البابا شنودة ترأس قداس الجنازة.. ولجنة حكومية لتقصي الحقائق في أحداث «ماسبيرو»

حظر جزئي للتجول في وسط القاهرة.. والأهالي يطالبون بتشريح جثث الضحايا

سيدة مصرية مسيحية ترفع صورة ابنها الذي قتل في اشتباكات ماسبيرو خلال تشييع جنازته أمس (رويترز)
TT

بعد ليلة دامية حزينة عاشتها مصر، شيع آلاف المصريين أمس جنازة ضحايا الاشتباكات التي شهدتها منطقة «ماسبيرو» الليلة قبل الماضية بين متظاهرين مسيحيين وقوات من الجيش، فيما قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة تكليف مجلس الوزراء تشكيل لجنة لتقصي الحقائق للوقوف على ما تم من أحداث لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية الرادعة حيال كل من يثبت تورطه فيها، سواء بالاشتراك أو التحريض. كما أكد المجلس في بيان له على مدنية الدولة واستمرار جهود الانتقال إلى حياة ديمقراطية والتأكيد على إعادة الأمن للبلاد، الأمر الذي يأتي في المرتبة الأولى من الاهتمامات، بحسب ما جاء بالبيان.

وأكد المجلس حرصه على عدم التجاوب مع محاولات الوقيعة بين القوات المسلحة والشعب المصري والذي أكد مرارا على ضرورة الحذر منها ومن آثارها الخطيرة على أمننا القومي، وقال البيان «سيقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لضبط الموقف الأمني للحفاظ على أمن البلاد وسلامتها». وكان المجلس العسكري قد أعلن عن فرض حظر جزئي للتجوال في منطقة ماسبيرو وكورنيش النيل وميدان التحرير وجميع الشوارع المؤدية له وشارع رمسيس وصولا إلى ميدان العباسية من الساعة الثانية من فجر أمس وحتى السابعة صباحا ليتمكن من استعادة الهدوء وفض الاشتباكات.

إلى ذلك، قرر مجلس الوزراء، في اجتماعه الطارئ أمس برئاسة الدكتور عصام شرف، تشكيل لجنة لتقصي الحقائق برئاسة وزير العدل حول الأحداث المأساوية التي وقعت بماسبيرو، على أن تبدأ هذه اللجنة عملها فورا، لبحث أسباب وتداعيات الأحداث، وإعلان نتائج أعمالها في أسرع وقت، وكشف المسؤولين عنها ومحاسبتهم. كما قرر المجلس عرض مشروع مرسوم بقانون بتقنين أوضاع دور العبادة القائمة غير المرخصة على اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء تمهيدا لإقراره في صورته النهائية من المجلس خلال أسبوعين من تاريخه، وقرر المجلس أيضا إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات بشأن منع التمييز.

ووفقا لآخر إحصائيات وزارة الصحة المصرية فإن أحداث ماسبيرو خلفت 26 قتيلا (21 مسيحيا و3 من جنود الجيش ومسلم واحد بالإضافة إلى شخص مجهول الهوية)، و329 مصابا أغلبهم من المسيحيين.

وقالت مصادر إنه تم نقل المصابين إلى عدة مستشفيات، مشيرة إلى أنه تم حجز 192 مصابا بالمستشفيات لاستكمال علاجهم ومن بينهم حالات خطيرة وهم 39 مصابا من القوات المسلحة، و23 من قوات الأمن المركزي (التابعة لوزارة الداخلية)، و38 مسلما و93 مسيحيا. وقال مصدر أمنى لـ«الشرق الأوسط»: إن الأجهزة الأمنية المعنية بوزارة الداخلية والتنسيق مع القوات المسلحة كثفت من إجراءاتها الأمنية حول الكنائس ودور العبادة المسيحية الموجودة بالقاهرة الكبرى بشكل عام وبعض الكنائس الكبيرة بالمحافظات، خاصة في الإسكندرية، خشية تعرضها لأي هجمات من بعض التيارات الدينية المتشددة، خاصة الجماعة السلفية، بعد خروج مسيرة عقب أحداث ماسبيرو ضمت نحو 7 آلاف شخص تنادي بالدولة الإسلامية وتتوعد المسيحيين.

وأضاف المصدر الأمني أنه تم كذلك تحويل منطقة العباسية (شرق القاهرة) حيث مقر الكاتدرائية المرقسية (المقر البابوي) إلى ثكنة عسكرية تحسبا لوقوع أي اشتباكات خلال نقل جثامين الضحايا المسيحيين من المستشفى القبطي وحتى مقر الكاتدرائية لإقامة القداس على أرواحهم. ورأس البابا شنودة أمس قداس الجنازة على أرواح الضحايا، وحضر الجنازة عدد من كبار الأساقفة، وآلاف المصريين من المسيحيين والمسلمين، وقطع أهالي الضحايا القداس أكثر من مرة بترديد الهتافات المطالبة بالقصاص للقتلى ورفعوا ملابس ذويهم المخضبة بالدماء. وتظاهر آلاف المسيحيين خارج مقر الكاتدرائية خلال الجنازة ونددوا بالأحداث ورددوا هتافات مناهضة لحكومة الدكتور عصام شرف والمجلس العسكري.

وكان البابا شنودة قد أصدر بيانا صباح أمس عقب اجتماع للمجمع المقدس بحضور 70 أسقفا، أدان فيه ما حدث، وقال البيان «ندين استشهاد أكثر من 24 من أبنائنا الأحباء وأكثر من 200 جريح في مسيرتهم السلمية»، مضيفا «وإذ نؤكد إيماننا المسيحي بأن بعض الغرباء يندسون وسط أبنائنا ويرتكبون أخطاء تنسب إليهم، إلا أن المسيحيين يشعرون بأن مشاكلهم تتكرر كما هي باستمرار دون محاسبة المعتدين، ودون إعمال القانون عليهم، أو وضع حلول جذرية لهذه المشاكل». ودعا المجمع المقدس المسيحيين للصوم والصلاة 3 أيام اعتبارا من اليوم (الثلاثاء) حدادا على أرواح الضحايا.

وعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتماعا أمس لبحث تطورات الموقف، كما عقد مجلس الوزراء اجتماعا آخر، قرر خلاله بدء التحقيق الفوري في أحداث ماسبيرو.

من جانبها، بدأت النيابة العسكرية أمس تحقيقات موسعة مع 25 من المتهمين في أحداث ماسبيرو. وقال مصدر مسؤول إن مباشرة القضاء العسكري للتحقيقات مع المتهمين المدنيين في تلك الأحداث يعد اختصاصا أصيلا للقضاء العسكري في ضوء ما شهدته الأحداث من تعديات على القوات المسلحة وعناصرها المتواجدة بمنطقة ماسبيرو، مشيرا إلى أن المتهمين المقبوض عليهم شاركوا في أعمال تخريب واعتداءات على أفراد من القوات المسلحة وإحراق ممتلكات تخص الجيش المصري. وكانت النيابة العامة المصرية قد أجرت معاينة صباح أمس لموقع الاشتباكات للوقوف على حجم التلفيات والخسائر التي وقعت بالمنطقة. وميدانيا، كثفت قوات الجيش والشرطة من تواجدها بمحيط مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو، تحسبا لتجدد الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين، واصطفت عشرات من سيارات الأمن المركزي بطول شارع كورنيش النيل، فيما ساد الهدوء الحذر منطقة ماسبيرو. وقامت أجهزة محافظة القاهرة برفع كافة آثار أحداث الليلة قبل الماضية من المنطقة المحيطة بمبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون وحتى ميدان التحرير كما ساعدت مع القوات المسلحة في رفع كافة السيارات المحطمة والمحترقة لفتح الطرق، وهو ما أدى إلى إعادة تسيير الحركة المرورية في شوارع وسط القاهرة.

من جانبه، نفى اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان ما تردد عن أنباء بتقديمه استقالته من منصبه للمجلس العسكري على خلفية أحداث ماسبيرو. وقال المحافظ في تصريح لوكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية أمس إنه رجل مقاتل وخاض الكثير من الحروب ويرفض مبدأ الانسحاب بصفة عامة، مشيرا إلى أن المجلس العسكري هو الوحيد الذي يملك قرار تعيينه أو إقالته. يذكر أن مظاهرات المسيحيين أمام ماسبيرو طالبت بإقالة محافظ أسوان بسبب تصريحاته التي اعتبروها غير مسؤولة حول أحداث كنيسة المريناب. وفي محاولة لاحتواء الموقف، عقدت مبادرة «بيت العائلة المصرية» التي دعا لها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لوأد الفتن الطائفية في مصر اجتماعا أمس برئاسة الدكتور الطيب وبحضور رموز إسلامية ومسيحية أكد خلاله أن المعالجات السطحية والحلول المسكنة لظواهر الأزمات في الفترات الماضية غير مجدية، وأهاب بيت العائلة بالمجلس العسكري ومجلس الوزراء سرعة الانتهاء من إعداد القانون الذي ينظم بناء الكنائس، وأن يتخذ الإجراءات العملية اللازمة لتعزيز ما نص عليه الدستور من إرساء مبدأ المواطنة للمصريين جميعا.