقها «العميق» إزاء المعلومات التي تحدثت عن دخول قوات سورية إلى الأراضي اللبنانية وعن انتهاكها الحدود اللبنانية وإطلاقها النار مما أدى إلى وفاة مواطن سوري على الجانب اللبناني من الحدود. واغتنمت الخارجية المناسبة لتذكر بـ«تمسك فرنسا باستقلال وسيادة لبنان وسلامة أراضيه». وذكرت باريس رئيس الوزراء اللبناني بمسؤوليته عن حماية المعارضين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية بقولها إنها «أخذت علما» بتصريحات ميقاتي التي «التزم» فيها بحماية هؤلاء.
أما سياسيا ودبلوماسيا، فإن الملف السوري سيكون على جدول مباحثات وزراء الخارجية الأوروبيين في اجتماعهم الاثنين المقبل في لوكسمبورغ لتقويم المرحلة التي تلي عجز مجلس الأمن الدولي عن إصدار قرار بحق سوريا بسبب الفيتو المزدوج الروسي - الصيني خلال هذا الأسبوع.
وسينصب اهتمام الوزراء على بلورة سلة جديدة من العقوبات ينتظر أن تستهدف هذه المرة القطاع المصرفي السوري بغرض شل حركته المالية في الخارج مع البدء بدراسة تدابير أخرى أكثر جذرية وفق مبدأ العقوبات «التصاعدية».
ويأتي التركيز على العقوبات بعدما تبين للغربيين أن طريق مجلس الأمن مقطوع رغم التنازلات العديدة التي قدموها لإرضاء بكين وخصوصا موسكو مثل التخلي عن المطالبة بفرض عقوبات أو حتى مجرد التلويح بها وقلب صفحة إحالة الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية.. ويرى الغربيون أن العقوبات الاقتصادية التي لا يعولون عليها للإطاحة بالنظام السوري بل لإضعافه ولدفع الفئات الاقتصادية المنتفعة منه وأخصها البورجوازية التجارية إلى إعادة حساباتها بحيث تعي أن النظام مصدر إزعاج لها أكثر مما هو مصدر انتفاع لمصالحها.
وأكدت الخارجية الفرنسية أن باريس «لن تتخلى عن السوريين الذين يدافعون بشجاعة عن الديمقراطية وحقهم في ممارستها وعن حقوق الإنسان»، كما أنها لا تزال تنشط في مجلس الأمن الدولي لإقناع من يحتاج إلى إقناع بضرورة أن يقول مجلس الأمن كلمته وأن تتحمل الدول المترددة مسؤولياتها خصوصا تلك الدائمة العضوية. وخلاصة رأي فرنسا في ما خص الدول التي امتنعت عن التصويت مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا أنه يتعين عليها «إذا كانت راغبة أن يكون لها دور أكبر في إدارة شؤون العالم» أن تعي الحاجة لمواقف «مختلفة» تكون «ردا على استمرار عمليات القتل والقمع في سوريا».