حزب بارزاني يستعد لاستعادة رئاسة حكومة كردستان من حزب طالباني

«الشرق الأوسط» تحصل على وثيقة تنص على تداولها كل سنتين

TT

في وقت تقترب نهاية السنة الثانية من ولاية حكومة إقليم كردستان التي يترأسها حاليا الدكتور برهم صالح، تتزايد التكهنات حول مصير رئاستها للسنتين المقبلتين، في ظل تسريبات إعلامية مكثفة في الآونة الأخيرة تتضارب مضامينها بين التمديد لبرهم صالح نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، أو استعادتها من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي السياق ذاته، تتضارب التسريبات أيضا حول المرشح القادم لتسلم المنصب بعد انتهاء مدة رئاسة برهم الحالية.

وتستند جميع التفاهمات بين الحزبين الكرديين (الاتحاد والديمقراطي) في إدارة شؤون الحكم بإقليم كردستان، بما فيها تقاسم المناصب في الحكومة المركزية ببغداد، على اتفاقية استراتيجية وقعها الحزبان في عام 2005. وبموجب تلك الاتفاقية، تمكن الحزبان من توحيد الحكومتين بحكومة واحدة ترأسها الرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجيرفان بارزاني منذ عام 2005، بينما ذهبت رئاسة البرلمان الكردستاني إلى عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني عدنان المفتي. وتم تقاسم هذه السلطات في إدارة الإقليم على أساس الاتفاقية الاستراتيجية التي خلت تماما من تحديد مدة ولاية أي من المنصبين (البرلمان والحكومة). ولذلك، فإن الحديث الذي كان يدور منذ عدة أشهر حول تبادل رئاسة الحكومة بين الحزبين، بل ومنذ بداية تسلم برهم صالح لرئاسة الحكومة، يثير سؤالا محددا وهو: إذا كانت الاتفاقية الاستراتيجية لم تنص صراحة على تبادل رئاسة الحكومة كل سنتين، فكيف يتمكن حزب بارزاني من المطالبة برئاسة الحكومة؟ من خلال متابعة مكثفة، تمكنت «الشرق الأوسط» من الحصول على وثيقة اتفاقية موقعة من زعيمي الحزبين مؤرخة بتاريخ 21/1/2006. وتقول الفقرة الثالثة من تلك الاتفاقية «يكون رئيس البرلمان من الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس مجلس الوزراء من الحزب الديمقراطي الكردستاني لحين إجراء الانتخابات المقبلة لبرلمان كردستان في نهاية عام 2007، وسيشترك الحزبان بقائمة موحدة ومتساوية في الانتخابات القادمة، وعندها سيسند منصب رئيس البرلمان إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ومجلس الوزراء إلى الاتحاد الوطني ولمدة سنتين، وبعدها يتبادل الجانبان منصبي رئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء، وفي حال عدم إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية سنة 2007 أو توقع تأجيلها فإن عملية تبادل المنصبين ستتم أيضا بين الجانبين». هذا النص يشير بوضوح إلى أن هناك اتفاقا بين الحزبين بالتناوب على رئاستي البرلمان والحكومة.

وفي الواقع، فقد تسلم نيجيرفان بارزاني رئاسة الحكومة من عام 2005 إلى 2007 وهو موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، ولكن الظروف في ذلك الوقت حالت دون إجرائها وتأجلت إلى عام 2009، ونظرا لأن الاتفاقية تنص على أن تكون ولاية نيجيرفان لسنتين تنتهي بنهاية عام 2007، فإن زعيم الاتحاد الوطني جلال طالباني تنازل طواعية عن استعادة رئاسة الحكومة لحزبه، وقرر التمديد لسنتين أخريين لنيجيرفان الذي أكمل ولاية أربع سنوات. وبعد إجراء انتخابات عام 2009 تسلم برهم صالح رئاسة الحكومة، وبموجب منطوق نص الفقرة الثالثة من تلك الاتفاقية يفترض أن يسلم برهم رئاسة الحكومة بعد إكماله السنتين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وبحسب القيادي في الاتحاد الوطني فريد أسسرد، «فإن الاتفاقية المذكورة تنص فعلا على تحديد مدة سنتين لتداول رئاسة الحكومة، ولكنها تضمن أيضا حق الحزبين في التمديد أو التسلم، وعلى أرض الواقع جرى ذلك حين انتهت السنتين من رئاسة نيجيرفان بارزاني عام 2007 فمددها له الرئيس طالباني طواعية، ولو لم يمددها لكان من حق (الاتحاد الوطني) استعادتها من (الديمقراطي)، بمعنى أن الحزبين مخيران في التمديد أو تسلم الرئاسة بالتناوب». ويؤكد أسسرد «إن الحديث الذي يدور حاليا حول هذا الموضوع لا يتجاوز إطار التصريحات الصحافية، فلحد الآن لم نتسلم أي طلب رسمي من الحزب الديمقراطي يؤكد رغبته بتسلم رئاسة الحكومة، كما لم يجر بحث هذا الموضوع إطلاقا في اجتماعاتنا المشتركة». ويرى أن «مدة سنتين غير كافية لأي شخص لكي ينجز برنامجه الحكومي». من جهته، يرى الكاتب الكردي شيرزاد عادل اليزيدي أن «البند الخاص باقتسام رئاسة الحكومة كل عامين «غير منطقي وغير مثمر ولا مجد لجهة تفعيل أداء الحكومة، وحتى لجهة تمتين التحالف الاستراتيجي بين الحزبين». ويضيف أنه «في مثل هذه المرحلة الحساسة وحيث تنهمك حكومة صالح في تطبيق برنامجها الإصلاحي الذي انتخبت على أساسه القائمة الكردستانية، وفي ظل هذا المناخ الإقليمي العاصف والمتقلب وحتى المناخ العراقي المضطرب كعادته، سيما أن الانسحاب الأميركي على الأبواب والملفات العالقة ما زالت كما هي بين بغداد وأربيل، ليس من الحكمة إطلاقا إحداث تغيير حكومي كبير في الإقليم». من جهته، يقول بدران حبيب، رئيس مؤسسة «آراس الثقافية» إن حكومة الإقليم «مشكلة أساسا من تحالف الحزبين (الديمقراطي) و(الاتحاد الوطني)، ولها برنامج واحد يستند إلى البرنامج الانتخابي للقائمة الكردستانية التي خاضت الانتخابات البرلمانية ونجحت فيها، وهذا يؤكد أن تغيير رئيس الحكومة لن يغير شيئا في البرنامج الحكومي». ويضيف «على الرغم من اعترافنا بكفاءة وخبرات الدكتور برهم في قيادة الإدارة، ولكن يبدو لي أن استعادة رئاسة الحكومة للسيد نيجيرفان أفضل في هذه المرحلة، فهو يمتلك خبرة 13 سنة متراكمة ترأس فيها حكومة الإقليم، كما أن مسألة عودته إلى رئاسة الحكومة وكما نقرأ ونسمع من أحزاب المعارضة أصبحت حالة مطلوبة».