هيرمان كاين.. الصعود المفاجئ في السباق الجمهوري للرئاسة

مسؤول سابق في مطاعم «بيتزا» يسحر الأميركيين بحسه الفكاهي وخطته «9 ـ 9 ـ 9» لإصلاح نظام الضرائب

TT

على مدى شهور، عاش هيرمان كاين على هامش قائمة المرشحين الجمهوريين لخوض سباق الرئاسة، لكن الأسابيع القليلة الماضية كشفت عن مفاجأة لم يكن يتوقعها هو نفسه، عندما تصدر قائمة المرشحين، ليصبح الأوفر حظا بينهم.

ارتفعت أسهم رجل أعمال أتلانتا في استطلاعات الرأي وتحول إلى ضيف دائم على شاشات التلفزيون الوطني. باتت خطته «9-9-9» لإصلاح قانون الضرائب مصطلحا شائعا بين الأميركيين. وقد بث حس الفكاهة لديه وأسلوبه المتفائل قدرا من الأمل في حملة تركزت على النظرة المتشائمة إلى الاقتصاد.

استفاد كاين، الذي لم يدخل السباق بقطاع معين من الجمهور لدعمه، كما استفاد الكثير من المحافظين الآخرين الذين سلطت عليهم دائرة الضوء ثم تراجعوا أو انسحبوا، أو انطفأت جذوة حماسهم، لكنه استخدم أيضا سلسلة من المناقشات التلفزيونية لرفع أسهمه وتعزيز مكانته كمحاور قوي يحمل خطة بسيطة لإعادة تفعيل الاقتصاد مرة أخرى. وقال كاين في مقابلة معه: «رسالة الحلول البسيطة التي عرضتها يتردد صداها بين الجمهور، وقد بدأ الأفراد في مختلف أرجاء الولايات المتحدة يعرفون من أنا وبدأوا في التعرف علي من خلال هذه الحلول لا الخطب». وأشار إلى أنه توقع قبل وقت طويل أن يحصل على الزخم، لكنه لم يتوقع هذا الانفجار الأخير في أسهم حملته. وكان الفوز الكاسح له في استطلاعات الرأي في سباق الحزب الجمهوري، وفي الاستطلاع الأخير الذي أجرته «واشنطن بوست» دخل مع حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، المرتبة الثانية بـ16 في المائة.

لكن لم يتضح بعد ما إذا كان كاين يقدر على كسب الزخم أو الدعم في حملة رئاسية ناجحة، فقد ارتكب بعض الأخطاء في بداية حملته عندما صرح بأنه لن يقوم بتعيين مسلم في حكومته، وتلعثم بشأن التساؤلات حول الشرق الأوسط والحرب في أفغانستان. وأشار إلى أنه يعكف منذ ذلك الحين على دراسة السياسة الخارجية، وأنه كان يقصد أنه لن يعين «جهاديا» في إدارته.

لم يبدأ كاين حملة جمع التبرعات في الربع الذي انتهى في 30 سبتمبر (أيلول)، لكنه جمع في الربع السابق 2.5 مليون دولار، وهو أقل بكثير من غالبية منافسيه في قائمة الترشح. وحتى وقت قريب للغاية، لم يحظ كاين باهتمام كبير من وسائل الإعلام أو انتقادات من منافسيه.

واجه كاين بعض التعثر في فريق حملته الانتخابية في ولايتي أيوا ونيو هامشاير، حيث شكا العاملون من أن كاين لم يكن يحمل السباق على محمل الجد، عندما غاب بشكل واضح - منذ أغسطس (آب) - عن أيوا، الولاية الهامة بالنسبة للمحافظين الاجتماعيين مثل كاين للفوز بها.

ويقول ستيف دياسي، المذيع الجمهوري النافذ في الدوائر الجمهوري في الولاية: «أعتقد أنه في هذه المرحلة مرشح غير واقعي في أيوا. ويبدو أن السباق بين رفع مكانته وعدم الترشح للرئاسة، فهو لا يحيط نفسه بأفضل الأشخاص، وهو ليس جادا بشأن الترشح للرئاسة».

وقد عزز كاين (65 عاما)، هذا الاعتقاد عندما أمضى جل وقته هذا الأسبوع للترويج لسيرته الذاتية «هذا هو هيرمان كاين». وعندما سئل كاين عن الشكوك التي أثيرت حوله، قال في حالة من الذهول: «كل ما يمكنني قوله هو أنهم مخطئون تماما، ولا يعلمون من هو هيرمان كاين. وأي شخص يعرفني يعرف أنني لن أفعل شيئا مثل هذا للترويج لنفسي». ويرى العديد من مؤيدي كاين أنه المرشح الوحيد الأقدر على الاستمرار. ويؤكد روبرت أوينز (63 عاما)، أنه كان سيدعم إمبراطور العقارات دونالد ترامب في حال ترشحه، وأنه كان يرى ميشيل باكمان، النائبة عن ولاية مينيسوتا، وريك بيري الأفضل، لكنه استقر في النهاية على كاين. وقال أوينز، وهو سائق شاحنة متقاعد من ولاية فلوريدا: «إنه أكثر منطقية من أي مرشح آخر، وقد حان الوقت للقيام بشيء آخر مختلف». ويقول الكثير من مؤيديه إنه استقى خطته «9-9-9» التي ستتخلص من نظام الضرائب الحالي والاستعاضة عنه بضريبة دخل ثابتة بقيمة 9 في المائة، وضرائب شركات بنسبة 9 في المائة وضريبة مبيعات وطنية بنسبة 9 في المائة. وقال كاين إن الإجراء سيكون حياديا تقريبا من حيث العائدات مع النظام الحالي لكنه سيقود إلى نمو اقتصادي.

تربى كاين، الأفرو - أميركي، في مناطق سكنية حكومية في أتلانتا على يد والدته التي كانت تعمل خادمة، ووالد كان يعمل سائقا. نشأ كاين في أسرة فقيرة معدمة، وقد ضمن ذلك في كتابه الذي تصدر المرتبة التاسعة في أكثر الكتب مبيعا في قائمة الكتب الأكثر مبيعا على موقع «أمازون».

على الرغم من عمله الشهير كمسؤول تنفيذي عن مطاعم «غاد فاذر» للبيتزا، عمل أيضا كمتخصص في الرياضيات، كما عمل وزيرا، ومذيعا في الراديو، ومتحدثا بارعا. وقد ترشح للرئاسة لفترة بسيطة في عام 2000، ولم ينجح في الفوز في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا عام 2004، وفي يوليو (تموز) أطلق ألبوما غنائيا يحمل عنوان «صنداي مورنينغ»، الذي غنى فيه تراتيل من الإنجيل.

يعرف عن كاين - الذي يشير إلى نفسه في بعض الأحيان بالشخص الثالث أو «هيرمانتور» - موقفه الإيجابي. ومن بين الإنجازات التي أدرجها في كتابه إنشاؤه برنامج «بيمر» في سلسلة «كينغ بيرغر» الذي شجع أمناء الصناديق على الابتسام عند آلة تسجيل النقود.

بدأ نجم كاين كجمهوري يسطع عام 1994 عندما كان بيل كلينتون في أوماها من أجل اجتماع مجلس المدينة تبثه القنوات التلفزيونية حول إصلاح برنامج الرعاية الصحية المقترح ذلك العام. حضر كاين، الذي كان يدير مطعم «غاد فاذر»، الاجتماع واستحوذ على عناوين الصحف عبر تحدي الرئيس على تحليله لنفقات الشركات. ويتذكر سبنسر ويغنز، صديق وزميل كاين الذين كان يعيش في ناشفيل: «في هذا الصباح استيقظت وفتحت الأخبار وقالوا إن كلينتون تعرض لهجوم من قبل شخص في هذا الاجتماع. وما إن قالوا ذلك علمت أنه هيرمان».

في عام 2006 اكتشف كاين أنه مصاب بسرطان القولون، وأنه وصل إلى الكبد، ويتذكر صديقه والعامل في حملته، مات كاروثرز، أن كاين كان يلقي النكات في غرفة العلاج الكيماوي ليبهج زملاءه المرضى. وقد أزال الجراحون 30 في المائة من القولون و70 في المائة من الكبد، وقال إنه خال من الإصابة في الوقت الراهن.

حالة كاين كجمهوري أسود أضافت نوعا من التعقيد إلى فرصه في الترشح للرئاسة. وقد سحر كاين المحافظين الجمهوريين بإشاراته الساخرة إلى لونه الأسود، عندما لقب نفسه بـ«الحصان الأسود». لكن الكثير من المحافظين تحولوا ضده عندما أشار إلى أن اسم مخيم الصيد الذي استأجره بيري كان يفتقر إلى الحساسية لأنه كان يتضمن افتراءات ضد السود. وقد تعرض لانتقادات واسعة من السود عندما قال إن السود الأكثر ليبرالية تعرضوا لعملية «غسل دماغ» لتأييد الديمقراطيين.

وفي كتابه يكتب كاين أنه، كطفل، أجبر على الجلوس في قسم الملونين من الحافلة، وفي كلية الدراسات العليا في إنديانا قال إنه وجد صعوبة في العثور على حلاق يقص شعره الأسود، حتى إنه اضطر إلى شراء ماكينة لقص شعره بنفسه، وهو تقليد لا يزال يتمسك به حتى الآن. وتحدث كاين عن الفترة عندما قام هو وأخوه بالتسلل لتذوق مياه النافورات الخاصة بالبيض فقط، وقال: «حينها نظرنا إلى بعضنا وقلت له، أتعلم؟ المياه الخاصة بالبيض لا يختلف طعمها عن طعم المياه الخاصة بالملونين». وعندما سئل لاحقا على شبكة «فوكس نيوز» عن السبب في عدم تعبيره عن المرارة من المعاملة التي شهدها أثناء الفصل العنصري، رد كاين بإجابة متفائلة: «أنا لست غاضبا من الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة تمتلك أكثر مما تملكه دول أخرى، وهو القدرة على التغيير. هذه هي عظمة هذه البلاد. فقد كنا دائما في نضال على مدى 235 عاما من تاريخنا. فلماذا أشعر بالمرارة؟ ولماذا لا أسعى إلى التغيير، خصوصا أن الأوضاع إيجابية؟».

* شاركت الباحثة لوسي شاكلفورد والصحافي سكوت كليمنت في الإعداد لهذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»