كاليفورنيا تكافح لتنفيذ أكبر عملية إفراغ لسجونها

المحكمة العليا تدخلت بعد تكدس النزلاء وسوء ظروف حبسهم

دفع تكدس النزلاء في مدينة شينو بكاليفورنيا عام 2007، بالسلطات لوضعهم على شكل دوريات في جيمنازيوم السجن (نيويورك تايمز)
TT

في مواجهة قرار غير مسبوق صدر عن المحكمة العليا بتقليل عدد السجناء بواقع 11 ألف سجين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وبعدد 34 ألف سجين خلال العامين المقبلين، بدأت سجون كاليفورنيا الأسبوع الماضي نقل النزلاء إلى سجون المقاطعات وتحويلهم لمسؤولي إطلاق السراح المشروط، في بداية لما يعده كثيرون تغييرا جوهريا واسع النطاق في أكبر نظام السجون بالولايات المتحدة.

في الربيع الماضي، أقرت المحكمة العليا بأن التكدس الهائل والظروف السيئة في سجون الولاية تشكل انتهاكا للحقوق المكفولة للسجون بموجب الدستور، وعلى الفور أصدرت أمرا للولاية بالإسراع بتقليل عدد السجناء المودعين بسجونها. وصدق محافظ ولاية كاليفورنيا، جيري براون، والهيئة التشريعية على خطة لإيداع عدد أكبر من مرتكبي الجرائم بسجون مقاطعات مستقلة بذاتها. وبموجب تلك الخطة، سيتم إطلاق السجناء الذين ارتكبوا جرائم غير عنيفة أو خطيرة أو تدخل في إطار العنف الجنسي، وإخضاعهم لنظام المراقبة الخاص بالمقاطعات بدلا من نظام إطلاق السراح المشروط في الولاية.

وسيتم إرسال من تم اتهامهم حديثا بارتكاب مثل هذه الجرائم مباشرة إلى المقاطعات، التي يكون عليها تحديد ما إذا كان يجب إيداعهم أحد السجون المحلية أو إخضاعهم لبرنامج مجتمعي إصلاحي بديل. وربما يرتدي المتهمون أساور مراقبة إلكترونية، بينما ينتظرون صدور الحكم. وقال باري كريسبورغ، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي رصد سجون الولايات لعقود، وأدلى بشهادته أمام المحكمة العليا العام الماضي: «هذا أكبر تغيير في نظام ولاية كاليفورنيا أشهده في حياتي». وأضاف: «نتيجة لأن نظام السجون لدينا كان الأضعف، والأعلى تكلفة، والأقل فعالية في أميركا، فثمة بارقة أمل في أن هذا القرار الجديد سيغير هذا النظام».

بدأ ترحيل سجناء كاليفورنيا إلى سجون المقاطعات يوم الاثنين، ويتوقع مسؤولو الولاية أن يتم الانتهاء من تنفيذ قرار المحكمة العليا بالكامل بحلول يونيو (حزيران) 2013، وهو الموعد الذي يجب أن يكونوا قد انتهوا فيه من تقليل عدد السجناء بالولاية البالغ 144 ألف سجين، وهو رقم يجعل نسبة الطاقة الاستيعابية للسجون 180 في المائة، إلى 110 آلاف سجين، أي بطاقة استيعابية نسبتها 135 في المائة. ومع ذلك، فإنهم يجب أن يصلوا إلى الحد الذي قضت به المحكمة العليا بتقليل عدد السجناء إلى 133 ألف سجين بحلول ديسمبر (كانون الأول).

وبينما تصفه الولاية بأنه إعادة هيكلة لنظام العدالة الجنائية، تلقي الخطة بمزيد من المسؤوليات على عاتق المقاطعات، ويشير بعض المسؤولين المحليين إلى عدم استعدادهم، فضلا عن افتقارهم للتمويل اللازم لإتمام المهمة الموكلة إليهم، غير أن مسؤولي الولاية يقولون إن إبقاء السجناء على مقربة من مجتمعاتهم سيزيد من فرص إعادة تأهيلهم، عما إذا بقوا مودعين في سجون الولاية.

على مدار الأعوام الماضية، كان مسؤولو إطلاق السراح المشروط بالولاية عادة ما يلقون القبض على المتهمين لدى انتهاكهم إطلاق السراح المشروط، وإعادتهم إلى السجن لقضاء عدة أسابيع، وهو إجراء قوبل باستهجان من الكثيرين. كما زاد التدفق المستمر للسجناء الجدد والسابقين أيضا من التكاليف التي تتحملها الولاية، نظرا لأنه يتحتم عليها دفع مقابل الفحص الطبي وغيره من أشكال الفحص الأخرى في كل مرة يأتي فيها سجين جديد.

وتشير الأرقام إلى أن نحو 70 في المائة من السجناء المودعين في سجون كاليفورنيا ينتهي بهم الحال للعودة إليها مجددا. وقال ماثيو كيت، سكرتير إدارة الإصلاح والتأهيل: «أسلوب إلقاء القبض على المتهمين ثم إطلاق سراحهم الذي كنا نعمل به من قبل لم يكن يجدي نفعا – لا أعلم كيف يمكن لأي أحد أن لا يتفق مع تلك الحقيقة». وأضاف: «البديل الوحيد الذي كان متاحا لنا هو إطلاق سراح عدد ضخم من السجناء، ولم يبد أحد راغبا في الحديث عن ذلك البديل».

لكن بعض مسؤولي المقاطعات يقولون إن هذه التغييرات من المحتمل أن تسبب ارتباكا لهيئات تنفيذ القوانين المحلية، كما أن الولاية لم تمنحهم قدرا كافيا من الوقت أو المال للاستعداد. وفي الأسبوع الماضي، قال أنطونيو فيلارايغوسا، عمدة لوس أنجليس، وتشارلي بيك، رئيس الشرطة، إنه سيتعين عليهما تخصيص 150 ضابط شرطة للنهوض بمهمة مراقبة السجناء السابقين.

وكان مأمور مقاطعة ساكرامنتو، سكوت جونز، واحدا من أشد منتقدي الخطة، مشيرا إلى أنها من المحتمل أن تؤدي لحدوث جرائم، ووصفها بأنها «أسلوب مضاد ينطوي على كوارث»، لأن المقاطعات لا تملك القدر الكافي من المال.

«والقيام بكل الأشياء التي يطلبون من الجميع القيام بها سيقتضي دفع مبالغ إضافية، ونحن لا نملك هذه المبالغ»، هذا ما قاله المأمور جونز، واستطرد قائلا: «إذا لم تفلح هذه الخطة - لا يمكننا أن نعيد محاولة تطبيقها مرة أخرى – فسوف تكبلنا التبعات غير المرغوب فيها التي ستنتج عنها». وقال المأمور جونز إنه ربما يكون من الأفضل للولاية أن تكتفي في الوقت الراهن بإطلاق سراح 10 آلاف سجين، بحيث يمكنها استغلال الوقت الإضافي في البحث عن سبل لتوفير أموال إضافية أو وضع نظام أكثر شمولا للمقاطعات.

إلا أن كيت رفض الانتقادات، مشيرا إلى أن الولاية لم يكن أمامها أي خيار آخر، فضلا عن أنها بدأت في تنسيق الخطط منذ شهور، وقال كيت: «كل فرد يرغب فقط في تأمين نفسه ضد الزيادة في الجرائم من أي نوع، ويلقي باللوم فيما يتعلق بذلك على إعادة هيكلة النظام»، مضيفا: «هذا تغيير كبير.. إنه سيكون حادا وسيحدث بمرور الوقت».

وتعمل المقاطعات عبر الولاية «بشكل محموم» من أجل وضع خطط للتعامل مع مسؤولياتها الجديدة، حسبما أشار مارك بزين، مأمور مقاطعة ميرسيد، ورئيس اتحاد مأموري ولاية كاليفورنيا، وواصل بزين قائلا: «كم هو أمر مضجر بعض الشيء أن نصل في النهاية إلى نقطة يتعين علينا فيها اتخاذ إجراء ما، ويكون رد فعل الناس هو مجرد المطالبة باتخاذ إجراء عاجل». وقال إن الدراسات تشير إلى أن تخفيف العقوبات لا يؤدي إلى زيادات ضخمة في معدلات الجريمة، كما أن الكثير من المقاطعات تعكف على إعداد برامج بديلة.

وأشار المأمور بزين إلى أن براون قد طمأنه أن الولاية ستنظر في تغيير الطريقة التي يتم بمقتضاها توزيع المخصصات المالية على المقاطعات. ويأمل المسؤولون في أن يتمكنوا، بعد خمسة أعوام من الآن، من تحديد أي المقاطعات كانت أكثر نجاحا في تقليل معدل معاودة السجناء السابقين ارتكاب جرائم.

إلا أن الكثير من المدافعين عن حقوق السجناء يعربون عن مخاوفهم من أن لا تبذل الولاية الجهد الكافي لضمان أن المقاطعات ستنظر في بدائل للإيداع بالسجون، وقد ذكرت الكثير من المقاطعات أنها ستتعامل مع تدفق السجناء بمجرد إضافة أسرة إضافية داخل سجونها. وتعتبر الكثير من سجون المقاطعات بالولاية مكتظة بالفعل، كما تخضع سجون مقاطعة لوس أنجليس لتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، بموجب اتهامات بإساءة معاملة السجناء من قبل نواب في البرلمان.

إن أي جريمة عنف يرتكبها أحد السجناء السابقين من المرجح أن تتصدر عناوين الأخبار، لكن لن تتمكن الولاية من تقدير مدى تأثير التغيير قبل سنوات. وقال كيت: «ليس لدينا كثير من الخيارات.. سيكون السؤال المطروح بعد سنوات من الآن هو: هل تفادينا بالفعل حدوث كارثة؟».

*خدمة «نيويورك تايمز»