الجيش الأميركي يغادر الأنبار تاركا إرثا داميا.. وتساؤلات حول المستقبل

تنظيم القاعدة يبقى «عدوا لا يستهان به».. واتهامات للنظام السوري بتأجيج العنف

شرطيان عراقيان يعاينان الأضرار التي خلفها هجوم شنته «القاعدة» مؤخرا على مركز شرطة في ناحية البغدادي بمحافظة الأنبار (أ.ب)
TT

سيطرت عاصفة ترابية على مرمى البصر، ووصلت إلى الجنود الذين انحنوا لتحميل حقائب الظهر على مركبات عائدة إلى أميركا. وفي الثالثة والنصف صباحا من اليوم التالي، كان من المفترض أن تتقدم كتيبتهم تحت ستار الظلام بعد انتهاء مهمتهم في تدريب قوات الأمن العراقية في محافظة الأنبار.

وقد شهدت هذه الرقعة التي تقع غرب العراق وتركتها الكتيبة خلفها، أكثر الأحداث دموية في الحرب، لكنها شهدت أيضا بعض الأحداث المبشرة. ومنذ بدء الحرب، قُتل نحو 1.332 جنديا أميركيا في الأنبار، أي نحو ثلث القتلى الأميركيين جميعا؛ على الرغم من ذلك لم يقتل أحد في اشتباكات بالمحافظة منذ أكثر من عامين. وفي عام 2006 وحده، كان هناك 1.129 هجوما للمتمردين في الأنبار، أما هذا العام فقد بلغ عدد تلك الهجمات 333. وقد قام جهاز الشرطة في المحافظة، الذي لم يكن له وجود قبل خمس سنوات، بتوظيف 32.000 عنصر.

وقد جاءت هذه الأرقام على لسان أميركيين يغادرون العراق الآن كسبب يدعو إلى التفاؤل. لكن العراقيين الذين سيمكثون في الأنبار تبنوا وجهة نظر أخرى أكثر تشاؤما بالنسبة لعام 2012، ويتساءلون عما إذا كانت المحافظة خارج نطاق الخطر أم في عين العاصفة.

ومحافظة الأنبار تحتل ثلث مساحة العراق، وتضم 5 في المائة من سكان البلاد. وفي عام 2004، حدثت معارك الفلوجة الضارية التي تلت قتل وإصابة أربعة مقاولين مدنيين. وقد ازدهر فرع تنظيم «القاعدة في العراق» في محافظة الأنبار عام 2005 و2006، حتى قام قادة عشائر والجيش الأميركي بتشكيل الصحوات لإخماد الهجمات الإرهابية.

وكانت أول مرة يزور فيها الليفتنانت كولونيل ديفيد إس دويل الأنبار منذ أكثر من ثمانية أعوام. وبينما كان يستعد لإنهاء حزم أمتعته من مكتبه في «قاعدة الأسد الجوية»، قام بوصف التقدم الذي حدث خلال تحويل مسؤولية تدريب الجنود العراقيين من الولايات المتحدة إلى العراقيين أنفسهم. وقال دويل، قائد الكتيبة المغادرة: «لقد وصلنا إلى مرحلة يجب فيها أن يتنحى المدربون الأميركيون.. أصبح التدريب العراقي الآن لديه نوع من الاكتفاء الذاتي، كما أن الجيش العراقي يتحرك ببطء بعيدا عن مهام الشرطة. المقياس التالي هو كيفية أداء الشرطة هنا». رغم ذلك يقر مسؤولون عراقيون وأميركيون بارزون بأن قوة الشرطة أمامها طريق طويل وأن إدارة برنامج التنمية سوف تشكل تحديا كبيرا في ظل وزارة الخارجية الأميركية، التي تخصص أقل من 200 مستشار يقيمون في ثلاثة مواقع حتى يكونوا على اتصال بالمحافظات الثماني عشرة.

وعلى الرغم من انخفاض معدل العنف خلال الأعوام الخمسة الماضية، فقد زلزلت الأحداث الأخيرة ثقة الأنبار في نفسها، حيث قام مسلحون، الشهر الماضي، بقتل 22 زائرا شيعيا في غرب الأنبار، كما اعتدى متمردون على مجمع حكومي في الرمادي، عاصمة المحافظة. كذلك قام رجال يرتدون زي ضباط شرطة، الاثنين الماضي، باقتحام قسم شرطة في البغدادي، وقاموا بتفجير قنابل وأخذوا رهائن، وأبقوا السلطات بعيدا لمدة ثلاث ساعات.

وقال عيفان العيساوي، رئيس اللجنة المحلية للأمن والدفاع: «الشرطة العراقية والجيش العراقي في حاجة ملحة إلى مساعدة الولايات المتحدة، فالتدريب المتواصل ليس كافيا.. إننا نريد دعما مستمرا لقواتنا لأن تنظيم القاعدة ليس عدوا سهلا ولا يجب أن يستهان به». وقال العميد خالد الدليمي، مدير مركز التدريب، إن قوات الأمن العراقية مستعدة لحماية البلاد، لكنها لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في تقديم دعم لوجيستي ومعدات ومساعدة، من خلال مقاولين ذكر الدليمي أنهم أثبتوا أنهم غير جديرين بالثقة.

وفي الصباح الذي تلا تلك العاصفة الترابية، بدأت الكتيبة في التسلل خارج الأنبار، وسلكوا ممرا كان محفوفا بمتفجرات مزروعة على جوانب الطرقات، ومروا بنقاط تفتيش قديمة يشرف عليها الجيش العراقي. ومع مغادرة الوحدة المكونة من 800 فرد، لا يبقى إلا 2.500 جندي أميركي في قاعدة الأسد الجوية. ودار الموكب المكون من 93 سيارة حول مقر زعيم حركة الصحوة في الرمادي، أحمد أبو ريشة، الذي قال إن الأنبار عرضة للمخاطر بشكل استثنائي لأن لها حدودا تمتد لـ220 ميلا مع سوريا. ويتهم ريشة النظام السوري برعاية هجمات المتمردين الأخيرة، وذلك بهدف التشويش على القلاقل التي تحدث في سوريا. وقال: «نحترم مهمة الجيش الأميركي في مكافحة الإرهاب ونتائجها.. لكن النظام الديمقراطي الموجود الآن فشل في توفير الأمن والخدمات للعراقيين».

*خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»