«الريكشو».. كابوس يهدد معيشة سائقي التاكسي في لندن

بلغ عددها 600.. ويخشى أن تنتشر أثناء دورة الألعاب الأولمبية

مركبات «الريكشو».. تشق طريقها في شوارع وسط لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يقف ثلاثة من سائقي مركبات «الريكشو» أمام مسرح الـ«ليسيوم» في منطقة كوفنت غاردن بوسط العاصمة البريطانية لندن قرابة منتصف الليل. أحدهم «أيوميد»، طالب اقتصاد غلب عليه الضجر منتظرا خروج الرواد ليبدأ كسب قوته. وعلق قائلا «من قال إن الشوارع مرصوفة بالذهب؟»، في إشارة إلى اضطراره للعمل كسائق «ريكشو» حتى ساعات متأخرة من الليل لتأمين نفقات دراسته.

وعلى الرغم من أن منظر «الدراجة - التاكسي»، أو «الريكشو»، بات مألوفا في شوارع لندن وساحاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، تواجه هذه المركبات الخفيفة اليوم حربا ضروسا يشنها عليها أفراد ومؤسسات، مطالبين تارة بـ«تنظيمها» وطورا بمنعها نهائيا. ويرى خصوم هذه المركبات أن مظهرها «غير حضاري» ويزيد من احتقان الطرق، بجانب أنها «خطرة» على ركابها وسائقها والمارة على حد سواء، بسبب انعدام آليات تشغيلها، فضلا عن أن معظم من يمتهنون قيادتها من «المهاجرين غير الشرعيين»، كما يزعم الخصوم..

إلا أن كل ذلك لم يمنع نمو شعبية «الريكشو» وانتشارها السريع، ولا سيما في منطقة الـ«ويست إند»، بوسط العاصمة، حيث قلب لندن الساهر النابض، وحيث تتجمع غالبية الأسواق والمتاجر الكبرى والفنادق والمطاعم والمقاهي ودور السينما والمسرح وعلب السهر، ومختلف المعالم السياحية. وتلقى هذه المركبات رواجا كبيرا، بالذات، عند السياح الذين يفضلون ركوبها بعد التسوق أو السهر لساعات متأخرة عندما يصعب حينئذ توافر سيارات أجرة (تاكسي)، وطبعا، بعدما تغلق محطات القطارات أبوابها مؤقتا. وعليه، ما عاد مستغربا تضاعف أعداد هذه المركبات في الفترة الأخيرة حتى وصلت لأكثر من 600 في لندن وحدها.

في الواقع، لا يختلف اثنان على حاجة لندن لوسائل مواصلات صديقة للبيئة، وهو ما تشجعه بلدية العاصمة البريطانية بعدما طرحت العام الماضي «دراجات للإيجار» لقاء بدلات زهيدة بهدف خفض الاعتماد على وسائل النقل ذات الانبعاثات المضرة بالبيئة، كسيارات الأجرة والحافلات (الباصات) العامة، خاصة أن هذه الانبعاثات هي أبرز العوامل التي جعلت لندن بين أكثر المدن تلوثا، وفقا لدراسة دولية لنوعية الهواء، في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي جولة سريعة قامت بها «الشرق الأوسط» في منطقة «سوهو» السياحية في وسط لندن، وجدنا عشرات المركبات تشق طريقها بحرية مطلقة ويقود معظمها طلاب أجانب. وعلى الرغم من تعذر التأكد مما إذا كانوا - كما يزعم خصوم «الريكشو» - من «المهاجرين غير الشرعيين»، أو أنهم يتجاهلون التقيد بساعات العمل المسموح بها، كان ملاحظا أن رسوم النقل التي يطلبونها لا تخضع لتسعيرة ثابتة، بل تختلف من سائق إلى آخر. وبعد بضع دقائق من المساومة، طلب أحد السائقين مبلغ 12 جنيها إسترلينيا للميل - وهو أكثر مما يتطلبه ركوب التاكسي، وأقر «إيمرت»، (24 سنة)، سائق «الريكشو»، بأن المبلغ مرتفع نسبيا، لكنه برر ذلك بأنه يأتي لتغطية تكاليف استئجار المركبة من الشركة المالكة.

للعلم، هناك الآن سبع شركات تدير مركبات «الريكشو» العاملة في لندن، وهي تعمل على توفير المركبات وتأجيرها للأفراد الذين يسوقونها لكسب معيشتهم اليومية، أو لمناسبات معينة كالحفلات. وبالتالي، يرى البعض جانبا قد يمس «المشروعية»، لأن السائقين غير معروفين، وليس لديهم سجلات سمعة موثوقة، كما أنه من المتعذر التأكد من أن السائقين يلتزمون بقواعد السلامة. هذه الثغرات، على الرغم من شعبية «الريكشو» الكبيرة بين السياح، تثير استياء كثيرين، ويأتي على رأس هؤلاء حتما سائقو سيارات الأجرة (التاكسي) الذين رفعوا، بالفعل، دعوى قضائية في محاولة لإجبار المحكمة العليا في بريطانيا، على فرض «تراخيص» على أصحاب مركبات «الريكشو» على غرار التراخيص المفروضة على سيارات الأجرة السوداء التي يبلغ عددها 120.000 في لندن، ويتذرع سائقو التاكسي بأن وراء مطالبهم دواعي أمنية، في صلبها السلامة العامة. ولكن القضاء رفض حتى الآن تصنيف «الريكشو» كعربة نقل تجاري، وبالتالي لم يأمر بإلزامها بتراخيص. «إيمرت» سائق «الريكشو» والطالب الآتي من ميانمار (بورما)، يرى أن الهجوم الذي يتعرض له سائقو هذه المركبات يستهدف معيشتهم «ولا علاقة له مطلقا بالتصدي لمهنة تجارية غير مرخصة»، وتابع «.. حقيقة الأمر هو أن خصوم هذه المركبات يخشون المنافسة لا أكثر ولا أقل. وأنا بكل صدق لا أفهم الهجوم الشرس على «الريكشو».. فهي وسيلة نقل آمنة والجمهور يحبها».

وفي حين أكد «إيمرت» أنه ليس ضد إخضاع «الريكشو» لنظام ترخيص بسيط يتيح له ولأمثاله الاستمرار في العمل من دون عوائق، يعترض «تيم»، وهو سائق تاكسي لندني، على وجود هذه المركبات بالمطلق بحجة أنه «يصعب على سائقيها التعامل مع مشاكل المرور والازدحام، كونهم آتين من دول لا تحترم أنظمة المرور فيها»، ولذا يشعر بـ«أن الطريقة الوحيدة للمضي قدما هي الحظر لا الترخيص». ويقول «تيم» لـ«الشرق الأوسط»، مجادلا، «من الإجحاف إعفاء مركبات ذات حجم لا بأس به من التأمين والقيود، والسماح لها بالوقوف على الأرصفة، ومزاحمة مسارات السيارات، وسد مخارج المسارح، معرقلة مواقفنا ومستحوذة على زبائننا». وتابع محتدا «إن سائقي (الريكشو) يقودونها بتهور في شوارع ذات مسارات واتجاهات أحادية، كما أنهم يتجاوزون إشارات المرور بينهما هم يتسابقون في ما بينهم».

بالنسبة للسكان المحليين، يبدو أنهم متفقون على أن منظر «الريكشو» غير مألوف في أي مكان آخر من أوروبا، لكنهم مختلفون حيال سيئاتها، إذ يعلق ديفيد هوكنز، الذي يعمل في شارع توتنهام كورت رود التجاري، بوسط العاصمة البريطانية، قائلا: «في حين تبذل دول العالم الثالث كل ما في وسعها للتخلص من هذه البدعة الساذجة، نجدها تتكاثر وتسد الطرق هنا.. القيادة وسط لندن غدت كابوسا حقيقيا». غير أن «ليزا»، وهي أم لندنية، قالت «لقد أصر أطفالي على ركوبها ذات يوم.. ولكن السائق تقاضى منا رسما باهظا. لقد طلب 10 جنيهات قبل التفاوض على تكلفة الرحلة».

الأمر مختلف بالنسبة للسياح الذين يرون أن ركوب «الريكشو» يوفر «متعة حقيقية في استكشاف لندن». وحينما سألت «ليندا»، (17 سنة)، وهي سائحة سويدية فتية من مدينة مالمو، عن رأيها في تجربتها مع المركبة، قالت «إنها مغامرة رائعة.. لقد شعرت بأني في جولة في الشرق الأقصى».

بقي أن نشير إلى الخشية من تزايد أعداد مركبات «الريكشو» خلال العام المقبل، الذي يشهد استضافة لندن الألعاب الأولمبية، يأمل مجلس بلدية «ويستمنستر»، (حيث قلب العاصمة)، بإعداد مذكرة لقواعد السلوك ستنطوي على إخضاع سائقي «الريكشو» فحص سلامة المركبات، تنظيم رسوم النقل التي يتقاضونها، بحسب صحيفة «ذا إيفنينغ ستاندرد» اليومية. فقد نقلت الصحيفة عن بوب كرو، رئيس اتحاد نقابة سائقي الأجرة السوداء، مطالبته هيئة مواصلات لندن باتخاذ موقف حاسم، من «الريكشو» التي باتت تهدد أسلوب معيشة سائقي الأجرة.