الأمير سلطان.. مهندس أهم اتفاقية حدود شهدها القرن الحالي

«مدينة الإخاء الاقتصادية» الحلم السعودي ـ اليمني الذي رعاه الأمير سلطان رحمه الله

حشد من الامراء والمواطنين خلال تأدية الصلاة على الأمير سلطان بن عبد العزيز في مسجد الإمام تركي بن عبدالله في الرياض أمس (إ.ب.أ)
TT

وصفت اتفاقية الحدود بين السعودية واليمن، التي يبلغ طولها 1791 كم، بأهم اتفاقية حدود وقعت في هذا القرن، وكان بطلها ومهندسها الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، الذي وصف اللحظات الأخيرة لتوقيع هذا الاتفاق قائلا «جلسنا لمدة 41 ساعة، وخرجنا باتفاق شامل، بحرا وجوا وبرا، بكل نفس رفيعة عندما جاء الوجه بالوجه، وناقشنا المسألة بكل أمانة وإخلاص في جلسة واحدة بدأت من المغرب مع الملك ثم بعدها من الساعة الـ10 اجتمعنا برئاسة ولي العهد مع فخامة الرئيس علي عبد الله صالح حتى الفجر، وأكمل فريق آخر المهمة إلى الظهر، وأنهيناها وتم توقيع الاتفاقية».

وقال الفريق الركن زميم بن جويبر السواط مدير عام حرس الحدود لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، استطاع أن يحمل ويدير أهم الملفات السياسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية، ألا وهو ملف ترسيم الحدود السعودية - اليمنية، حيث تولى الأمير سلطان الإشراف على هذا الملف، وقام بالكثير من الزيارات المهمة التي بذل فيها جهودا جبارة بتوجيه من الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، وقد تكللت تلك الجهود بالتوفيق والنجاح ونتج عنها توقيع معاهدة الحدود الدولية بين المملكة واليمن برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، التي أنهت عدة عقود من الخلافات الحدودية بين البلدين».

وقال الفريق الركن زميم السواط بأن «الأمير سلطان، رحمه الله، يمتاز بشخصية قيادية وإنسانية، وسياسي محنك من الدرجة الأولى، فقد عاصر أحداثا تاريخية مهمة، مثل حرب 67 وحرب 73 وحروب الخليج الثلاث، وقد تجلت حكمته في التعامل مع هذه الأحداث، وهناك موقف تاريخي له عندما أعلن، يرحمه الله، تطوعه في الحرب عام 1956م مع مجموعة من إخوانه، منهم الملك فهد، يرحمه الله، والأمير عبد المحسن، يرحمه الله، والأمير مشعل والأمير نايف والأمير سلمان، يحفظهم الله جميعا، وذلك إبان العدوان الثلاثي على مصر، وسيبقى هذا الموقف لسموه خالدا في هامة التاريخ المعاصر».

وأضاف الفريق الركن زميم السواط «برحيل الأمير سلطان فقدت الأمة رجلا عظيما ساهم في بناء حضارتها، وكان له في كل موقع بصمة واضحة تخلد ذكراه العطرة، فكيف ينسى من كانت هذه سيرته وسجاياه، فلست وحدي من يقول لن ننساك يا سلطان الخير».

وكان للأمير سلطان بن عبد العزيز صولات وجولات على مستوى العلاقات السعودية - اليمنية، أسهمت بشكل كبير في تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين، وكان أبرز ثمارها اتفاقية ترسيم الحدود السعودية - اليمنية، البرية والبحرية، التي كانت تحتاج إلى شخصية بحجم الأمير سلطان لإتمامها، بالإضافة إلى تبنيه مشروع مدينة الإخاء في الوديعة.

وقال الدكتور عبد الله بن مرعي بن محفوظ، رئيس الجانب السعودي في مجلس الأعمال السعودي - اليمني، بأن «مشروع مدينة الإخاء الاقتصادية المشتركة في الوديعة حظي بدعم وافر من الأمير سلطان بن عبد العزيز، فهو رجل سياسي محنك وذو نظرة بعيدة المدى تعود بالفائدة على البلدين، وسيكون لها مردود اقتصادي كبير، وسنجني ثمار هذا المشروع، الذي تبناه المغفور له بإذن الله عند بدء تشغيله، فهو يهدف إلى المساهمة في تحقيق أهداف التكامل الاقتصادي المشترك ما بين السعودية والجمهورية اليمنية في الفترة الأولى، ولاحقا تحقيق التكامل الاقتصادي ما بين اليمن وجميع دول الخليج، وتحقيق أهداف التنمية المستديمة لكلتا الدولتين، عن طريق زيادة حجم التبادل التجاري المشترك بين البلدين، وأيضا زيادة حجم التبادل التجاري المشترك ما بين البلدين مع باقي دول العالم، وزيادة حجم الاستثمارات المشتركة السعودية - اليمنية، والمشاريع الخليجية والعربية والعالمية، وتنفيذ أهداف التنمية الإقليمية لكلتا الدولتين عن طريق تطوير المناطق المحيطة بهذه المنطقة، والمساعدة على تحقيق نمو سكاني كبير لسكان تلك المناطق، وزيادة دخل الفرد، وتقليل نسبة البطالة، ورفع نوعية الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، وتطوير منطقة الربع الخالي، التي كشفت الأبحاث عن وجود كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي بها، وتقديم الدعم اللوجيستي المطلوب للشركات العالمية التي تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز في الربع الخالي».

وأضاف الدكتور عبد الله بن محفوظ أن «المساحة الإجمالية لهذه المدينة الاقتصادية تقدر بـ40 مليون متر مربع، بحيث تقوم كل دولة بمنح مساحة 20 مليون متر مربع من أراضيها لهذا المشروع»، مشيرا إلى أنه سوف تقسم المنطقة الاقتصادية إلى عدد من المناطق الداخلية (Zones)، وخاصة منطقة للصناعات الخفيفة ومنطقة صناعات دعم لوجيستية ومنطقة للمستودعات والتخزين والتعبئة ومنطقة تطوير أعمال ومنطقة خدمات إدارية ومنطقة تقنية.

ويعتبر موقع مدينة الوديعة مهما لكلتا الدولتين، فمن الجانب السعودي تبعد مدينة الوديعة عن محافظة شرورة بنحو 60 كلم وتبعد عن مدينة نجران بـ350 كلم، وعن مدينة جازان بمسافة 600 كلم، ومن الجانب اليمني تبعد مدينة الوديعة عن ميناء المكلا بمسافة 460 كلم كذلك تبعد عن مدينة صنعاء بمسافة 500 كلم وعن ميناء عدن بمسافة 500 كلم.

وأشار بن محفوظ إلى أن مدينة الإخاء الاقتصادية في الوديعة ستكون محددة مكانيا، بحيث تقع في الحدود المشتركة لكلتا الدولتين، تفصلها أسوار عن المناطق المحيطة بها في كلتا الدولتين، وستكون منطقة اقتصادية ذات شخصية قانونية واعتبارية وباستقلال مالي وإداري، وسوف تقع خارج حدود المنطقة الجمركية لكلتا الدولتين، أي في المنطقة المحايدة المشتركة لكلتا الدولتين في منفذ الوديعة، وسيتم السماح داخل هذه المدينة الاقتصادية الحرة بحرية التنقل والعمل لمواطني الدولتين من دون أي قيود لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة بكلتا الدولتين، كما سيتم السماح داخل هذه المدينة بإنتاج واستيراد وصناعة وتخزين كافة أنواع البضائع دون قيد، وتكون معفاة من كافة الرسوم الجمركية والضريبية لكلتا الدولتين، بهدف تحفيز وجذب الاستثمارات واستغلال الموارد الطبيعية، وتنشيط حركة التبادل التجاري بين البلدين.

وبيّن الدكتور عبد الله بن محفوظ أن مشروع المدينة يهدف إلى تسهيل انسياب الحركة التجارية، وانتقال السلع من دون عوائق، مما يسهم في تفعيل وزيادة حجم التبادل التجاري المشترك وحجم الاستثمارات السعودية - اليمنية المشتركة بين البلدين، كما يهدف إلى تنفيذ أهداف التنمية الإقليمية لكلتا الدولتين، عن طريق تطوير المناطق المحيطة بهذه المدينة، والمساعدة على تحقيق نمو سكاني، وزيادة في دخل الفرد، مضيفا أن مشروع إنشاء هذه المدينة الاقتصادية سيساهم في تقديم قيمة اجتماعية واقتصادية وسياسية مضافة لكلتا الدولتين، كما سيعمل المشروع على أن تتميز هذه المدينة الاقتصادية عن باقي المدن الاقتصادية بتركيزها على العنصر البشري، حيث إن المناطق الحدودية للبلدين يسكنها قبائل رحل تعتمد على تجارة غير منظمة في مهن مثل تهريب البضائع، وفي الزراعة وتربية المواشي، وتنتشر فيها نسبة البطالة والأمية العالية.

واستطرد بن محفوظ أن مدينة الإخاء الاقتصادية في الوديعة تتميز عن باقي مشاريع المدن الاقتصادية السعودية بأنها ستعمل على تحقيق الهدف الاستراتيجي للحكومتين السعودية واليمنية، بزيادة تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى السعودية واليمن، حيث إن هذه المدينة تقوم على مبدأ المدينة الاقتصادية المتكاملة، وكذلك تتميز عن باقي المدن الاقتصادية السعودية واليمنية المعلنة بأنها ستقوم بتقديم خدمة مضافة (سياسية واقتصادية واجتماعية) ليس فقط للسعودية واليمن، ولكن حتى لباقي دول الخليج، كما أن هذه المدينة سوف تقوم بتقديم الدعم اللوجيستي المطلوب للشركات العالمية لتنمية وتطوير الموارد الطبيعية في منطقة الربع الخالي من المملكة وفي المناطق اليمنية الحدودية.

وحول الإجراءات التي تم تنفيذها لهذا المشروع من قبل مجلس الأعمال السعودي - اليمني، كشف الدكتور بن محفوظ عن أن المجلس قام بتنفيذ دراسات أولية للمشروع، شملت دراسات اقتصادية ومساحية وهندسية بالتعاون مع بعض الشركات العالمية، كما قام بالتعاون مع جهات عالمية متخصصة في المناطق الحرة التي من أهمها منظمة ويبزا العالمية (WEBZA) التي تعتبر هيئة دولية متخصصة في إدارة المناطق الاقتصادية العالمية ومقرها الرئيسي في أميركا ومقرها الإقليمي في تركيا، والاتحاد العربي للمناطق الحرة والمتخصص في إدارة وتطوير المناطق العربية الحرة، وهيئة المناطق الاقتصادية التركية الحرة، التي تم من خلالها الاستفادة من تجارب تركيا الناجحة في إدارة وتطوير المناطق الحرة الاقتصادية التركية، ومؤسسة المناطق الحرة الأردنية، وفيها تم الاطلاع على التجربة الناجحة للمنطقة الاقتصادية الحرة المشتركة ما بين الأردن وسوريا كمثال مستقبلي لمشروع الوديعة، وشركة «جافزا العالمية دبي» JAFZA International وهي الشركة التي تدير المنطقة الاقتصادية في دبي (منطقة جبل علي الاقتصادية الحرة في دبي الإمارات).

وأشار الدكتور عبد الله بن محفوظ إلى أن المشروع سيكون ذا أهمية كبيرة لمنطقة نجران، حيث سيعمل على توطين الوظائف، مما سيسهم في تخفيض معدلات البطالة العالية في منطقة نجران، وخاصة في مدينة شرورة وسكان القرى والهجر القريبة من المنطقة الحدودية في الوديعة، كما ستعمل الشركات السعودية - اليمنية المشتركة والشركات العالمية التي ستقوم بالاستثمار في المنطقة الاقتصادية على الاهتمام بتدريب العمالة، وسيتم ابتعاث عدد كبير من طلاب منطقة نجران إلى الخارج لتولي قيادة الشركات العالمية عند رجوعهم.

وأضاف أن من مميزاته أنه سيعمل على تطوير البنية التحتية لمنطقة نجران ككل، حيث ستكون منطقة نجران مربوطة بسكة حديدية متطورة مع جميع مدن المملكة، وأيضا سيتم إنشاء طرق سريعة تربطها مع جميع مناطق السعودية ومع دول الخليج، وبالتالي ستحصل منطقة نجران على نصيب وافر من التنمية، مما سيسهم في زيادة الرفاهية لمواطني المنطقة وتكامل البنية الاجتماعية والاقتصادية.

وقال الدكتور عبد الله بن محفوظ بأنه سيتم توقيع مذكرة تفاهم وحسن نيات مع شركة «فرص الدولية» للاستثمار لتنفيذ مشروع الوديعة، تتمثل في أن هذه الشركة تعمل تحت مظلة الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة، ويعتبر البنك الإسلامي للتنمية أحد أكبر المساهمين الماليين فيها، وتملك خبرات عالمية في تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة في بعض دول العالم، مبينا أن من أهم بنود الاتفاقية التي سيتم التوقيع عليها ما بين المجلس وشركة «فرص الدولية» للاستثمار؛ التعاون المشترك بين الطرفين لإنهاء الحصول على الموافقات الرسمية النهائية من حكومات كلا البلدين لإطلاق مدينة الإخاء الاقتصادية، والمساعدة في التمويل عن طريق البنك الإسلامي للتنمية وصندوق التنمية الصناعية السعودية، وعن طريق الاكتتاب لحث رجال الأعمال في البلدين على المشاركة بالاستثمار في هذا المشروع.