المستشار الخضيري: أقول للمشير طنطاوي: من حقك الترشح للرئاسة لكن استقل واخلع بدلتك العسكرية

قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: بقاء المجلس العسكري في الحكم مدة أطول خطر على الديمقراطية

المستشار محمود الخضيري («الشرق الأوسط»)
TT

يعد المستشار محمود الخضيري، أحد رموز تيار الاستقلال في القضاء المصري، والذي لفت الأنظار إليه بقوة بداية من عام 2005، حيث قاد ورفاقه من رموز التيار موجة من الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية، تطالب باتخاذ خطوات وإجراءات جادة لضمان استقلال القضاء المصري، وتحسين أوضاع القضاة الاجتماعية والاقتصادية.. ورغم استقالته من عمله آنذاك كرئيس لنادي قضاة الإسكندرية ونائب لرئيس محكمة النقض، فإنه ظل أحد أبرز الوجوه المعارضة للنظام السابق، وأحد ركائز المعارضة السياسية في مصر بشكل عام. ومع اندلاع شرارة الثورة يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي ضد نظام مبارك، قاد الخضيري مسيرة احتجاجية كبرى انطلقت من أمام مجمع الكليات النظرية بوسط الإسكندرية وكان قوامها ما يقرب من المائة ألف متظاهر.. كما شارك في مظاهرات الثورة منذ 28 يناير وحتى سقوط النظام السابق يوم 11 فبراير (شباط) الماضي.

في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بمكتبه بمنطقة سموحة بالإسكندرية وجه المستشار الخضيري، رسالة إلى المجلس العسكري الحاكم في مصر قال فيها: «أقول للمشير طنطاوي: إذا أردت الترشح للرئاسة فأنت مصري ويحق لك ذلك.. لكن عليك أولا أن تستقيل من منصبك الحالي فورا.. فلن نقبل ترشحك للرئاسة وأنت في مكانك الحالي كرئيس للمجلس العسكري». وحول رؤيته للأوضاع الراهنة في مصر، لفت إلى مسعى لتوحيد القوى الوطنية والثورية في كتلتين رئيسيتين في المرحلة المقبلة، من بين أهدافها أن «يجد المجلس العسكري أمامه قوى منظمة يستطيع التفاوض معها واستشارتها».

وطالب الخضيري بإلغاء مجلس الشورى، لأنه يرى أنه بلا اختصاصات حقيقية، كما تحدث عن ترشحه لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، والتكهنات التي تتردد حول فرصته في تولي رئاسة البرلمان، والصراع الدائر حاليا بين الإصلاحيين والمستقلين حول وثيقة استقلال القضاء، مشددا على دعوته جموع القضاة لإسقاط قيادات أندية القضاة، لأنهم - بحسب قوله - من أذناب النظام السابق.. وفيما يلي نص الحوار:

* ما رأيك في أداء المجلس العسكري وإدارته للمرحلة الانتقالية منذ ثورة 25 يناير وسقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك؟

- في تقديري المجلس العسكري فوجئ مثل الملايين من المصريين بتحمل مسؤولية حكم البلاد دون أن يكون مستعدا بطبيعة الحال لذلك.. وأعتقد أن ذلك هو سبب القرارات المتأخرة والتناقض في بعضها الآخر.. كما أن المجلس لا يدرك أعضاؤه على وجه التحديد من يستشيرون بالضبط قبل اتخاذهم للقرار.. وأحيانا يلتقي المجلس العسكري رؤساء أحزاب ليس لها جماهيرية ولا شعبية، ثم يأخذ بما قالوه وكأنه هو مطالب الثورة.. وذلك رغم ما هو معروف من أن الحياة الحزبية في مصر ضعيفة ليس بها أحزاب قوية، باستثناء حزب أو اثنين من الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة.

* وماذا عن وضع القوى السياسية والثورية بعد الثورة.. هل ترى أنها تسير على الطريق الصحيح لتحقيق كامل مطالب الثورة؟

- للأسف لا.. فقد تشرذم الجميع بعد ثورة 25 يناير، وتفتتت القوى التي كانت متوحدة أثناء اعتصام ميدان التحرير الذي أسقط نظام الرئيس السابق. لكن أخطر ما أراه من نتائج هذا التشرذم وعدم الالتقاء على أرضية مشتركة بين القوى الوطنية، هو بقاء المجلس العسكري مدة أطول من اللازم في إدارة شؤون البلاد.. وهذا شيء في رأيي في منتهى الخطورة على الديمقراطية التي نبتغي تطبيقها في مصر بشكل كامل، لذا فنحن نسعى مع عدد من القوى الوطنية إلى توحيد القوى جميعا في كتلة أو اثنتين على الأكثر ليجد المجلس العسكري أمامه قوى منظمة يستطيع التفاوض معها واستشارتها.. وسوف تظهر هاتان الكتلتان في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

* ماذا عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.. وهل ترى أن هناك إجراءات لم تتخذ كان يجب اتخاذها لمعالجة ذلك؟

- الحقيقة أن الوضع الاقتصادي ليس وحده الذي يوصف بالصعب، فالوضع السياسي الحالي كذلك أيضا في مصر الآن.. وكنت أنتظر من المجلس العسكري إصدار قرار بإلغاء نسبة الخمسين في المائة التي كانت مشترطة في الدستور الذي تم تعديله..إلا أن ذلك لم يحدث؛ حيث إن بهذا النص نوعا من التمييز بين المصريين حيث إن العمال والفلاحين وغيرهما جميعا من المصريين ولا يجوز تحديد شيء خاص يتضمن ميزة لهما عن غيرهما بالنظر إلى تساويهم جميعا كمصريين أمام القانون والدستور في الحقوق والواجبات، وهو ما يخالفه هذا الشرط الذي تضمنه الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري.

أيضا كنت أنتظر إلغاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية بالبرلمان المصري)، فهو لا اختصاصات له. وكان يستفيد منه النظام السابق باستخدامه لمكافأة رجاله بتعيينهم به لإكسابهم حصانة برلمانية فقط.. كما أن هذا المجلس يتكلف ملايين الجنيهات سنويا ما بين مكافآت حضور الجلسات للأعضاء وغيره، وكنت أرى ضرورة إلغائه توفيرا للنفقات الباهظة التي يتكلفها دون عائد سياسي يذكر.. وكل هذا يصب لصالح اقتصاد البلاد.

* كيف ترى اللغط المثار مؤخرا حول مطالبة القوى المدنية لإقرار الدستور أولا، ومطالبة القوى الإسلامية بسبب ذلك بإجراء الانتخابات أولا.. ثم ظهر لغط كبير بعدها حول المطالبة بإقرار مبادئ حاكمة للدستور.. كيف ترى ذلك من خلال موقعك السياسي.. وكخبير قانوني أيضا؟

- سأصدقك القول.. أحيانا تضطر لعمل شيء مخالف لما تقتنع به.. حيث إنني أرى أنه كان لا بد أولا من تشكيل لجنة تأسيسية من خبراء القانون وغيرهم لوضع الدستور.. لكن ما حدث هو موافقة الشعب في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي كانت تتضمن إجراء الانتخابات أولا ثم وضع الدستور.. لذا كان على الجميع الالتزام بذلك. والحقيقة أن الخلاف الذي ثار بين الطرفين (القوى المدنية والقوى الإسلامية) لم ينتج عنه سوى أننا لا وضعنا الدستور ولا أجرينا الانتخابات!.. لكنني على أي حال أرى أنه لا حاجة للتخوف من سيطرة قوى معينة على البرلمان، ومن ثم فرضها لمبادئها على الدستور الذي سيوضع بعد الانتخابات.. ذلك أن الشعب قادر على تغيير أي دستور لا يعبر عنه.. بالإضافة إلى أن مجلس الشعب هو الممثل الشرعي للشعب فإذا قام أعضاؤه بوضع دستور ما فهو إذن يعبر عن الشعب. كما أنه لا حاجة للتزيد في المخاوف من ذلك.. حيث إنه لا بد من إجراء استفتاء شعبي على أي دستور وهو ما لا يمكن من خلاله فرض شيء لا يريده الشعب في الدستور.. إذن فلا داعي للمبادئ الحاكمة للدستور.. لأن الشعب سيستفتى عليه. كما أن المبادئ الحاكمة لو صدرت عن المجلس العسكري لن يكون لها شرعية دستورية أو قانونية، لأنه حتى لو وضعها فيستطيع الشعب تغييرها فيما بعد من خلال نوابه في مجلس الشعب.. لذا فلا حاجة لها في رأيي.

* أين ذهب قضاة تيار الاستقلال.. وهل انتهت قوة هذا التيار ببلوغ المستشارين الخضيري وأحمد مكي سن التقاعد عن العمل؟

- لقد كان صوت القضاة مرتفعا ويصدح بالحق في الوقت الذي كان النظام السابق في أوج قوته حتى أدرك النظام السابق مدى الخطورة التي قد تأتيه من القضاة، فبدأ في السعي بكل قوته للسيطرة على أندية القضاة خاصة في القاهرة والإسكندرية.. وبالفعل تحقق له ما أراد حيث إن قيادات ناديي القاهرة والإسكندرية الموجودين الآن أعتبرهم من أذناب النظام السابق.. ذلك أن أحدهم وهو المستشار الزند–رئيس نادي قضاة مصر–كانت تصريحاته مضادة للثورة ويدافع عن فلول النظام السابق. وأنا أقول للقضاة إن صورتكم أمام الشعب على المحك ويجب تغيير وإسقاط مجالس أندية القضاة التي لا تعبر عن التغيير الذي حدث في مصر في ثورة 25 يناير.

* تخوض معركة انتخابية برلمانية شرسة، حيث أعلنت ترشحك بدائرة من أصعب الدوائر–سيدي جابر بالإسكندرية–وهي الدائرة التي تحتكر مقعدها أسرة الملياردير طلعت مصطفى على مدى أربع دورات متتالية - أولا لدي معلومات مؤكدة–من خلال علاقتي الوثيقة بقيادات التيارات الإسلامية–أنهم لن يكون لهم مرشح منافس لي بالدائرة.. أما طارق طلعت مصطفى نائب الدائرة السابق والقيادي بالحزب الوطني المنحل فلسوف أواجهه بكل قوة وسأنتصر على ملياراته بالتفاف الثوار حولي، وأعتقد أني قادر على إنهاء احتكار أسرة طلعت مصطفى لمقعد الدائرة بمساعدة أهالي الدائرة والثوار، خاصة أن الناخبين يعلمون جيدا وضع قيادات الحزب المنحل.

* ثار جدل كبير حول زيارة المشير طنطاوي لشوارع القاهرة بملابس مدنية.. كيف يرى المستشار الخضيري هذه الزيارة بعين المعارض والمواطن معا؟

- لقد قمنا بالثورة من أجل أشياء كثيرة من بينها التصدي لتوريث الحكم من مبارك لنجله جمال.. وأعتقد أن التوريث ليس مقبولا فقط على المستوى الأسري بل أيضا على أي مستوى.. وأما وضع المشير طنطاوي ونزوله ببدلته المدنية إلى شوارع القاهرة والتجول بين الناس فبالفعل أثار جدلا كبيرا فالبعض رآه بمثابة جس النبض لتولي المشير منصب الرئاسة ومدى قبول ذلك بالشارع.. والبعض رآه غير ذلك.. وأخذ المشير ينفي وآخرون يحاولون الإثبات.. ولكن على أي الأحوال فأنا أقول للمشير طنطاوي: أنت مواطن مصري لا تحتاج للنفي أو الإثبات فمن حقك الترشح للرئاسة.. وإن أردت ذلك فهو حقك، لكن عليك أولا تقديم استقالتك فورا لتترشح لمنصب الرئاسة والشعب هو الذي يختار.. أما أن تترشح وأنت ما زلت في منصبك الذي تتولاه كرئيس للمجلس العسكري فهذا أمر لن نقبله كثوار وكشعب.. حيث إن ترشحك للرئاسة وأنت في منصبك هذا خطر على الديمقراطية التي قامت من أجلها الثورة.. وفي هذه الحالة فلن نملك إلا الاعتصام من جديد بميدان التحرير.