الأمير سلطان خادم القرآن الكريم وداعم أضخم عمل موسوعي عربي

الثقافة التقليدية في السعودية توثق بدعم من مؤسستها الخيرية

الامير الراحل خلال افتتاحه مجمع الملك فهد
TT

تبنى الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز الذي تعلق بالقرآن الكريم منذ صغره، مشاريع لخدمة كتاب الله من خلال دعمه للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في بلاده، بل تجاوز ذلك إلى دعم كل عمل خيري داخل بلاده وخارجها. وما يوليه الأمير سلطان من رعاية وعناية بالقرآن الكريم، هو امتداد واستمرار للجهود التي تقدمها المملكة لخدمة الإسلام والمسلمين، والعناية بكتاب الله تعالى وبحفظته من أبناء المسلمين، ونشر الدعوة إلى الله جل جلاله داخل المملكة وخارجها وللقرآن الكريم وأهله مكانة في قلب ولي العهد، وقد أقر الأمير الراحل مسابقة دولية لحفظ القرآن للعسكريين تحمل اسمه، وهي المسابقة الوحيدة المخصصة للعسكريين في أنحاء العالم الإسلامي، ويشارك فيها العسكريون على اختلاف دولهم ورتبهم العسكرية، ويتم تكريم الفائزين سنويا في احتفال كبير. وهذه الجائزة لها بعدها التربوي العميق جدا، فالعسكريون، وهم حماة الأوطان إذا تعلقوا بالقرآن وتعلموه وتشبعوا بمعانيه وتوجيهاته القويمة، تكون قدرتهم أكبر على الاضطلاع بالأمانة والمسؤولية، فمن يحمل كلام الله بين جوانحه حري به أن يؤدي على أكمل وجه الأمانة التي اؤتمن عليها. وقد أكد الأمير الراحل هذه المقاصد التربوية في العبارات التي ذكرها مخاطبا المشاركين في الدورة الثالثة للجائزة: «.. لا يخفى عليكم أثر حفظ القرآن الكريم وتلاوته على الجانب النفسي، والسكون الروحي، ففي تلاوة القرآن الكريم راحة للنفس، واطمئنان للروح، وتهذيب للنفوس، وتقوية للإيمان، وشحذ للعزائم، وتثبيت في المواقف. فطمأنينة النفس، وسكينة الروح ينتج منها العمل الجاد، والعطاء المبدع، وهو ما يراد بمن انتسب إلى القطاع العسكري في أي أرض، وتحت أي سماء، فقد تولى أعظم رسالة، وأشرف غاية، ألا وهي: حماية الدين والبلاد والأرواح والأموال والأعراض». ويؤكد أن «من سكنت روحه بسكينة القرآن الكريم، وتشربت معارفه بمبادئ التوجيه الإلهي، وتخلق بأخلاق القرآن الكريم كان هذا ظاهرا على سلوكياته»، وامتدادا لمبدأ تعميم الخير على أبناء الأمة الإسلامية، وهو المبدأ الذي يؤطر جهود الأمير سلطان ومبادراته، أطلق جائزة سنوية للقرآن الكريم والسنة النبوية لدول جنوب شرقي آسيا (آسيان) وتتخذ الجائزة من العاصمة الإندونيسية، جاكرتا، مقرا لها. ويستقبل المسلمون في تلك البقاع بالترحاب فعاليات الجائزة، والمناشط الثقافية التي تتواكب معها، والعلماء الذين يشاركون فيها. ومن الحصاد الخير لهذه الجائزة، فضلا عن تعزيز صلة المسلمين هناك بالإسلام وعلومه وكتابه، أنها توطد العلاقة بين أبناء الأمة، وتعكس المكانة المرموقة التي تتخذها المملكة لدى المسلمين، رمزا لخدمة الإسلام، وعمارة الحرمين، والسهر على راحة المسلمين. وقد أكد الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبنغ يوديونو، أهمية مسابقة الأمير سلطان بقوله: «هذه المسابقة مهمة جدا وطيبة، وندعو من خلالها الأمة الإسلامية وخاصة الشباب منهم إلى فهم القرآن الكريم والحديث الشريف وتطبيقه في حياتهم اليومية». وأضاف أن المسابقة ثمرة من ثمار التعاون الطيب بين إندونيسيا والمملكة العربية السعودية، وأن هذه المسابقة إنما هي دليل على قوة العلاقة والروابط الأخوية بين المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، وعامل قوي في تقوية روابط الأخوة والعلاقة بين دول جنوب شرقي آسيا. مما يمكن أن يلمسه المرء في جهود الأمير سلطان أن الراحل يشجع التنافس في ميادين الخير، ومن أفضل المسابقات التباري في حفظ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والتنافس. إن جهود الأمير سلطان في خدمة كتاب الله الكريم تهدف إلى أن تتمسك الأمة بوضع هذا الكتاب العظيم في المكانة العالية التي تليق به، وربط الأمة به تعلما وتعليما وعملا والإعانة على إعداد جيل صالح ناشئ متخلق بآداب القرآن الكريم وملتزم بأحكامه. وهناك بعد آخر مهم تثمره جهود العناية بالقرآن وبعلوم الدين، وهو بيان أنعم الله على عباده، خاصة نعمة الأمن التي تتحقق بالتوحيد الخالص لله تعالى، وعبادته وطاعته، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحماية الفكر من الشبهات. فليس هناك أفضل من بناء المجتمع على الطمأنينة بجعل النفوس زكية طاهرة، منساقة لطاعة الله، معظِّمة لشعائره، خاضعة لأوامره. وبالقرآن تزكو النفوس والقلوب. والتربية النفسية التي لفت إليها الأمير سلطان، وأكد أنها من أهم أهداف جهوده في العناية بالقرآن ونشره، من ضرورات المجتمع الناجح وصفاته ومميزاته. ونجاح المجتمع بالمنظور الإسلامي يتوقف على رصيده من الأفراد الصالحين، الذين يدركون شـن البناء الداخلي (النفسي) في إصلاح المجتمع، وأن اللبنة التي يقوم عليها هذا البناء هي العقيدة الصحيحة «المرتكزة على القرآن والسنة» التي تحفظ المجتمع من الشرور، وتنير الطريق إلى بر الأمان. وجهود الأمير سلطان المباركة تصب في هذا الاتجاه المبارك.

* أضخم عمل موسوعي عربي

* لم تقتصر جهود الأمير سلطان بن عبد العزيز على النواحي الإنسانية وأعمال الخير وما لعبه من دور في تحديث القوات المسلحة السعودية وحسن إدارته وتوجيهاته ومتابعته لكل جديد في تطوير الصناعات الحربية السعودية، وحضوره في مجال خدمة البيئة وتوسيع القاعدة الصناعية وفرص الاستثمار والعمل في البلاد، بل تعدى ذلك إلى حضوره اللافت في النواحي العلمية والثقافية، حيث عرف عن الأمير سلطان دعمه لكل جهد علمي يخدم البشرية، ولعل الموسوعة العربية العالمية، التي لا تزال تحصد ثناء واستفادة الجمهور العربي منذ طبعتها الأولى عام 1996م مرورا بطبعتها الثانية عام 1999م، بتمويل ذاتي وسخي منه إحدى ثمار جهود الأمير سلطان، ولم يمنع الثناء على هذه الموسوعة القائمين على أعمالها من العمل الصامت البعيد تماما عن الضجيج الإعلامي وروتين المؤسسات المعتاد لخلق رسالة متفردة تحاول الإسهام في تعليم أفضل وثقافة أشمل في عصر تقنية المعلومات. كما تنص الرسالة المطرزة على صدر الموقع. لقد قدمت المؤسسة ولأول مرة في تاريخ اللغة العربية وتاريخ التعليم العربي والإسلامي، بين أيدي منسوبي ومنسوبات التعليم العام والعالي وفئات وشرائح المجتمع من متعلمين ومثقفين وإعلاميين ومهنيين، مرجعا علميا رقميا (إلكترونيا) شاملا ومتنوعا وعاما باللغة العربية في نحو نصف مليون صفحة حاسوبية، يحوي ما يقارب 150 ألف مادة معرفية في جميع العلوم والفنون والتخصصات، ونحو 24 ألف عنوان ومدخل رئيسي، و20 ألف صورة إيضاح تعليمي وجدول إحصائي وعرض تفصيلي لحياة ما يقارب 6 آلاف شخصية كان لها حضورها المعرفي والاجتماعي والفني والسياسي. أو شخصيات مشهورة بإنتاجها العلمي، والكثير من قواعد البيانات المتنوعة وطرائق البحث السهلة والسريعة. الموسوعة الإلكترونية لم تكتف بمادة الموسوعة الورقية التي بدأ العمل بها منذ 1410هـ (1990م) إنما جاءت بمزيد من التحديثات والتنقيحات، وبمزيد من المواءمات العربية والإسلامية للمواد، والتطوير التقني بتصميم قواعد البيانات المناسبة واستحداث محرك بحث خاص لمواد الموسوعة، وتجهيز البيانات، وإدخالها ومراجعتها، والتحسينات الجمالية الإخراجية، والاختبارات والتجريبات الفنية. وعلى صعيد التحرير والتحديثات والتنقيحات والمواءمات، فإن النسخة الإلكترونية تتميز عن الطبعة الورقية الثانية بتحريرات أساسية في نحو أربعة آلاف موضع، أهمها إضافة 200 مقالة جديدة وتحديث للمعلومات في نحو ثلاثة آلاف فقرة. ويستثمر الإصدار جهود نحو ألف عالم وباحث وكاتب ومحرر ومستشار علمي وفني ومؤسسة من المملكة العربية السعودية والعالم العربي كافة ممن أسهموا في إنتاج مواد الطبعتين الورقيتين الأولى والثانية. إضافة إلى مواد علمية قام بكتابتها نحو ثلاثة آلاف متخصص من الشرق والغرب باللغة الإنجليزية وتمت ترجمتها بتصرف إلى اللغة العربية. دون إغفال أن هذا تم باتفاقات مالية وقانونية مع الجهات الناشرة للأصول لتصبح هذه المواد والوسائط بعد المواءمة جزءا من الموسوعة، برؤية الموسوعة العربية العالمية وأهدافها وتطلعاتها.

* موسوعة الملك عبد العزيز

* ظل الباحثون في التاريخ السعودي يعانون من ندرة وثائقها، خصوصا في بداية التأسيس حينما كان الملك عبد العزيز ورجاله منشغلين بحروب التوحيد، عن بناء مؤسسات الدولة، وحينما كان التعليم في بدايته والكتابة غير شائعة والسجلات معدومة غالبية الوثائق المتوافرة عن تلك الفترة المبكرة التي ندر فيها التدوين والتسجيل تأتي من مصادر أجنبية لا يتيسر لكثير من الباحثين الاستفادة منها، إما بسبب الحاجز اللغوي، أو لوجودها في أماكن يصعب الوصول إليها ولسد هذه الحاجة الملحة جاء مشروع الملك عبد العزيز آل سعود سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية، الذي أصدرته دار الدائرة للنشر والتوثيق، واستغرق العمل فيه نحو عشر سنوات، بدعم وتوجيه من الأمير سلطان وإشراف مباشر ومتابعة من الأمير خالد بن سلطان، يهدف هذا المشروع الوطني إلى تقديم ملخصات عربية وافية للوثائق البريطانية والفرنسية والأميركية، التي تتعلق بحياة الملك عبد العزيز والتاريخ السعودي في عهده الذي امتد من 1319هـ إلى 1373هـ الموافق 1902م ـ 1953م. أخذت هذه الموسوعة وثائقها عن التاريخ السعودي الحديث من الأرشيفين الرئيسيين: الأرشيف البريطاني الذي يأتي في المقام الأول، والفرنسي ثاني الأرشيفات العالمية أهمية، حيث إن بريطانيا وفرنسا كانتا قبل الحرب العالمية الثانية تحتلان الصدارة في قائمة الدول العظمى وقتذاك، وكان لهما وجود بارز في المنطقة العربية، وكان لهما تأثير كبير على الساحة الدولية، وقد أولى القائمون على تحرير الموسوعة أهمية كبرى، لفحص ما يريدونه من ملفات، وفرز ما تحتويه من وثائق، واستبعاد ما ليس له صلة منها بالتاريخ السعودي في الفترة التي يغطيها المشروع، فإنه لم يستبعد منها أي وثيقة مهما بدت ضئيلة الأهمية، فالحكم على أهمية الوثيقة أمر يحدده الباحث، فقد يعطي الباحث الاقتصادي أهمية كبرى لوثيقة لا يلتفت إليها الجغرافي أو السياسي، وهكذا، لذلك كان هدف المشروع هو تلخيص جميع الوثائق المتعلقة بحياة الملك عبد العزيز وفترة حكمه بهدف تغطية هذه الفترة في مجالاتها البحثية المتنوعة.

وخضعت الملخصات المترجمة لعملية مراجعة وتدقيق مستمرة من قبل معدي الموسوعة، فبعد كل مرحلة من مراحل العمل يتم تفريغ عدد من أعضاء الفريق العاملين على المشروع من أجل مراجعة ما تم إنجازه لتفحصه والتدقيق فيه، ولم يكن المشروع ليأخذ شكله النهائي ويخرج إلى النور قبل عرضه على لجنة من المؤرخين السعوديين لتفحصه برمته فحصا شاملا ودقيقا من أجل تقويمه ووضع اللمسات الأخيرة عليه، وهكذا قدر له أن يخرج في شكله النهائي على هيئته العلمية المنشودة التي من شأنها أن تحقق الفائدة المرجوة منه للباحثين المتخصصين والقراء العاديين على اختلاف مشاربهم وأهدافهم.

* موسوعة الثقافة التقليدية

* الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية عمل موسوعي نادر، وحدث ثقافي تبرز أهميته في أنه يقدم للباحثين والمعنيين بثقافتنا التقليدية ذخيرة هائلة من المعلومات والمعارف، تم رصدها وتحريرها عن طريق جمع مادة المأثورات الشعبية والحياة التقليدية على أساس علمي هادف، وتخزينها بطريقة منهجية منظمة وتصنيفها وفق قواعد مدروسة، ليسهل استرجاعها والاستفادة منها في تغذية البحوث والدراسات العلمية. حظي المنهج العلمي والجوانب التقنية الفنية في تناول المواضيع المختلفة بالاهتمام الكبير، ما جعل من الموسوعة إضافة علمية تثبت أن العمل تم تنفيذه من قبل فريق من المختصين الضليعين بهذه المواضيع، والقادرين على الكتابة فيها من واقع خبرة وتجربة، ومن خلال رؤية علمية صحيحة، وقد أسهمت الموسوعة في توفير معلومات دقيقة وافية وإعطاء صورة صحيحة واضحة عن مختلف جوانب حياتنا التقليدية، وآدابنا وفنوننا ومعارفنا الشعبية بما في ذلك الصناعات والحرف اليدوية والعمارة والتقليدية، وقدمت ذلك بلغة سهلة وميسورة، كما نالت الفنون التقليدية ما تستحقه من الاهتمام، بما في ذلك فنون النحت والنقش والزخرفة الجبصية، وتم توثيق هذه الفنون وتوضيحها باستخدام الصور المعبرة والرسوم التوضيحية. هذا المشروع الموسوعي بدعم وتوجيه من الأمير خالد بن سلطان وإحدى ثمرات مؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية في الاهتمام الجم بتفعيل الحياة الثقافية في بلادنا، هكذا جاءت هذه الموسوعة وقامت على مبدأ الشمولية ما أمكن لجميع جوانب الحياة التقليدية والثقافة المادية في جميع المناطق السعودية. جُزئت عناصر الثقافة الشعبية وقسمت إلى مواضيع شبه مستقلة بحيث يشكل كل واحد من هذه المواضيع مجلدا من مجلدات الموسوعة، مثل مجلد الزراعة التقليدية والألعاب الشعبية، والعمارة التقليدية، والقنص والصيد، وغيرها. وشكل لكل مجلد فريق تأليف من الأساتذة السعوديين من مختلف الجامعات لكتابته، وقد تم تجزئة الموسوعة إلى 12 مجلدا يبلغ عدد صفحات كل مجلد منها في حدود 700 صفحة، تشكل الصور فيها نسبة 30 في المائة تقريبا، ويشكل كل مجلد من مجلدات الموسوعة جزءا مرتبطا مع بقية المجلدات وفي الوقت نفسه، يمكن اعتباره عملا قائما بذاته، يتناول حقلا محدد المعالم من الحقول الرئيسية في ثقافتنا الشعبية، الذي بدوره يتجزأ إلى مواضيع فرعية، هذا التقسيم الموضوعي يجعل من الممكن النظر إلى الموسوعة من زاويتين: فهي أساسا مستودع للمعلومات وأداة من أدوات البحث العلمي، ولكنها أيضا منبع من منابع الثقافة العامة ومصدر من مصادر القراءة المفيدة الممتعة. التركيز على النواحي الجمالية والجوانب الفنية يقصد منه إضافة إلى توثيق الثقافة المادية اجتذب القارئ ودفعه إلى تصفح الموسوعة والتوغل في قراءتها والإلمام بأسرار الثقافة التقليدية. الموسوعة لم تكن مخزنا للمعلومات ومرجعا للمتخصصين، وإنما تحفة فنية تليق بتراث الأجداد، فقد خرج العمل في حلة قشيبة، تزينها الطباعة الأنيقة الراقية، والأشكال الفنية البديعة، والصور الجميلة المعبرة، حيث شكلت حلية جمالية تزدان بها المكاتب والمكتبات وصالات الجلوس، وجمعت في طياتها بين الفائدة العلمية والمتعة الفنية، وإخراج الموسوعة معلم حضاري يفتخر به، وسيجذب القراء إليها ويشجعهم على تصفحها خصوصا الأجيال الناشئة، التي تكاد تنقطع صلتهم بماضيهم وما سطره الأجداد من قصص الكفاح، وما عانوه من أصناف الشقاء وما تحلوا به من صبر على مواجهة التحديات والتكيف مع ظروف الحياة الصعبة.