دعم إيران للجماعات المسلحة وإغراقها السوق العراقية بالسلع الرديئة يؤلبان العراقيين ضدها

محافظ النجف يقول إن 90% من السكان يكرهون الإيرانيين.. ورجل دين: نتمنى أن تأتي الشركات الأميركية

زوار في مرقد الإمام علي بالنجف («نيويورك تايمز»)
TT

تزداد المخاوف مع سحب الولايات المتحدة لقواتها من العراق من أن إيران سوف تشغل الفراغ الذي سينشأ عن ذلك وتزيد من عمق نفوذها السياسي، الذي أصبح كبيرا بالفعل، من خلال القوى الناعمة للثقافة والتجارة، ولكن هنا، في هذه المنطقة التي تعتبر مركزا شيعيا، يقول بعض المسؤولين إن إيران لم تعد تلقى ترحيبا منذ فترة طويلة.

وعلى الرغم من أنه من المؤكد أن نفوذ إيران في العراق قد ازداد على مدى السنوات الثماني الماضية، والدليل على ذلك هو تعاطف الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة معها، فضلا عن العلاقات الوثيقة مع رجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، ولكن لأسباب ما زالت غامضة نوعا حتى الآن وربما تتعلق بتعثر الاقتصاد الإيراني وعدم الثقة في الإيرانيين التي ظلت موجودة لعدة قرون، لم تتمكن إيران من تعميق نفوذها في العراق.

وفي الواقع، فقد نجحت مجموعة من الدول بقيادة تركيا - ليس من بينها الولايات المتحدة - في التغلغل بدرجة كبيرة في العراق، الأمر الذي أزعج بعض الناس هنا في مدينة النجف مثل المحافظ عدنان الزرفي، الذي عاش في شيكاغو وميشيغان ويحمل الجنسية الأميركية، والذي قال: «قبل عام 2003، كان 90 في المائة من سكان النجف يحبون الإيرانيين، ولكن اليوم 90 في المائة يكرهونهم، فإيران تحب أن تأخذ ولا تحب أن تعطي». وقد عقد الزرفي اجتماعا قرب منتصف الليل في أحد المقاهي بينما وقف فريق حراسه بالباب لحراسته، وتفتيش الداخلين، وخارج المقهى كان هناك موكب من السيارات البيضاء قابعة في الانتظار، وفي الجوار، بالقرب من أحد الأزقة المتعرجة، استغرق آلاف من الزوار في السكون الليلي الذي يغلف ضريح الإمام علي.

وكانت تعليقات الزرفي مخالفة للمفهوم الشائع حول نفوذ إيران في جنوب العراق، حيث إنه على الرغم من الرباط الديني المشترك الذي يجمع بين البلدين هناك صراع بين القومية والطائفة.

ومن النظريات الشائعة في هذا الشأن أن الحرب في العراق قد فتحت رقعة الشطرنج أمام الولايات المتحدة وإيران للصراع على السلطة، وأن من النتائج المرجحة لهذه المباراة وجود دولة إيرانية قوية مقربة سياسيا من زعماء العراق، الذين هرب معظمهم إلى إيران خلال فترة حكم صدام حسين، بالإضافة إلى كونها شريكا تجاريا مهما. إلا أن هذه النتائج ليست بذلك الوضوح لا سيما في الجنوب الذي يهيمن عليه الشيعة بل إن بلدانا أخرى، مثل الصين ولبنان والكويت، فضلا عن تركيا، التي تعد أكثرها نفوذا، قد عززت نفوذها من خلال العلاقات الاقتصادية.

وقد ظهرت هذه الأنماط بعد وقت قصير من الغزو الأميركي، حيث قال مهدي نجاة ناي، وهو دبلوماسي يرأس مكتب المنظمة الإيرانية لترويج التجارة في بغداد، إن السلع الرديئة الإيرانية، خاصة الجبن منخفض الجودة والفاكهة والزبادي، قد أغرقت الأسواق في الجنوب، وإنها غالبا ما كانت تباع بأسعار باهظة، وقد أدى هذا إلى تشويه سمعة إيران، على الرغم من أن الأسعار قد انخفضت منذ ذلك الحين، مما خلق نفورا من البضائع الإيرانية لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا. وقال علي رضا، وهو رجل أعمال من إيران يقوم ببناء مصنع للحديد في ضواحي مدينة النجف، إن هذا قد جعل من الصعب على رجال الأعمال الإيرانيين القيام باستثمارات في جنوب العراق. وأضاف: «المشكلة الحقيقية هي مع موجهي الاقتصاد في إيران، فقد جاءت الكثير من الشركات الإيرانية إلى هنا بعد سقوط النظام، ولكنها أفسدت كل شيء».

وما زال المسؤولون في النجف يشكون من تدني جودة البضائع الإيرانية، فضلا عن قلة الاستثمار الحقيقي من جانب جارتهم في الشرق، وأعمال العنف التي ترتكبها الجماعات المسلحة ذات الصلة بإيران، بينما شكواهم الرئيسية من الأميركيين هي غياب نفوذهم.

وكان أحد أهداف الغزو الأميركي هنا هو إنشاء مركز للإسلام الشيعي المعتدل الذي يميل للديمقراطية وموجه للغرب، والذي من شأنه أن يكون معادلا للنظام الإيراني القائم على حكم رجال الدين، ولكن يبدو أن ما حدث هو شيء عكس ذلك تماما، حيث استخدمت إيران علاقاتها السياسية لبسط سطوتها على طبقة القادة في العراق، ودعمت الجماعات المسلحة المسؤولة عن الاغتيالات والهجمات على القواعد الأميركية، ولكنها كانت أقل نجاحا في استخدام آليات السلطة الأخرى على مستوى القاعدة الشعبية.

وقال زهير شربه، رئيس مجلس محافظة النجف: «الاستثمار الإيراني قد توقف تقريبا»، مشيرا إلى ظاهرة تتعلق أكثر باقتصاد إيران الضعيف الخاضع لسيطرة الدولة من تعلقها بالطموحات الإيرانية، بينما تحدث عن الأميركيين قائلا «لقد كانوا في طريقهم إلينا ولكنهم توقفوا». وأضاف «نتمنى أن تأتي الشركات الأميركية إلى هنا، كما كنت أتمنى لو أن علاقتنا بأميركا كانت عن طريق الشركات بدلا من القوات» وشربه هو رجل دين أمضى 14 عاما في المنفى في إيران خلال فترة حكم صدام حسين.

ومع مغادرة جيش الولايات المتحدة للعراق سيقع على عاتق الدبلوماسيين والمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال والمنظمات غير الحكومية مسؤولية الحفاظ على النفوذ الأميركي في العراق. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية تعكف على توسيع نطاق عملياتها، فإن المنتقدين يقولون إنها تضيع فرصة تأمين نفوذها هنا في النجف، مقر المؤسسة الشيعية في العراق، التي تشكل مركز قوة مهما في العراق الجديد.

ولكن استمالة رجال الدين لن يكون سهلا، فعلى الرغم من أنه من المؤكد أن بعض المسؤولين، الذين من ضمنهم الزرفي - الذي عين محافظا للنجف في عام 2004 من قبل بول بريمر، المسؤول الأميركي الأعلى في العراق في ذلك الوقت، والذي انتخب محافظا للنجف بعد ذلك في عام 2009 - من المؤيدين للولايات المتحدة، فإن المؤسسة الدينية، التي تعد أقل تقبلا للنفوذ الأميركي، تملك سلطة أكبر على الناس.

ولم يكتفِ الأميركيون برفض الطلب المقدم من الزرفي ومسؤولين آخرين لفتح قنصلية في النجف، بل إن فريق وزارة الخارجية الأميركية لإعادة إعمار المحافظات في النجف قد أغلق مقره بالفعل في وقت سابق للموعد المقرر في الصيف الحالي، بعد ضغوط من رجال الدين في المحافظة، وخاصة من المسؤولين الموالين للصدر الذي يقضي معظم وقته في إيران.

وفي الوقت الذي ربما تعاني فيه إيران من الضعف في معركة كسب القلوب والعقول، إلا أنها لا تزال قادرة على إثارة المشاكل، حيث أثار ارتفاع عدد القتلى خلال الصيف الحالي بين القوات الأميركية في جنوب العراق على أيدي الجماعات المسلحة المدعومة من إيران قلق الدوائر الدبلوماسية، وأصبح يشكل جوهر الحجة التي يطرحها أولئك الذين يريدون إطالة أمد الوجود العسكري الأميركي لمواجهة النفوذ الإيراني.

ولكن المسؤولين يقولون إن إثارة المشاكل لم تمتد إلى ساحة التجارة الأكثر أهمية، حيث يقول سامي العسكري، عضو البرلمان وأحد المقربين لرئيس الوزراء نوري المالكي: «نظرا للحساسيات السياسية الإيرانية، فإن الكثير من الناس يقولون إن إيران تسيطر على الاقتصاد العراقي، ولكن الأتراك، وليس الإيرانيين، هم من يسيطرون عليه».

وقد عاش المالكي في إيران من قبل، ويحيط نفسه بعدد من المساعدين الذين لديهم علاقات وثيقة مع طهران، ولكن حتى هذه العلاقات لم تترجم إلى نفوذ اقتصادي أو ثقافي يمكنه أن يقرب إيران من الشعب العراقي ككل.

وقال جوست هلترمان، نائب مدير برنامج منطقة الشرق الأوسط التابع للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: «لم أقابل بعد العراقي الذي يثق بالإيرانيين». وأشار هلترمان إلى زيارة قام بها مؤخرا إلى مجمع المالكي في بغداد والتي أوضحت له عدم قدرة إيران على تحويل علاقاتها السياسية لقوة اقتصادية دائمة هنا، حيث قال: «كان مساعد المالكي مستاء بشدة من قيام تركيا ببناء دار الضيافة، ولكن الإيرانيين لم يستطيعوا فعل ذلك».

كما تحاول إيران أيضا أن تتغلغل ثقافيا في العراق، ولكنها تواجه نفس الشعور بعدم الارتياح الذي يكنّه العراقيون لمحاولات رجال الأعمال الإيرانيين. وقد تفاوضت إيران هذا العام على صفقة لتجديد عدد من دور السينما في بغداد التي ظلت مغلقة لسنوات، إلا أن هذه التجديدات لم يتم تنفيذها بعد، ويتمنى بعض المسؤولين لو أن الأميركيين - بتقدمهم التكنولوجي - هم من كانوا سيقومون بتنفيذ المشروع. وقال فؤاد ذنون، رئيس المسرح الوطني العراقي: «إذا سألني شخص، عمن أريد أن يساعدني؟ سأجيب بأنني أرغب في أن يدعم الأميركيون، من خلال احتلال العراق، الثقافة والمسرح».

وقال كينيث كاتزمان، وهو محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز أبحاث «خدمة أبحاث الكونغرس» في واشنطن، إنه بفضل الكثير من المشاريع الصغيرة ذات الصلة بالسياحة الدينية في النجف، التي تشمل إنشاء مراحيض تحت الأرض، وبعض مشاريع البناء في البصرة، فإن «الكثير من الخرافات يتم ترويجها» عن النفوذ الإيراني في الجنوب، الذي «لا يمثل شيئا يذكر في النهاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»