إعلان تحرير ليبيا من القذافي.. وعبد الجليل يتعهد بدولة ملتزمة بـ«الشريعة الإسلامية»

«شلوف» أقوى المرشحين للحكومة الليبية يلتقي بقيادات الثوار في طرابلس.. ويرفض تقسيم المناصب على أسس قبلية

احتفالات الليبيين عقب الإعلان رسميا عن تحرر البلاد في بنغازي أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي، تحرير ليبيا بالكامل في تأكيد على انتهاء حكم العقيد معمر القذافي.. وتعهد عبد الجليل باحترام الشريعة الإسلامية والعمل على المصالحة الوطنية والاحتكام إلى القانون.

وبدأت أنظار الليبيين أمس تتجه إلى تشكيل الحكومة المؤقتة التي سيكون على عاتقها تهيئة البلاد لانتخابات برلمانية ووضع دستور جديد خلال ثمانية أشهر من تشكيلها، في وقت بدأت فيه المنافسة على رئاسة هذه الحكومة بين عدة شخصيات، أصبح من أبرزها حاليا الدكتور الهادي شلوف، وهو رجل قانون دولي، استقبلته كتيبة من الثوار على الحدود التونسية الليبية لدى عودته مؤخرا إلى الوطن، حيث التقى بعدد من قيادات الثوار في طرابلس، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه بحث مع قادة للثوار طرق حمايتهم من الملاحقة القانونية مستقبلا جراء مشاركتهم في الثورة، مشددا على رفض تقسيم المناصب على أسس قبلية.

وبدأ عبد الجليل كلمة المجلس الانتقالي بالسجود على أرض الميدان شاكرا الله على الإطاحة بنظام معمر القذافي، ومناشدا الحضور بعدم إطلاق النار ابتهاجا بالتحرير، وقال إن ليبيا بدأت بذلك مرحلة انتقالية جديدة في عمرها تنطلق من خلالها إلى الحكم الديمقراطي. ودعا إلى المصالحة الوطنية والاحتكام إلى القانون، في خطاب أمام عشرات الآلاف من الليبيين في احتفال بإعلان تحرير البلاد بعد انتهاء حكم القذافي الذي استمر 42 عاما.

وقال عبد الجليل: «أدعو الجميع إلى التسامح والعفو والصلح، ونزع الحقد والبغضاء والكراهية من النفوس أمر ضروري لنجاح الثورة ولنجاح ليبيا المستقبل»، مضيفا: «أدعو كل الليبيين إلى الاحتكام إلى القانون ولا شيء غير القانون، وعدم أخذ القوة أو الحق بالذات.. ما عليكم إلا الصدق والصبر والتسامح، ونحن نسعى إلى أمن وطني منظم، وإلى جيش وطني يحمي الحدود الوطنية».

وتعهد رئيس المجلس الوطني الانتقالي باحترام الشريعة الإسلامية، وقال: «نحن كدولة إسلامية اتخذنا الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، ومن ثم فإن أي قانون يعارض المبادئ الإسلامية للشريعة الإسلامية فهو معطل قانونا».

وشكر عبد الجليل الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعمهم الانتفاضة التي انتهت بمقتل القذافي يوم الخميس الماضي، قائلا إن جميع الشهداء والمدنيين والجيش انتظروا هذه اللحظة. وأضاف أنهم الآن في مكان أفضل وهو جنة الخلد، قائلا لعشرات آلاف الليبيين الذين تجمعوا في مدينة بنغازي بشرق ليبيا حيث اندلع القتال ضد القذافي في فبراير (شباط) الماضي: «هذه الثورة بدأت سلمية»، مضيفا أنها قوبلت بالعنف.

وجاء في كلمته التي ألقاها على الشعب الليبي أن «كفاح الليبيين ضد معمر القذافي كان بدأ منذ انقلاب 1969، ولكن اللحظة لم تحِن إلا هذا العام»، مشيرا إلى أن ليبيا تسعى إلى وجود أمن وطني منظم ومقنن، وجيش وطني يحمي الحدود والوطن، لافتا إلى أنه سيتم ترقية استثنائية لكل أفراد الجيش الوطني والشرطة والأمن الليبي والمدنيين من الثوار الذين شاركوا في قتال الطاغية ومرتزقته، ولافتا أيضا إلى أن الشكر لله يكون بالتكبير والسجود ولا يكون بإطلاق النار في الهواء لأنه محرم شرعا.

ولتهدئة الأوضاع بعد مقتل القذافي، قال عبد الجليل: «أدعو الجميع إلى السير في الطريق القويم، أموالنا وأعراضنا ودماؤنا حرام، التسامح ونبذ العنف والحقد أمر ضروري لنجاح الثورة، أدعو كل الليبيين إلى الاحتكام إلى القانون ولا شيء سوى القانون، ما عليكم إلا بالصدق والصبر والتسامح».

ودعا رئيس المجلس الانتقالي الوطني جموع الشعب الليبي إلى منع إطلاق النار في الهواء، والبدء في جمع السلاح وتسليمه إلى مخازن الجيش الوطني، مشيرا إلى أن إحدى كتائب مدينة بنغازي فازت بشرف كونها أول من سلم الأسلحة إلى الجيش الوطني الليبي.

وقدم عبد الجليل خلال كلمته التعازي للشعب السعودي في وفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، الذي وافته المنية إثر مرض عانى منه، وقدم التعازي للشعب التركي في سقوط مئات القتلى جراء الزلزال، وأعرب عن أمله في أن يوفق الله الشعبين السوري واليمني وينصرهما.

وبعد انتهاء كلمة عبد الجليل بدأ الجدل يدور في ليبيا حول موعد تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة التي سيكون على عاتقها تهيئة البلاد لنظام ديمقراطي كامل، وما زالت فرص الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة تنحصر بين أربعة أسماء، هم: محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي (حكومة تسيير الأعمال، وذو توجه ليبرالي)، وعبد الرحمن السويحلي (من مصراتة، وذو توجه إسلامي)، ومحمد الحريزي عضو المجلس الانتقالي (ذو توجه إسلامي)، والهادي شلوف وهو رجل قانون دولي (ذو توجه مستقل)، وهو الذي قال لـ«الشرق الأوسط» عقب استقبال كتيبة من الثوار له لدى وصوله ليبيا عبر الحدود مع تونس: «أهنئ الشعب الليبي والأمة العربية والإسلامية بهذه المناسبة، وأقول إنها مناسبة تاريخية أن نحتفل بانتهاء أي ديكتاتور».

ويقول المراقبون إن فرص شلوف في تولي رئاسة الحكومة زادت عن ذي قبل بعد أن تعهد رئيس الحكومة الحالي جبريل بعدم الترشح مرة أخرى، وكذا بعد أن انشق فريق من قيادات مصراتة عن ترشيح السويحلي، مع ضعف فرص المحرزي. وشدد شلوف في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» مساء أمس على عدة نقاط قال إنه ناقشها مع قيادات من الثوار في طرابلس ويسعى لبحثها مع قيادات أخرى في مصراتة وسرت وبنغازي والزنتان (مسقط رأسه وقبيلته)، ومن بين هذه النقاط «الوصول إلى مصالحة وطنية عامة تكون مع جميع المناطق الليبية ومع جميع من كان مع النظام ولم يرتكبوا انتهاكات»، لكن «على شرط أن يكون هناك إجراءات ومحاكمات لكل من ارتكب جرائم»، و«لا يمكن أن تتم المصالحة ولا يمكن أن يكون هناك عفو عام ولا خاص إلا عن طريق القضاء.. عن طريق البرلمان وعن طريق قوانين محددة».

ومن النقاط الأخرى التي بحثها شلوف مع قيادات من الثوار والوجهاء الليبيين في طرابلس «موضوع الأسلحة.. منذ البداية قلت إنه يوجد سلاح لا يشكل خطورة بقدر ما تشكله عدم وجود قوة لحماية الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.. سنتجه ليس لسحب الأسلحة، ولكن لدعوة حمَلة الأسلحة من الثوار إلى الانضمام إلى الجيش والأمن». وأضاف أنه خرج من أول لقاء سريع يعقده مع قيادات من طرابلس بأنه «يجب مناقشة موضوع الأسلحة مع الثوار بطريقة علمية ويجب إعطاؤهم حوافز مالية لإعادة الأسلحة للدولة. تناقشت في هذا مع عدد من قادة الثوار، وسيكون لدي لقاء مع عبد الحكيم بلحاج (رئيس المجلس العسكري بطرابلس) قريبا، وكذا مع ثوار الزنتان ومصراتة وبنغازي».

وقال شلوف: «أوضحت لهم أننا يجب أن نكون واقعيين وأن نحتكم إلى العقل، وأنه لا يمكن ترتيب البيت من الداخل إلا بعقول ناضجة.. نحن نقدر كل مجهوداتهم، لكن لا بد من وقفة حتى لا نجد أنفسنا في حالة واقعية تمنعنا من بناء دولة القانون».

وقال شلوف عن فرص فوزه برئاسة الحكومة وعن منافسيه الآخرين: «لا أدرى إن كان هناك مرشحون أو منافسون من القبائل.. لكن ما يمكن أن أقوله هو أنني أريد أن أعمل للدولة الليبية، بينما هناك آخرون ينطلقون من منطلق قبلي».

وينتمي شلوف الذي عمل لسنوات في الخارج، خصوصا بريطانيا، إلى قبيلة الزنتان التي شاركت بقوة في الإطاحة بالقذافي، وما زال المئات من ثوارها بأسلحتهم يرفضون مغادرة طرابلس. وقال شلوف: «لا يمكن أن أكون رئيس وزراء لمجرد أنني من قبيلة الزنتان. أنا منذ البداية فضلت أن أكون مستقلا.. أقول للجميع إن الحكومة برئاستي سوف تشمل كل الليبيين وكل الاتجاهات الآيديولوجية، وفق قاعدة الكفاءة».

وأضاف أنه بعد مناقشات مع قيادات من الثوار في طرابلس قرر الدعوة إلى حل مشكلة ما سماه «المسؤوليات المتعلقة بالثوار»، حتى لا يتعرضوا مستقبلا للملاحقة الجنائية وفقا لقانون العقوبات الليبي الحالي الذي يمكن أن ينظر إليهم باعتبارهم «ارتكبوا جرائم»، مشيرا إلى أن أيا من المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي (حكومة تسيير الأعمال) لم يلتفتوا إلى هذه النقطة التي يمكن أن تحمي الثوار، وقال: «لا بد من قانون مؤقت يعطي حماية للثوار مما قاموا به في أيام الثورة، حتى لا يلاحقهم أحد بما سيؤدي إلى انتقامات وصراعات»، ولذلك «أدعو لقانون يعطي حصانات للثوار.. تحدثت في هذا مع الكثير من الثوار والقانونيين في طرابلس وأوضحت لهم أن هناك مخاطر يجب علينا أن نتداركها بسرعة».

ودعا شلوف للتعجيل بتشكيل الحكومة المؤقتة، بعد أن أعلن عبد الجليل أمس تحرير ليبيا، قائلا إنها «مسألة أساسية.. ونحن ندعو للتعجيل، ويجب أن يتم تشكيل هذه الحكومة في أقل من شهر، ويجب أن يتم التشاور مع الجميع من أجل اختيار كفؤ، ونحن ضد ما قاله عبد الجليل من أن الأولوية لمن قاموا بالقتال ضد قوات القذافي سواء من مصراتة أو الزنتان.. لا يمكن أن نكون كدولة حديثة معتمدين على القبيلة، ولكن ما أراه هو أن يتم تعيين الأشخاص وفقا للكفاءة.. أنا من قبيلة الزنتان لكن رفضت أن أكون مرشحا للزنتان أو أي جهة معينة، وإنما أنا مرشح لجميع الليبيين».