ليبيا: تصاعد الجدل حول توحيد القيادة العسكرية في طرابلس.. ومساع لتوحيدها بإمرة بلحاج

عبد الجليل اعتبر أن الخطر ما زال قائما.. وقادة كتائب اعتذروا عن عدم حضور اجتماع دعا إليه

TT

في محاولة جديدة لإقناع الثوار بالانصياع لتعليمات المجلس الوطني الانتقالي والتخلي عن انتشارهم المكثف بأسلحتهم داخل العاصمة الليبية طرابلس، وصل المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني المناهض لنظام حكم العقيد الهارب معمر القذافي في العاصمة طرابلس، أمس.

وقال مسؤولون في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»: إن عبد الجليل، الذي يرافقه اللواء جلال الدغيلي، وزير الدفاع بالمجلس، كان يفترض أن يعقد مساء أمس اجتماعا مغلقا مع بعض قادة الكتائب وسرايا الثوار القابعة في طرابلس لحثهم مجددا على الرضوخ لرغبة المجلس في توحيد قيادة كل السرايا والكتائب تحت إمرة عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري لطرابلس، المعين من قبل المجلس الوطني.

كان عبد الجليل قد استبق هذا الاجتماع بمحادثات مفاجئة مع وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس ونظيره الإيطالي إنياتسيو لاروسا، اعتبر بعدها في مؤتمر صحافي أن الخطر «ما زال محدقا بالليبيين والعالم ما دام العقيد معمر القذافي باقيا».

وبعدما لفت إلى أن فوكس سيشاهد خلال زيارته لمدينة مصراتة، التي تقع على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس، كيف يتعامل الحاكم مع شعبه، أكد أن الوزير البريطاني سيخرج بانطباع وحيد مفاده لا علاقة لهذا الحاكم (القذافي) بهذا الشعب.

واستغل عبد الجليل المناسبة ليناشد مجددا المجتمع الدولي مساعدة ليبيا في علاج الجرحى الليبيين خصما من الأموال المجمدة، مضيفا: «إننا سنحترم كل العقود المشروعة، لكن الأمر يستلزم مراجعة القيمة المالية لهذه العقود».

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن الاجتماع، الذي بدأ مساء أمس بين عبد الجليل وقادة الكتائب العسكرية للثوار، وسط إجراءات أمنية مشددة، لم يشمل كل قادة الكتائب؛ حيث اعتذر بعضهم وأوفد مندوبين عنه لحضور الاجتماع الذي دعا إليه المستشار عبد الجليل.

وهذه هي المرة الثانية التي يصل فيها عبد الجليل إلى العاصمة طرابلس لنفس الغرض، مما يعني أنه يواجه صعوبات جمة في إقناع القيادات العسكرية والأمنية للثوار بالامتثال لقرارات المجلس الانتقالي.

وبينما يريد المجلس الانتقالي نزع أسلحة الثوار تدريجيا ونقل آلياتهم العسكرية إلى خارج مشارف طرابلس، يجادل الكثيرون من قادة الثوار بأن التوقيت مريب للغاية وأنه يتعين الانتظار إلى حين إعادة تشكيل المجلس العسكري لطرابلس. ويتخوف بعض قادة الثوار الذين تحدثوا أمس لـ«الشرق الأوسط» من محاولات المجلس الانتقالي فرض قادة ميدانيين عليهم بهدف التقليل من شأن مساهماتهم في المعارك العسكرية التي أدت في نهاية المطاف إلى إزاحة العقيد الهارب من السلطة واجتياح مقره الحصين في ثكنة باب العزيزية في نهاية أغسطس (آب) الماضي.

وعلى مدى اليومين الماضيين، تلقى سكان المدينة عدة رسائل مجهولة الهوية تنصحهم بالخروج في مظاهرات سلمية لمطالبة كل الثوار المسلحين في المدينة بالتخلي عن أسلحتهم ونقل آلياتهم العسكرية إلى خارج العاصمة. كما وجه المجلس العسكري لطرابلس، الذي يقوده عبد الحكيم بلحاج، أحد أبرز قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، رسائل مماثلة تدعو الليبيين إلى التظاهر بساحة الشهداء في قلب طرابلس للمطالبة بنزع أسلحة الثوار.

لكن عبد الله أحمد ناكر الزنتاني، رئيس مجلس ثوار طرابلس، قال، في المقابل أمس لـ«الشرق الأوسط» إن تنظيمه الذي يقول إنه يضم آلاف المقاتلين المسلحين جيدا ليس طرفا في هذه الدعوات.

وأضاف، عبر الهاتف من مقره في طرابلس: «نعم نحن ندعو إلى وقف مظاهر التسلح المرفوضة في العاصمة، لكننا ضد إقصاء أي من الثوار إلى خارج المدينة، هذا لا يجوز».

وتساءل: كيف يمكن أن تقول لمن قاتل نظام القذافي على مدار الشهور السبعة الماضية إنه يتعين عليك الآن أن تخرج من طرابلس؟ معتبرا أن «هؤلاء ليسوا غرباء على العاصمة، إنهم ليسوا شعبا آخر، إنهم ليبيون أيضا، ومن حقهم أن يوجدوا في عاصمتهم».

واعتبر أن معالجة الخلل الأمني الذي يعتري الوضع في العاصمة طرابلس يستوجب الحكمة والتعقل وعدم اللجوء إلى تشويه الثوار ورغبتهم في ضمان وحفظ الأمن والاستقرار في المدينة، مشيرا إلى أنه يوافق مع ذلك على نقل الآليات العسكرية والأسلحة الثقيلة إلى خارج العاصمة. وتابع: «نريد أن يكون تحرك الثوار بحساب، انتشار السلاح مظهر غير حضاري لا نوافق عليه مطلقا، ونتفهم الرعب اليومي الذي يعيشه السكان جرَّاء إطلاق النار باستمرار».

وشدد رئيس مجلس ثوار طرابلس على أن بلحاج يجب أن يكون جزءا من حل المشكلة وليس جزءا من المشكلة نفسها، مشيرا إلى أنه لا خلاف على أن مهمة الثوار هي الحفاظ على الأمن وعدم التسبب في إرباك حياة المواطنين.

كان بلحاج، الذي يترأس المجلس العسكري في طرابلس، قد دعا مؤخرا إلى إنهاء مظاهر التسلح في المدينة وترك مهمة الحفاظ على أمن طرابلس إلى المجلس العسكري لقيادته.

لكن مجموعة أخرى من الثوار أعلنت، على لسان مختار الأخضر، أحد قادتها، عن تأسيس جماعة عسكرية جديدة تحمل اسم تجمع ثوار ليبيا، تضم الثوار من مختلف مناطق ليبيا، مطالبا أيضا بسحب القوات من داخل طرابلس لتتمركز على مشارفها وحمايتها من الخارج.

كما دعا التجمع كتائب وسرايا الثوار على مستوى ليبيا إلى العمل على وقف تنفيذ بعض بنود بيان صدر عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي، مؤخرا، بشأن أمن طرابلس في انتظار تدشين آلية مشتركة بشأن تأمين الخطة الأمنية وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة وإخلاء المواقع العسكرية. كان المجلس الانتقالي قد طالب، يوم الثلاثاء الماضي، جميع التشكيلات التي شاركت في تحرير العاصمة، بما في ذلك المجلس العسكري لمدينة طرابلس، بإخلاء المدينة من جميع الأسلحة المتوسطة والثقيلة خلال مدة أقصاها 7 أيام.

لكن التجمع، الذي يضم كل سرايا الثوار، دعا، في المقابل، عقب اجتماع عقده بطرابلس ودام حتى ساعة مبكرة من صباح أول من أمس، إلى عقد اجتماع تشاوري تمثل فيه جميع التشكيلات في سبيل الخروج بآلية للتعاون المشترك وتشكيل لجنة مشتركة تتولى بحث جميع المتطلبات، بما فيها إنهاء التجاوزات والممارسات الخاطئة.