الجاسر: حركة الإقراض تعكس الانتعاش.. ويجب إدخال المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد

محافظ مؤسسة النقد السعودي يدعو البنوك لتفعيل القطاع ويؤكد عدم وجود تعديل في سياسة الصرف

محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي
TT

جددت السعودية مساعيها في إيجاد بنية تحتية لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بهدف إدخال القطاع ضمن موارد الاقتصاد، في الوقت الذي لا يزال القطاع بحاجة إلى عدد من التشريعات المختلفة، مع دعوات أطلقها محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي للبنوك للعمل على تفعيل دورها في هذا القطاع.

وأهاب الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بالبنوك السعودية العمل على إيجاد إدارات مستقلة تعنى بالقطاع، بحيث يتفرغ موظفون متخصصون في هذا المجال للتعامل مع هذه الشركات المتوسطة والصغيرة، وتابع: «أنا متفائل في هذا الأمر، لكن أيضا أعرف مستوى العقبات التي قد تواجه هذا القطاع، ولكن المطلوب هو تكاتف الجهود، سواء من البنوك أو (سمة) أو الجهات الحكومية الأخرى».

وكان محافظ المؤسسة يتحدث على هامش تدشين مشروع «الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية - سمة»، مشروع «تقييم»، وهو لتقييم المنشآت الصغيرة والمتوسطة والخاصة، وكشف أن الإقراض خلال 3 أشهر من هذا العام ارتفع إلى أكثر من 9 في المائة.

وحول أوضاع الاقتراض بلاد أبان أن «معدل الإقراض يعتبر في الأوضاع الاقتصادية العالمية من أعلى المعدلات، ولذلك فمستوى الإقراض ممتاز جدا، وهذا يدل على أن النشاط الاقتصادي في المملكة متسارع، ويبشر بخير»، وتابع: «التوقعات الاقتصادية للعام المقبل سوف تحدد في حينها ووقتها، وأتوقع أن يكون النشاط جيدا».

وبيّن محافظ مؤسسة النقد أن المشروع يعد مبادرة جيدة، وهذا المشروع يعد لبنة، واصفا تلك الخطوة بأنها ليست فانوسا سحريا يحل كل مشكلات قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أنه لبنة ممتازة.

وحول إقراض البنوك للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، قال: «إن البنوك السعودية سوف تقرض لأي شريحة عندما تطمئن إلى أن تلك الودائع سوف تعود، والبنوك تقرض الأموال المودعة لديها، ولذلك التحدي الذي أمامنا هو تطوير الآليات التي سوف تساعد تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الوفاء بالتزاماتها، وتأكد أن البنوك عندما تجد الربح سوف تجري أسرع مما تتصور».

وحول مؤشرات التضخم في السعودية أوضح محافظ المؤسسة أن مؤشرات التضخم ليست مقلقة، والتضخم أصبح مستقرا منذ بداية العام الحالي، وتلامس 4.6 إلى 4.9 في المائة، وهذه الأرقام تؤكد أنه مستقر، متوقعا في ذات الوقت أن يستمر في الانخفاض هذا العام.

وعن مشاركة البنوك السعودية ومساهمتها في التنمية، قال الدكتور محمد الجاسر: «إن القطاع المصرفي في المملكة يقوم بدوره بشكل جيد، ولا أقول ممتاز 100%، لكن أعتقد أنه يقوم بدوره أفضل من القطاعات المصرفية في أماكن الأخرى، وكمثال الودائع، الغالبية العظمى يعاد إقراضها وضخها في الاقتصاد السعودي، والمؤسسات المالية، والبنوك تلعب دورها كوسيط، بمعنى أنها تأخذ الودائع وتعيد ضخها في الاقتصاد. هل تأخذ الأموال وتخرجها خارج البلد، أم تعيد ضخها في مفاصل الاقتصاد؟ البنوك السعودية تعيد ضخها في المفاصل».

واستطرد: «شهدت الأشهر الثلاثة الماضية من العام ارتفاع معدل الإقراض للقطاع الخاص فقط أكثر 9 في المائة، وهذا معدل نتمنى أن نصل إليه طول العام».

وتطرق إلى أن سعر صرف الريال السعودي لن يتغير، بينما أبان محافظ مؤسسة النقد أن لدى السعودية إجراءات احترازية من خلال الأسواق التي تشهد أزمات مالية، وتابع: «كان لدى المملكة إجراءات احترازية قبل أن تصل الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهو ما نسميه التحرك ضد الدورة الاقتصادية، بمعنى أن البنوك ترفع احتياطاتها وتوفر المخصصات لأي قرض عليه تعثر، ولذلك أيضا فالمملكة ليست معرضة لما يحصل في الأسواق الأوروبية، فالإقراض داخلي، وداعمه في الداخل أيضا، ولا يوجد لدينا تعرض لأسواق الفونسيل في أوروبا»، وقال: «نحن إلى حد كبير في حماية من هذه التطورات في الأزمات، ولكن نحن لا نعيش في جزيرة منعزلة».

وبالعودة إلى تدشين مشروع سعودي لتقييم المنشآت الصغيرة والمتوسطة قال الدكتور محمد الجاسر خلال كلمته: «مشروع (سمة) لتقييم المنشآت الصغيرة والمتوسطة يأتي كخطوة هامة في سبيل تشجيع المصارف على تمويل تلك المنشآت بأسلوب علمي ومنهجي يأخذ في الاعتبار درء مخاطر تمويل هذه الشركات، ويساعد المصارف على تنويع محافظها، بحيث يضيف مجالا آخر إلى مجالات التمويل الرئيسية في المملكة».

وتابع: «لدينا اليوم تمويل الشركات التي وصل حجم تمويلها الممنوح من قبل المصارف في نهاية الربع الثاني من عام 2011 إلى ما يربو على 800 مليار ريال (213 مليار دولار)، وتمويل الأفراد بلغ 217.5 مليار ريال (58 مليار دولار)، وتمويل القطاع العام الذي بلغ في نفس الفترة نحو 250.5 مليار ريال (66.6 مليار دولار)، ونسعى اليوم من خلال مشروع (تقييم) إلى جعل تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة رافدا من روافد التمويل في القطاع المصرفي ليحقق أهداف التنمية التي تسعى المملكة لتحقيقها للاقتصاد السعودي».

وأكد الجاسر أن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ما زال بحاجة إلى الكثير من الرعاية وتوفير البيئة المناسبة لتؤدي دورها المطلوب في الاقتصاد، خصوصا في مجال خلق وتوطين الوظائف، مشيرا أن مشروع «سمة» (تقييم) هو الانطلاقة الحقيقية لتوحيد الجهود لمساعدة هذا القطاع على التغلب على أحد أهم عوائق نموه وهو الحصول على التمويل اللازم.

وأشار إلى أن الاقتصاد الوطني يتكون من مجموعة كبيرة ومتكاملة من المؤسسات العامة والخاصة التي تستخدم ما هو متاح من عناصر إنتاج بشرية ومادية في تقديم تدفقات مستمرة من السلع والخدمات لمواجهة احتياجات المجتمع المحلي، وجزء من الطلب الخارجي، مشيرا إلى أن أحجام المؤسسات المحلية تختلف بحسب معايير العمالة، ورأس المال، والمبيعات... إلخ، وأنه من الاعتقادات الخاطئة أن المؤسسات كبيرة الحجم هي المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي.

ولفت محافظ مؤسسة النقد السعودي أن الواقع الفعلي يؤكد أن المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم تمارس دورا هاما في الحركة الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية، وذلك من خلال قدرتها الاستيعابية الهائلة لتوظيف القوى العاملة، بما فيها متوسطة ومتواضعة التدريب والتأهيل العلمي، مستشهدا بدراسة لمنتدى الرياض الاقتصادي حول قطاع الأعمال السعودي ومواجهة التحديات الاقتصادية، وأن متوسط عدد العاملين في القطاع الخاص السعودي بلغ 8.4 عامل في المنشأة الواحدة، وبالتالي فإن 90 في المائة من المنشآت في المملكة تعد ضمن نطاق المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

ونوه محافظ مؤسسة النقد بأن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تُعدّ الأداة الأكثر كفاءة وقدرة على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما في المناطق النائية الأقل حظا في التنمية، كما أنها توفر مجالا خصبا للتدريب وتطوير المهارات للعاملين، علاوة على مساعدتها للمشاريع الكبيرة في العملية التسويقية وتوفير المواد الخام والسلع الأولية في مختلف المراحل الإنتاجية.

وقال الجاسر: «نحن في المملكة لسنا بعيدين عن هذا، حيث أولت حكومة المملكة هذا القطاع أهمية كبيرة وحث كل الأطراف ذات العلاقة على دعم هذه المنشآت»، وأضاف: «منشآت الأعمال شهدت في السعودية نموا واضحا في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع عدد المنشآت المشتركة في نظام التأمينات الاجتماعية من نحو 121.5 ألف منشأة في 2005 إلى نحو 218.4 ألف منشأة في 2009، أي بمتوسط سنوي نسبته 16 في المائة».

وبيّن أن المنشآت الفردية تمثل نحو 93.1 في المائة من الإجمالي، والمحدودة نحو 4.7 في المائة، والتضامنية نحو 0.6 في المائة، حيث يتركز النشاط الاقتصادي لهذه المنشآت في 3 أنشطة، وهي الأنشطة التجارية بنسبة 34.3 في المائة، والتشييد والبناء بنسبة 32.3 في المائة، والصناعات التحويلية بنسبة 14.6 في المائة، بينما تحظى المنشآت الصغيرة التي يعمل بها أقل من خمسة أشخاص بالنصيب الأكبر، أي بما نسبته 55.5 في المائة من إجمالي عدد المنشآت في نهاية عام 2009.

في الوقت الذي بيّن أن النصيب المئوي للمنشآت التي يعمل بها من 5 إلى 59 شخصا يبلغ نحو 42 في المائة، والباقي ونسبته 3.8 في المائة للمنشآت التي يعمل بها أكثر من 60 شخصا.

وأردف: «معظم المنشآت في المملكة هي منشآت صغيرة الحجم بالنظر إلى معيار عدد العمالة»، ونوه محافظ مؤسسة النقد بأن مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم في الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة منخفضة جدا، حيث بلغ نصيب إجمالي ناتج القطاع الخاص الذي هو جزء منه نحو 33 في المائة.

وزاد: «في حين ساهمت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي بنسبة 64.3 في المائة في اليابان، و43.3 في المائة في إسبانيا، و56 في المائة في فرنسا، و44 في المائة في النمسا، و43 في المائة في كندا، و33 في المائة في أستراليا، أما في الولايات المتحدة الأميركية فإنها تساهم بأكثر من 50 في المائة. وقد يعزى تواضع مساهمتها في الناتج المحلي بالمملكة إلى ضخامة القطاع النفطي والقطاع العام، وأنهما يمثلان المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي».

إلى ذلك قال نبيل المبارك الرئيس التنفيذي لـ«الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية - سمة» إن مشروع تقييم المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو آخر المشاريع التي تدشنها «سمة» كأول مشروع سعودي شامل يرى النور يختص بتقييم تلك المنشآت، حيث قامت «سمة» بالتعاون مع إدارة حلول المخاطر في «ستاندرد آند بورز» بدراسة مستفيضة لتشخيص الوضع الحالي لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السوق السعودية، وتم عقد الكثير من الاجتماعات الدورية مع الجهات ذات العلاقة في مرحلة تشخيص للمشروع استمرت عاما كاملا 2009 إلى 2010.

وتابع: «تنبع أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية على التنمية المستدامة من خلال التوظيف والمساهمة الاقتصادية، ففي الدول المتقدمة تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تساهم تلك المنشآت في الدول النامية بنسبة 66 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تأتي مساهمة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة من القطاعات الرسمية وغير الرسمية».

وحول الهيكل القانوني للمنشآت الصغيرة والمتوسطة قال المبارك: «أغلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة ملكيتها إما فردية وإما ذات مسؤولية محدودة. ويعزى ارتفاع عدد المنشآت إلى ارتفاع عدد ملكية الشركات ذات المسؤولية المحدودة».

وحول أهداف مشروع «تقييم» شدد على أن الشركة عملت على دراسة كل الأوجه المالية والاقتصادية والتمويلية والإدارية والاستراتيجية المرتبطة بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقييم كل الشركات المنضوية تحته من حيث رأس المال، وحجم النشاط، وعدد الموظفين، مما سيسهل عليها الحصول على التمويل المناسب من الجهات التمويلية، وتطوير أعمالها، متخذة بذلك خطوة جادة في مجال التقييم قائم على أسس علمية ومنهجية.

وحول أبرز المعوقات لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، قال المبارك: «تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة أغلبية المنشآت القائمة، وأكبر موظف تقريبا لغير السعوديين في الغالب، كما أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تحولت إلى شركات كبيرة محدود للغاية وبطيء، علاوة على أن هذا القطاع مشتت وغير منظم ويفتقد التنسيق وآليات تطوير العمل المستمر، كما يفتقد تمويل المصارف نظرا لمخاطر التمويل العالية». وفي ما يخص الآثار الإيجابية لـ«تقييم» على الاقتصاد الكلي، أشار إلى أن «تقييم» سيساعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الحصول على تمويل لنموها واتساع أعمالها، كما سيحل مشكلة تباين المعلومات لكامل القطاع ويطور من فاعلية وكفاءة سوق التمويل، وسيوفر أدوات وآليات متقدمة للمصرفيين والماليين لمعرفة المخاطر الائتمانية للشركات.

وتابع المبارك: «علاوة على أنها ستسهم في زيادة مستوى شفافية الاقتصاد من خلال تسليط الضوء على عمليات تلك المنشآت وطبيعتها، بحسب رئيس شركة (سمة)، وتوفير معيار موحد لقياس أحجام الشركات والقطاعات التي تنتمي إليها، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتخفيض تكاليف الإقراض من خلال توفير المعلومات المحدثة والدقيقة لجهات التمويل، والسعي جديا لتغيير سلوك إقراض الجهات التمويلية لتكون مبنية على مخاطر السوق وعوائد المحافظ».

وأشار الرئيس التنفيذي لـ«سمة» إلى أن مشروع «تقييم» سيخلق تقييم أرضية خصبة للشركات لمعرفة المشكلات المالية بناء على ظروف وتقلبات السوق، وتطبيق حوكمة الشركات بشكل أفضل خلال فترة التقييم، والحد من اقتصاديات الظل.