لا تعتبر الانتخابات البرلمانية في مصر فقط موسما سياسيا يتبارى فيه المرشحون ببرامجهم وأفكارهم للفوز بأصوات الناخبين، ولكن الكثير من المصريين البسطاء يعتبرونها موسما لكسب الرزق والتخفيف من ضغوط الحياة.. الحاج صلاح الدين على الرغم من أنه لا يمتلك محلا خاصا يمارس فيه مهنته كخطاط، فإنه يكتفي بكتابة اسمه ورقم هاتفه على جدران المدارس وعلى اللوحات واللافتات التي يكتبها وعن طريق هذه الوسيلة البسيطة يتصل به الكثير من المرشحين للانتخابات طالبين منه كتابة لافتات لهم.
يقول الحاج صلاح (50 عاما) وهو منهمك في اللعب بالحروف والكلمات في كتابة الشعارات التي يطلبها منه المرشحون: «الشعارات التي أكتبها تختلف باختلاف المرشح، فـ(الإخوان) يريدون كتابة بعض الشعارات الخاصة ومنها شعارات حزبهم الجديد (الحرية والعدالة) مثل (يلا يا مصري خايف ليه.. شوف تونس عملت إيه)، أو (لو كنت خايف من الإخوان.. اسأل عنهم في الميدان)، أو (نرعى العهد ونرعى الذمة.. والأقباط أبناء الأمة)، بالإضافة لرسم رمز الحزب (الميزان) في اللافتات التي يكتبونها. بينما يحرص مرشحو حزب الوفد ذي التوجه الليبرالي على رسم الهلال والصليب وأن تكون خلفية اللافتة خضراء بالإضافة لشعاراتهم عن التعليم والحرية والعدالة الاجتماعية. أما الأحزاب الجديدة التي تخوض الانتخابات لأول مرة مثل أحزاب السلفيين فتطلب منه رسم شعار الحزب وكتابة عبارات بعينها مثل (معا على طريق النور) بالنسبة لمرشحي حزب النور ذي التوجه السلفي».
ورغم أنه يعيش وسط هذا الزخم السياسي، فإن أهم شيء بالنسبة للحاج صلاح هو الحصول على رغيف خبز وتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته والحصول على شربة مياه نظيفة ولقمة عيش لا تلاحقها المواد المسرطنة كمطالب الملايين من الفقراء مثله في مصر، الذين رأوا الأمل في قيام الثورة، وهي أيضا مطالبه كما يقول لمرشح دائرته لا أكثر ولا أقل.
وتزداد سوق الخطاطين رواجا على أبواب انتخابات مجلسي الشعب والشورى (الغرفة الأولى والثانية من البرلمان المصري) ويتبعها انتخابات الرئاسة في موسم انتخابات طويل، لكن التقدم في وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبح يهدد مستقبل هذه المهنة العريقة.. حسين متولي، خطاط (24 عاما)، يقول: «الكومبيوتر قضى على المهنة إلى درجة كبيرة، لأن عددا كبيرا من المرشحين يلجأون إلى الوسائل الحديثة»، مشيرا إلى أن مرشحي 2011 رجالا ونساء يركزون على صورهم وأسمائهم أكثر من أي شيء آخر، مما يجعل وسائل الدعاية الحديثة أقرب إليهم من اللافتات القماش التي يعمل عليها، ويقول: «كل مرشحة تتفنن في الإعلان عن نفسها وتهتم بصورتها وكذلك الرجال، أما الأحزاب الإسلامية فتلجأ أيضا إلى الكومبيوتر على الرغم من أنها لا تضع صورا لمرشحاتها على اللافتة ولكنها وسيلة أكثر براقة من الدعاية القماشية». أما عن الأسعار فيقول متولي: «اللوحة القماش تكلفتها 40 جنيها تقريبا، والخشب المتر تكلفته 35 جنيها تقريبا، مؤكدا أن الطلب على اللافتات القماش أكثر لأنها أرخص ولا يتطلب تعليقها على حائط بل يمكن تعليقها في أي مكان في الشارع».
وحول طرق الدعاية الحديثة، يقول يسري عباس، (30 عاما)، صاحب مكتب تصميمات للدعاية الإلكترونية: «يقتصر دوري على تصميم شكل (البنار) على (الفوتوشوب) واختيار الألوان ودرجاتها بحيث يعطي الدعاية الانتخابية جاذبية وفخامة وتلفت أنظار الناخبين. ولذا يلجأ إليها كثير من المرشحين الذين يعتقدون أن نوع الدعاية المستخدم يعبر عن حجم وإمكانات المرشح».
ويرتبط رواج تجارة الأقمشة بالانتخابات أيضا، فيقول صالح طه صاحب محل أقمشة بمنطقة فيصل بالقاهرة: «الانتعاش يطال الأقمشة الرخيصة فقط، خاصة قماش (البفتة الأبيض)، حيث يقبل المرشحون عليه لرخص ثمنه وقدرته على امتصاص الأحبار أو الألوان المستخدمة في الكتابة». ويضيف «يتراوح سعر متر القماش (البفتة) ما بين 10 و20 جنيها».
وفي السياق ذاته، تنتعش أحوال المطابع الصغيرة بسبب الانتخابات، حيث يطبع المرشحون ملايين الملصقات و«البوسترات» والأجندات والدعاية الورقية. يقول عيسى عبد السيد صاحب مطبعة في منطقة إمبابة الشعبية: «فرص العمل تتضاعف عدة مرات أثناء الانتخابات، ونضطر لإلغاء الإجازات للعمال قبل بدء موعد الانتخابات، وتتنوع أشكال الدعاية ما بين الكروت الصغيرة، والدعاية الورقية و(البوسترات)».
ويشهد موسم الانتخابات كذلك رواجا كبيرا لمهن أخرى كـ«الهتيفة» من محترفي الدعاية الانتخابية، بسبب تنافس المرشحين لحشد أكبر عدد منهم في إنجاز دعايتهم حيث يخصص كل مرشح ميزانية لـ«الهتيفة» الذين يضمنون له أن المؤتمرات الانتخابية التي يعقدها تسير بشكل جيد، ويهتفون له في الأماكن التي يزورها، وأجور «الهتيفة» تختلف من مكان إلى آخر تبعا لمدى رقيه أو شعبيته. ويردد الهتيفة الشعارات المؤيدة للمرشح ويردون على الخصوم. ويعتبر دورهم في الدعاية من أهم الأدوار المؤثرة على الناس مثل استئجار السيارات المزودة بـ«الميكروفونات» والسيارات العادية الملصق عليها اللافتات المؤيدة للمرشح.
وتعتبر المؤتمرات الانتخابية أيضا من أهم أنواع الدعاية التي يلجأ إليها المرشحون وتصل تكلفة المؤتمر الواحد للمرشح إلى بضعة آلاف من الجنيهات بعد ارتفاع قيمة تأجير «السرادق والكراسي والميكروفونات» والسماعات. وعلى كل مرشح عمل مؤتمر في كل منطقة من مناطق دائرته الانتخابية، أي ما لا يقل عن عشرة مؤتمرات أثناء الحملة الانتخابية.
وعلى الرغم من أن هذه الوسائل هي الطرق التقليدية التي يلجأ إليها المرشحون في مصر لكسب تأييد الناخب، فإن وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت باتت من أهم الوسائل التي يلجأ إليها المرشحون، خاصة مرشحي شباب الثورة الذين قد لا يملكون الإمكانات المادية اللازمة لمثل هذه الوسائل.