أظهرت دراسة بحثية متخصصة في الشأن التعليمي بمنطقة الخليج العربي ضرورة النظر بصورة أشمل للتعليم وإشراك الأسر والمجتمع المحلي لأنهما من الأطراف المؤثرة في تطوير الشباب ويشكلان رافدا مهما يدعم جهود تطوير منظومة التعليم.
وفي وقت تسعى فيه الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما في دول الخليج، خلال السنوات الأخيرة إلى تأكيد عزمها ورغبتها في إصلاح أنظمتها التعليمية، اتخذت هذه الإصلاحات خطوات مألوفة وضرورية مثل بناء المنشآت، وتدريب وتأهيل المعلمين ومديري المدارس، وإعادة النظر في المناهج الدراسية، والعمل على إشراك القطاع الخاص.
إلى ذلك، كانت الدراسة التي أجرتها جامعة أوكلاند أثبتت أن «العوامل المنزلية» كمساعدة الأبناء في أداء الواجبات المنزلية، وتحقيق مشاركة الأهل، التي تمت بتمويل من شركة «بوز آند كومباني»، كان لها تأثير كبير على تحسين التحصيل التعليمي للطلاب.
ويؤكد شادي مجاعص، شريك في شركة «بوز آند كومباني»، أن دراسات أخرى أظهرت أنه عندما يشارك الأهل بشكل فعال في تعليم أبنائهم، بغض النظر عن مستوى دخل الأسرة أو المستوى التعليمي للأهل، استطاع الطلاب تحقيق نتائج أفضل في الاختبارات، كما تحسنت معدلات حضور الصفوف الدراسية، وانخفضت معدلات التسرب من المدرسة.
وأشار مجاعص إلى أن حكومات المنطقة تسعى إلى تجهيز جيل لشباب بالثقافة والمعرفة والمهارات المطلوبة للنجاح في عالم الغد، مشيرا إلى ضرورة أن لا ينحصر التركيز على الساعات الـ6 التي يمضيها الطلاب في المدرسة يوميا، بل يجب النظر بصورة أشمل للتعليم وإشراك الأسر والمجتمع المحلي، لأنهما من الأطراف المؤثرة في تطوير الشباب، ويشكلان رافدا مهما يدعم جهود تطوير منظومة التعليم.
إلى ذلك، تبرز العديد من الدراسات الأكاديمية والميدانية أهمية البيئة الخارجية في نجاح الشباب على المستوى التعليمي، ففي عام 2009، خلص برنامج التقييم الدولي الذي تجريه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى أن الأشخاص البالغين من العمر 15 عاما الذين يقوم أهلهم بمناقشة قضايا اجتماعية أو سياسية معهم مرة في الأسبوع استطاعوا تسجيل، في المتوسط، 28 نقطة أعلى من أولئك الذين لا يناقشهم أهلهم في مثل هذه الأمور.
من جانبها تؤكد ليلى حطيط، مدير أول في شركة «بوز آند كومباني»، أن الأنظمة التعليمية في المنطقة بشكل عام لا تقدم في الوقت الحاضر إلا القليل من الفرص لمشاركة الأهل في العملية التعليمية، موضحة أن الأهل من ناحيتهم يشعرون أن تعليم أولادهم هو مسؤولية المعلمين وحدهم، وأن هذه المهمة مكانها المدرسة فقط.
ولفتت حطيط إلى أنه نتيجة لذلك يقوم الأهل من حيث لا يدرون بتصرفات تؤثر سلبا على نتائج أولادهم في المدرسة، فمثلا: يسمح الأهل لأولادهم بالسهر حتى وقت متأخر من الليل، مما يشعر الأولاد بالرغبة في النوم صباحا ويمنعهم من الاستفادة من يوم مثمر في المدرسة، أو يدللون أولادهم ويلومون النظام المدرسي على «صعوبة الاختبارات» بدلا من حث الأولاد على بذل جهد أكبر.
وبالعودة إلى مجاعص الذي أشار إلى أن الأهل والمجتمع هما المؤثران الأساسيان في غرس سمات أساسية مطلوبة للنجاح المهني والاجتماعي في المستقبل مثل ثقافة ريادة الأعمال، والمشاركة المدنية، والتمتع بروح القيادة، وروح فريق العمل، مؤكدا أن هذه السمات هي بالتحديد ما تحتاجه مجتمعات الشرق الأوسط في القوى البشرية، ولمح إلى أن عددا قليلا من المجتمعات يملك البنية التحتية «الاجتماعية»، التي يحتاج إليها الشباب من أجل تحقيق التطور الشخصي.
وبين مجاعص أن معظم المجتمعات المحلية تفتقر إلى المرافق الثقافية مثل قاعات المسارح والمعارض والمتاحف، والنشاطات الفكرية مثل المعارض العلمية، والمؤسسات التطوعية، والمرافق الضرورية للحفاظ على اللياقة البدنية مثل الحدائق العامة وملاعب كرة القدم ومسارات المشي ومسارات الدراجات، لافتا إلى أنه نتيجة لذلك، لا يملك الشباب إلا خيارات قليلة لممارسة الرياضة والنشاطات الاجتماعية والقيادية خارج المنزل، الأمر الذي يعني أنهم يهدرون الكثير من أوقات فراغهم في مشاهدة التلفزيون أو تصفح الإنترنت.
في حين تشير حطيط إلى أن خلق البيئة المناسبة التي من شأنها أن تساعد الشباب على تحقيق النجاح يتطلب حلا من شقين وهما تعزيز مشاركة الأهل في المدارس، وتشجيع الأهل والمجتمعات على توسيع نطاق التعليم للشباب بحيث يمتد خارج الفصول الدراسية.
وبينت حطيط أنه يجب على جهود إصلاح التعليم في المنطقة أن تقوم بدور أكبر من مجرد إبداء الدعم الكلامي لمشاركة الأهل، مشيرة إلى أن جهود الإصلاح بحاجة إلى استراتيجية واضحة لجعل المدارس والأسر تعمل معا، لافتة إلى أنه يجب أن يتضمن هذا الأمر آليات لزيادة التفاعل بين الأهل والمعلمين وإشراك الأهل في عمل المدارس.
وزادت: «ويمكن تحقيق ذلك على سبيل المثال من خلال العمل التطوعي، وتمكين الأهل من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على أولادهم، و(تثقيف) الأهل حول الممارسات المفيدة التربوية، والتعاون مع الجهات المعنية الأخرى على تخصيص موارد المجتمع للبرامج المدرسية».
وتلمح إلى تجربة دولة قطر، التي تشترط الآن على «المدارس المستقلة» الخاصة إنشاء مجلس أمناء يتألف من الأهل وأفراد المجتمع، بينما أطلق مجلس أبوظبي للتعليم استبيانا حول مدى رضا الأهل عبر موقعه الإلكتروني وشجع على مزيد من التفاعل بين الأهل والمعلمين.
لتعود حطيط بالتأكيد على أن «المدارس في أنحاء المنطقة بوجه عام لا تزود الأهل إلا بمعلومات محدودة عن الأداء المدرسي، وعلى الرغم من أن بعض المدارس لديها مجالس للأهل، فإن هذه عادة ما تلعب دورا محدودا في شؤون المدرسة».
وتشير المدير الأول في شركة «بوز آند كومباني» إلى أنه على الطلاب والأهل أن يدركوا أن العملية التعليمية لا تتوقف بمجرد دق جرس المدرسة، مشيرة إلى أن الأهل يمكنهم المساعدة في تنمية هذا المفهوم من خلال توفير بيئة منزلية تساعد على تعلم أبنائهم، بما يتضمن توفير الكتب والمكان الهادئ للدراسة.
وزادت حطيط: «وعلى الأهل أن يسألوا أولادهم عن يومهم في المدرسة والتخطيط لتمضية وقت هادف معهم بعيدا عن المركز التجاري أو التلفزيون، وهذا قد يشمل نشاطات صحية مثل ركوب الدراجات أو نشاطات ثقافية مثل العمل التطوعي والنشاطات الثقافية والعلمية والرياضية. وفي وسع الأهل أيضا أن يشجعوا روح ريادة الأعمال لدى أولادهم، وهو أمر تدعو إليه المدارس، لكنه لم يلقَ صدى كبيرا في المنزل».
إلى ذلك، كان قد أوضح أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة «بوز آند كومباني»، وشمل 176 شخصا من رواد الأعمال في السعودية، أن أكبر عائق لإطلاق مشروع جديد هو أن أسر المستطلَعين قد لا تقبل به.
يشار إلى أن المجتمعات المحلية يمكنها أن تؤدي دورا مساعدا من خلال توفير الفرص الثقافية والتعليمية، ويذكر هنا وعلى سبيل المثال منطقة أبوظبي الثقافية التي ستفتح أبوابها عام 2013 وتضم متحف اللوفر ومتحف غوغنهايم ومتحفا وطنيا، في حين سيحتفي المتحف الوطني في قطر بعد انتهاء ترميمه وإعادة فتح أبوابه أواخر عام 2014 بثقافة قطر وشعبها وتراثهما ومستقبلهما.
وقد أطلقت مشاريع أخرى في السعودية مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، ومركز الأمير سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، وتهدف هذه المشاريع إلى تعزيز اهتمام الشباب بالتكنولوجيا والعلوم.
بينما يظهر أن هناك عملا تقوم المدارس والأهل معا لدعم التعليم بما يحقق الفائدة للجميع، حيث يصبح أداء الطلاب في المدرسة والحياة أفضل، ويتمكن الأهل من لعب دور فعال في تعليم أولادهم، ويتمتع المعلمون بصلاحيات أكبر، وتصبح المدارس أكثر كفاءة، وتزداد المجتمعات قوة، ولن يتسنى لمسيرة إصلاح التعليم أن تؤتي ثمارها المنشودة دون الجهود المتضافرة من العناصر جميعا.