تونس: الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات غدا.. ونسبة المشاركة قاربت 70%

اقتراع أمس مر وسط مزيج من مشاعر الفرح والفخر والتأثر

ناخبون تونسيون يقفون في طابور طويل في انتظار دورهم للاقتراع في حي المنزه في تونس العاصمة أمس (ا.ب)
TT

أعلن كمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، بعد ظهر أمس أن النتائج الرسمية لانتخابات المجلس «سيعلن عنها يوم الثلاثاء، وليس الاثنين كما أعلن في وقت سابق».

وقال الجندوبي، في مؤتمر صحافي في تونس العاصمة: «سنحاول معرفة النتائج اعتبارا من الاثنين (اليوم)، لكن النتائج الرسمية سيتم الإعلان عنها بعد ظهر يوم الثلاثاء». وأشار إلى «حدوث بعض التجاوزات خلال عملية الاقتراع».

وأدى تواصل توافد الناخبين على مكاتب الاقتراع قبل ساعة ونصف الساعة من الموعد المقرر لغلق مكاتب التصويت في الساعة 19:00 (18:00 ت غ) إلى جانب بعض المشاكل الفنية، إلى جعل عملية فرز الأصوات تتأخر.

وقالت سعاد التريكي، نائبة رئيس الهيئة المستقلة، لوكالة الصحافة الفرنسية «سنفعل ما بوسعنا، لقد توافد الناس بأعداد غفيرة ولا يزال ينتظرنا عمل كبير».

إلى ذلك، أعلن الجندوبي أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت قبل ساعتين ونصف الساعة من الموعد المقرر لغلق مكاتب التصويت قاربت الـ70 في المائة».

وأوضح الجندوبي أن المعدل الوطني لنسبة المشاركة يقترب من 70 في المائة، وأن نسبة المشاركين في التصويت فاقت 80 في المائة في بعض الدوائر الانتخابية.

وأضاف أن عملية التصويت تتواصل بشكل مكثف. وتابع «لم يتمكن التونسيون من الاحتفال بالثورة في 14 يناير (كانون الثاني)، تاريخ تنحي بن علي، ولكنهم يقومون بذلك اليوم (أمس) من خلال التصويت بكثافة». وأضاف «لقد جعلوا من يوم الاقتراع يوم احتفال».

وكانت عملية الاقتراع قد انطلقت صباح أمس في مختلف المدن والقرى التونسية، وسط مزيج من مشاعر الفرح والفخر والتأثر، وذلك وسط توقعات بأن يحقق فيها الإسلاميون أفضل نتيجة، وذلك بعد تسعة أشهر من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب لاختيار 217 عضوا في مجلس تأسيسي، تعود بانتخابهم الشرعية لمؤسسات الدولة ولوضع دستور جديد لـ«الجمهورية الثانية» في تاريخ تونس المستقلة.

وقال حسين الخليفي (62 عاما)، الذي صوت أمس في مكتب انتخاب بوسط العاصمة، وجاء قبل ساعة من موعد فتح المكتب، لوكالة الصحافة الفرنسية «لم أغمض عيني طوال الليل. أنا سعيد للتصويت في انتخابات حرة للمرة الأولى في حياتي». وأضاف، وقد غلبه الدمع، أن «تونس تهدي العالم بأسره اليوم باقة حرية وكرامة».

وفي وسط العاصمة كما في ضواحيها اصطف مئات الأشخاص أمام مكاتب الاقتراع في تلهف على أداء واجبهم ولكن في نظام. وفي مركز اقتراع بالمدرسة الابتدائية ببنعروس بالضاحية الجنوبية للعاصمة أطلقت نسوة زغاريد ابتهاج. وقال توفيق بلخادم (50 عاما): «هذا يوم انتهاء الظلم والاستبداد في البلاد».

أما عثمان العباسي (96 عاما) فتذكر ما كان يحدث منذ أكثر من خمسين عاما في انتخابات تونس، وقال «انتخبوا لي في الماضي وأنا اليوم من ينتخب، أشعر بنخوة لا توصف».

أما فوزية (21 عاما)، وهي طالبة فقالت في غبطة بادية «هذه أول مرة أعطي فيها صوتي، هذا يوم تاريخي وعرس بالنسبة لي».

واعتبرت انتخابات أمس مصيرية في تونس. لكنها بالغة الأهمية أيضا لمستقبل الربيع العربي، حيث إن نجاحها سيوجه رسالة حاسمة للجماهير العربية التي انتفضت على حكامها إثر «ثورة الكرامة والحرية» في تونس.

ومن الرهانات الأساسية في هذه الانتخابات النسبة التي سيحصل عليها حزب النهضة الإسلامي والمقربون منه وأبرز قوى الوسط واليسار، وهو ما سيحدد موازين القوى في المجلس التأسيسي وخريطة التحالفات فيه، وبالتالي مستقبل السلطة والمعارضة في تونس.

كما تشكل نسبة المشاركة في الانتخابات أحد رهانات هذا الاقتراع وأحد ألغازه في بلد اعتاد منذ استقلاله في 1956 على انتخابات معروفة النتائج سلفا كانت تنظمها وزارة الداخلية.

ويختار الناخبون أعضاء المجلس التأسيسي الـ217 من بين أكثر من 11 ألف مرشح موزعين على 1517 قائمة تمثل 80 حزبا سياسيا و«مستقلين» (40 في المائة).

ورغم مبدأ المناصفة في القوائم بين الرجال والنساء فإن رئيسات القوائم الانتخابية لم تزد نسبتهن على 7 في المائة.

وتم نشر أكثر من أربعين ألف عنصر من الجيش وقوات الأمن لتأمين الاقتراع الذي يتابعه أكثر من 13 ألف ملاحظ محلي وأجنبي.

وكانت الانتخابات فقدت كل معنى لها في ظل حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1956-1987) ولم تكن إلا إجراء شكليا في عهد بن علي (1987-2011) الذي كان يعاد انتخابه المرة بعد الأخرى بنسب تتجاوز الـ90 في المائة. وقالت سالمة الشريف (48 عاما) التي تصوت في «ميتوال فيل» قرب العاصمة «إنه حدث عظيم، وهي المرة الأولى في حياتي التي أصوت فيها. في السابق كانت الانتخابات مهزلة».

وللمرة الأولى في تاريخ تونس تشرف هيئة عليا مستقلة للانتخابات على العملية الانتخابية بدلا من وزارة الداخلية.

وكان الجندوبي دعا أول من أمس (السبت) التونسيين إلى الإقبال بكثافة على التصويت. وقال «فكروا في تونس ومستقبل تونس العظيمة، وفي شهداء الثورة الذين سمحوا لنا بأن نعيش هذا اليوم العظيم. إنه يوم تاريخي يظهر فيه الشعب التونسي قدرته على رفع تحديات التاريخ».

ويتحقق هذا اليوم التاريخي في تونس بعد «ثورة الحرية والكرامة» التي أطلق شرارتها في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي محمد البوعزيزي، البائع المتجول الشاب في سيدي بوزيد (وسط غرب) في حركة احتجاجية يائسة تحولت إلى ثورة شعبية أطاحت بنظام بن علي في 14 يناير الماضي.

ويبدو حزب النهضة الإسلامي أكثر المستفيدين من الثورة بعد القمع الذي عانى منه أنصاره في عهد بن علي، فتم الاعتراف به في مارس (آذار) الماضي، ليعيد تنظيم صفوفه سريعا ويتصدر نيات التصويت بحسب الكثير من المتابعين.

ويؤكد الحزب أنه مع إسلام معتدل وأنه لن يمس بمكاسب تونس الحداثية، وخصوصا قوانين المرأة، كما وعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية إذا حاز الأغلبية. ورغم عجزها عن الاتفاق على تشكيل جبهة ضد الإسلاميين، فإن أحزاب اليسار الكبرى وعدت باليقظة الدائمة للدفاع عن الحريات المكتسبة وقوانين المرأة التقدمية.