«الربيع العربي» يلتهم 32 مليار دولار من احتياطيات 5 دول عربية

الاضطرابات أثرت على التحويلات والسياحة والاستثمارات الأجنبية

TT

سميت الثورات العربية من قبل مراقبين «الربيع العربي»، تيمنا بأن تكون بداية لتغيير جذري في المنطقة. ولكن ربما جاءت تلك التسمية سابقة لأوانها، فهي بدأت ربيعا لكن يبدو أنها تتحول إلى شتاء بارد تسللت قرساته إلى اقتصادات تلك الدول العربية.

وعانت مجموعة من الدول، التي تأثرت بشكل مباشر، انخفاضات حادة في صافي احتياطياتها من العملة الأجنبية، خلال الأشهر الأولى من اندلاع الثورات، لترصد «الشرق الأوسط» أن إجمالي الخسائر التي تكبدتها الدول التي شهدت اضطرابات هي: تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، وفق البيانات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من البنوك المركزية لتلك الدول، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي، وتوقعات محللين استراتجيين.. أنها فقدت ما إجماله 32 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية منذ بداية الثورات وسقوط بعض الأنظمة. ويعني احتياطي النقد الأجنبي الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط التي تحتفظ بها المصارف المركزية والسلطات النقدية، لكن يشمل المصطلح الشائع صرف العملات الأجنبية والذهب، والاحتياطي من حقوق السحب الخاصة، أو حصة الدولة في رأسمال صندوق النقد الدولي.

بينما كانت الدول المصدرة للنفط في الخليج، مثل الإمارات والسعودية والكويت، تلقى تأثيرا إيجابيا على احتياطيها من العملة الأجنبية في بنوكها المركزية وارتفاع إجمالي الناتج المحلي لاقتصاداتها، دفعت ليبيا ومصر وسوريا الثمن الأكبر. وكان المركزي الليبي يقدر الاحتياطيات الأجنبية في مارس (آذار) الماضي بما يقرب من 130 مليار دولار، بينما أشارت تقارير في ذلك الوقت إلى أن نظام القذافي لديه ما قد يصل إلى 110 مليارات دولار، تمكنه من التواصل في القتال دون الاعتماد على الطلب المتناقص على النفط الليبي لعدة أشهر؛ نظرا للعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة، لكن نظام القذافي لجأ إلى بيع احتياطيات الدولة من الذهب ليتمكن من الإنفاق على الحرب للبقاء في الحكم مواصلا المسيرة 40 عاما.

واستطاع نظام القذافي بيع ما يقرب من خمس احتياطي الذهب للإنفاق على محاولاته للبقاء في حكم ليبيا، وفقا لما ذكره تجار ذهب محليون.

وعلق لـ«الشرق الأوسط» كريسبن هيوز من «يورآسيا غروب» في لندن قائلا: «من المؤكد أن نظام القذافي كان لديه ما يزيد على 120 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، بغض النظر عما تم تجميده في دول أوروبية وأميركا، فكان دائما ما احتاطت تلك الأنظمة ليوم مطير». وأضاف أن الوضع سيختلف بشكل جذري مع الحكومة الليبية الجديدة، فسيكون بمقدرتهم التحكم في الإنفاق بشكل كبير، مقارنة بالنموذج الذي كانت تعمل به الحكومة السابقة.

ووفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، قال محافظ البنك المركزي الليبي الجديد، قاسم عزوز: إن نظام القذافي جمع أكثر من مليار دولار لدفع رواتب من خلال بيع نحو 29 طنا من الذهب لتجار محليين في أبريل (نيسان) الماضي، بينما كان من المحتمل أن المعدن الثمين كان يؤخذ خارج البلاد لإعادة البيع. بينما أشار تقرير صادر عن «جيوبوليسيتي للاستشارات» الدولية إلى أن حجم الخسائر الليبية حتى نهاية سبتمبر (أيلول) قارب 14.2 مليار دولار، وكان الانخفاض في إجمالي الاحتياطي الأجنبي من خلال بيع احتياطي الذهب بكثافة.

مصر.. ثاني أكبر المتضررين

* تأتي مصر في الترتيب الثاني لأكثر المتضررين؛ فانخفض الاحتياطي الأجنبي، وفقا للبنك المركزي، 12 مليار دولار من أعلى مبلغ سجله في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عند 36 مليار دولار. وواصل احتياطي النقد الأجنبي تراجعه ووصل بنهاية الشهر الماضي، سبتمبر، إلى 24 مليار دولار، ليدخل منطقة الخطر؛ إذ إنه لا يكفي واردات مصر السلعية لمدة 6 أشهر. ويرى المركزي المصري أن تلك الاحتياطيات لا تزال في الحدود الآمنة، فبحسب نائب رئيس البنك المركزي المصري، هشام رامز، فإن مرحلة الخطر الحقيقية للاحتياطيات الدولية تحدث عندما تكون الاحتياطيات تغطي أقل من 3 أشهر من الواردات السلعية، التي تعادل 12.5 مليار دولار بالنسبة لمصر، طبقا لأسعار السلع الأساسية والاستراتيجية التي تستوردها البلاد طبقا لمتوسطات أسعارها خلال العام المالي الماضي 2010 – 2011.

وأضاف هيوز، معلقا على الوضع المصري، أن الاقتصاد على المدى الطويل يواجه مشكلات حقيقية، وقال: «4 مصادر أساسية للدخل كلها تعتمد على عوامل خارجية، الغاز والسياحة وقناة السويس ومعدلات الاستثمار من دول الخليج بشكل كبير، ثم الاستثمارات الأوروبية والأميركية».

بينما أرجع محللون هذا التراجع إلى خروج الأجانب الحاد من الاستثمار في أذون وسندات الخزانة المصرية، فضلا عن الخروج السريع للأموال الساخنة المستثمرة بالبورصة، وزيادة الإيداعات لدى البنوك المصرية في الخارج. وقامت مصر باستخدام جزء من هذا الاحتياطي لسداد جزء من ديون مصر لنادي باريس، كما استخدمت جزءا ضئيلا منه (لا يتجاوز 300 مليون دولار) للحفاظ على سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

سوريا.. تردي الاحتياطي الأجنبي

* على الجانب السوري، فكانت البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة غاية في الضبابية، لكن تصريحات المسؤولين السوريين والقرارات التي أخذت على مدار الأسابيع الأخيرة أشارت إلى أن الوضع الاقتصادي في سوريا في حالة تردٍّ. وربما زادت العقوبات الدولية من الضغط على الاقتصاد السوري؛ لذا أعلنت وكالة الأنباء السورية أنه بنهاية سبتمبر الماضي أصدرت الحكومة قرارات بمنع استيراد المنتجات بتعريفة تزيد على 5% (حفاظا على الاحتياطي الأجنبي). وعلق وزير الاقتصاد والتجارة السوري على القرار في حينه قائلا: إنه مطبق بشكل مؤقت.

وعلق لـ«الشرق الأوسط» أوليفر جاكوب، الخبير النفطي من «بيتروماتريكس» في سويسرا، أن سوريا تواجه سلسلة من المشكلات تؤدي إلى إنفاق الاحتياطي الأجنبي لديها. وقال: «الخام السوري، مقارنة بخامات المنطقة، ليس جذابا على الإطلاق، وعليها أن تبيع بأسعار مخفضة جدا حتى تجد من يشتري، أضف لذلك أن تجربة الخام على المصافي التي ستشتري الخام السوري قد تأخذ عدة شهور على أقل تقدير». وتنتج سوريا نحو 385 ألف برميل يوميا، وكانت أوروبا تستورد ما يصل إلى 150 ألف برميل يوميا من النفط السوري.

ويصعب تقييم ما لدى المركزي السوري من احتياطيات من العملة الأجنبية؛ نظرا للنقص الشديد في الإعلان من قبل المركزي السوري.

ونفى وزير المالية السوري، مؤخرا، أن يكون للعقوبات المفروضة على سوريا تأثير يذكر؛ إذ أكد أن لديها 18 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، مما يكفي لجميع الواردات المطلوبة لمدة عامين. وأفاد هيوز مرة أخرى في هذا الصدد قائلا: «ربما تستطيع الحكومة السورية تضييق حجم الإنفاق إلى الحد الأدنى واستيراد المنتجات الأساسية فقط، وبذلك قد يكفيها ما تمتلك من احتياطيات أجنبية لمدة عامين؛ نظرا لأنه اقتصاد صغير حتى لم يكن للأزمة المالية تأثير يذكر عليه».

السياحة ضربت احتياطيات تونس

* وتأثر أداء الاقتصاد التونسي بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) بتراجع مداخيل القطاع السياحي الذي يعد أهم مصدر من مصادر توفير العملة الأجنبية، كما أثر انخفاض الصادرات التونسية على الأسواق الأوروبية التقليدية، خاصة في ميدان الصناعات المعملية والخدمات، بفعل تخريب عدد كبير من المؤسسات الإنتاجية على الميزان التجاري، كما عرفت البلاد تراجعا كبيرا على مستوى الاستثمار الخارجي المحلي والأجنبي.

وسجل حجم الاحتياطي الأجنبي شبه استقرار، مقارنة بشهر أغسطس (آب) الماضي، ليبلغ بتاريخ 26 سبتمبر 10.850 مليون دينار تونسي (7.61 مليار دولار)، أي ما يعادل 120 يوما من التوريد. وكان حجم الموجودات الصافية من العملة الأجنبية في شهر أغسطس الماضي مقدرا بنحو 11.067 مليون دينار تونسي، أو ما يعادل 123 يوما من التوريد، وذلك مقابل 147 يوما في نهاية سنة 2010.

وبلغ يوم 26 يوليو (تموز) الماضي 10.647 مليون دينار تونسي، أو ما يعادل 118 يوما من التوريد، مقابل 147 يوما في نهاية سنة 2010. وكان الاحتياطي من العملة الأجنبية في حدود 12.259 مليون دينار، أو 139 يوما من التوريد في 24 فبراير (شباط) الماضي. وكان حجم السياحة من السوق الأوروبية قد تراجع خلال الصيف الماضي بنسبة تفوق النصف (53%) مقابل 41% للسياح الوافدين من دول المغرب، خصوصا الليبيين والجزائريين.

بينما تراجعت نسبة الحجوزات لموسم الصيف في يوليو وأغسطس وسبتمبر إلى النصف (52%) مقابل 70% قبل 3 أشهر، وهو ما أثر بصفة كبيرة على حجم العملات الأجنبية في البلاد. ويزور تونس سنويا نحو 7 ملايين سائح من بينهم مليونا ليبي ومليون جزائري. ويمثل القطاع السياحي 7% من إجمالي الناتج القومي التونسي ويؤمن وظائف لنحو 400 ألف شخص.

الإمارات استفادت من قفزة أسعار النفط

* بلغت موجودات المصرف المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول من العام الحالي ما قيمته 44.2 مليار دولار مقابل 22.6 مليار دولار بنهاية مايو (أيار) 2010 بنمو سنوي بلغت نسبته 95.7%، وفقا لأحدث إحصاءات المركزي الإماراتي. في حين كانت موجودات المصرف المركزي من الأصول الأجنبية والذهب قد قفزت إلى 31.6 مليار دولار بنهاية العام الماضي بمعدل نمو سنوي بلغت نسبته نحو 30%، بينما يعكس هذا النمو الاستثنائي لموجودات المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول المتزامن مع ما بات يعرف بالربيع العربي، علاقة عضوية مع تصاعد تلك الأحداث. ووفقا للتقرير السنوي للمصرف المركزي لعام 2010 المنشور على الموقع الإلكتروني الرسمي للمصرف المركزي الإماراتي فإنه فيما يتعلق بتطور استثمارات المصرف المركزي فقد ارتفع إجمالي موجودات المصرف المركزي بالعملة الأجنبية بنسبة 19% خلال العام الماضي؛ حيث بلغ 41 مليار دولار، وكان التقرير قد أشار إلى أن استثمارات المصرف المركزي في الأوراق المالية والسندات الحكومية وأذون الخزانة عالية التصنيف بلغت 68.4 مليار درهم بنهاية 2010.

ويعتبر يعقوب نسيبة، رئيس جمعية المحللين الماليين في الإمارات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الارتفاع الكبير الذي شهدته أصول ممتلكات المركزي الإماراتي من الأصول الأجنبية خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها لها علاقة مباشرة بالربيع العربي، لكن لا نستطيع أن نقدر نسبة هذا التأثير، خاصة أن الوضع الاقتصادي عالميا وإقليميا لا يمكن مقارنته بين العامين 2010 و2011؛ فالوضع الاقتصادي في العام الحالي كان أفضل من الوضع من عام 2010 بشكل واضح، وهذا عامل تأثير مهم، إضافة إلى الأمر الذي بات يعرفه الجميع، وهو أن الإمارات تستفيد من الوضع إجمالا بحكم المناخ الاقتصادي والسياسي الآمن، على اعتبار أن معظم الدول العربية متأثرة بما يعرف بالربيع العربي، واليوم هناك ثقة أكبر بالاقتصاد ولكن مدى تأثير الربيع العربي لا يمكن تقدير نسبة لذلك».

احتياطيات المغرب إلى 21 مليار دولار

* انخفض احتياطي البنك المركزي المغربي من العملات الأجنبية إلى 21 مليار دولار خلال الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، بينما هبط مستوى احتياطي المصارف المغربية من العملات الأجنبية إلى أقل من 50 مليون دولار بعد أن كان يتجاوز 2.5 مليار دولار قبل 3 سنوات. ولم يعد الاحتياطي المغربي من العملات الأجنبية يغطي سوى 5 أشهر من الواردات، بعد أن كانت قيمته تعادل 10 أشهر من الواردات في 2007. وعرف احتياطي المغرب من العملات الأجنبية تدهورا متواصلا خلال الـ3 أعوام الماضية، بسبب ارتفاع تكلفة الواردات نتيجة غلاء الطاقة والمنتجات الغذائية وتردي العجز التجاري للبلاد، في الوقت الذي شحت فيه الاستثمارات الخارجية وتراجعت موارد السياحة وتحويلات العمال المهاجرين على خلفية الأزمة المالية العالمية.

فمن 26.5 مليار دولار نهاية 2008 نزل حجم الموجودات الخارجية للمغرب بفعل الأزمة العالمية إلى 23.7 مليار دولار في ظرف سنة، ثم إلى 22.8 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2010، ليهبط دون مستوى 21.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر من السنة الحالية.

وتوقعت لجنة تابعة لصندوق النقد الدولي في تقرير لها الشهر الماضي أن يقل مستوى الاحتياطي الأجنبي للمغرب خلال السنة الحالية عمَّا يعادل تغطية قيمة 5 أشهر من الواردات. وأشار التقرير إلى أن عودة النمو للصادرات المغربية، خاصة الطفرة التي تعرفها صادرات الفوسفات ومشتقاته، بالإضافة إلى ارتفاع تحويلات العمال المهاجرين وزيادة المداخيل السياحية لن تكون كافية لموازنة الارتفاع القوي لأسعار النفط والأغذية في الأسواق العالمية.

وأعلنت الحكومة المغربية عن خطط جديدة لإنعاش الصادرات، تهدف للدفاع عن مكتسبات المغرب في أسواقه التقليدية في أوروبا مع إطلاق سياسة توسعية جديدة في اتجاه الأسواق الجديدة في أفريقيا وآسيا. وصرح عبد اللطيف معزوز، وزير التجارة الخارجية المغربي، بأن هذا المخطط يهدف إلى تقويم الميزان التجاري المغربي في أفق 2015، اعتمادا على التطور الذي حققه المغرب في سياق تنفيذ مخططات التنمية القطاعية التي أطلقها في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات صناعة السيارات، والصناعات المرتبطة بالطائرات، وترحيل الخدمات (أوفشورينغ)، والسياحة، والمخطط الأخضر للنهوض بالزراعة.

وعبر البنك المركزي، خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الإداري في سبتمبر الماضي، عن قلقه من التراجع القوي لمستوى الاحتياطي الأجنبي للمغرب. غير أنه أشار إلى أن المغرب لا يزال يتوافر على هامش مهم، خاصة أن حجم مديونيته الخارجية لا يزال في مستويات معقولة وتسمح له بإمكانية اللجوء للسوق المالية الدولية في وضع جيد.وبلغ حجم الدين الخارجي للمغرب 11.9 مليار دولار في منتصف العام الحالي، مقابل 11 مليار دولار في نهاية 2010، و10 مليارات دولار في نهاية 2009. وأصبحت المديونية الخارجية للمغرب تمثل 12.1% من حجم الإنتاج الداخلي الخام للبلاد. وتتوزع هذه المديونية حسب المصدر، بين المؤسسات المالية الدولية بنسبة 50%، والسوق المالية الدولية بنسبة 15.5%، والاتحاد الأوروبي بنسبة 22.7%، والدول العربية بنسبة 2.1%، والحصة الباقية من دول أخرى في إطار معاهدات ثنائية.

وحسب العملات تتشكل المديونية الخارجية للمغرب بنسبة 11% من الدولار، و76.5% من اليورو، و3.5% من الين، و9% عملات أخرى.

* شارك في التغطية

* الدار البيضاء: لحسن مقنع - تونس: المنجي السعيداني - القاهرة: شريف اليماني - دبي: محمد نصار