مشكلة البطالة في السعودية تتمحور في وفرة الأيدي العاملة ورخص الأجور وحاجة السعوديين إلى التدريب

في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة لسعودة أكثر للقطاع الخاص يذهب المزيد من الفرص للوافدين

يعقد السعوديون الأمل على برنامج «نطاقات» الذي تبنته وزارة العمل السعودية في موازنة الكفة بين السعوديين والأجانب في القطاع الخاص («الشرق الأوسط»)
TT

شخص خبير بنكي مشكلة البطالة في السعودية في 3 عوامل، وفرة الأيدي العاملة الرخيصة، وتدني الأجور، وحاجة السعوديين للتدريب، في الوقت الذي يعقد فيه الأمل على برنامج «نطاقات» الذي تبنته وزارة العمل السعودية في موازنة الكفة بين السعوديين والأجانب في القطاع الخاص، إلا أن تطبيق هذا البرنامج وحده سيخرج نحو 30 في المائة من الشركات والمؤسسات السعودية من سوق العمل.

وبحسب الخبير الاقتصادي فإن وفرة الأيدي العاملة الأجنبية التي تتميز برخصها عند مقارنة أجورها بأجور السعوديين تمثل نحو 33 في المائة من حجم السكان في السعودية، وهي تشكل معضلة أمام السعوديين مما يعني سوق عمل لا تستطيع المنافسة فيها، فإن هذه الأعداد الضخمة نمت بسبب مرونة النظام الذي يسمح بمزيد من استقدام الأيدي العامل، ففي عامين فقط تم منح مليوني تأشيرة لاستقدام مزيد من العمال الأجانب، وخصوصا من شرق آسيا.

ومع تدني أجور العمالة الأجنبية أو ما يصطلح عليه بـ«الأيدي العاملة الرخيصة» حيث تفضل الشركات السعودية توظيف العمال الشرق آسيويين لتدني أجورهم، يبرز السبب الثالث كسبب رئيسي وهو التدريب والمهارة التي يفتقدها السعوديون، ففي سوق العمل السعودية يتفوق العامل الأجنبي الشرق آسيوي لأنه أمهر من السعودي ولأنه لا يتطلب دورات تدريبية لتطوير قدراته الفنية كتلك التي يحتاج إليها العامل السعودي.

وقال تركي الحقيل الخبير البنكي في معلومات خص بها «الشرق الأوسط» إن مشكلة البطالة بين الشباب السعودي تعد مشكلة حادة حتى بالمقاييس الإقليمية، إذ تظهر بيانات منظمة العمل الدولية أن السعودية تحتل المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد العراق، على صعيد أعلى نسب البطالة بين الشباب، بالتالي، فإن نسبة البطالة بين الشباب السعوديين أعلى منها في تونس والأردن ومصر ولبنان.

السعودية ستصرف بعد نحو 40 يوما أول إعانة تقدمها للعاطلين عن العمل ضمن برنامج «حافز» وهي المرة الأولى في تاريخ السعودية التي تصرف فيها الحكومة بدل بطالة للشباب العاطلين، ويقول الحقيل إن ذلك سيرفع المعدل الرسمي للبطالة لأن المزيد من المواطنين سيكشفون عن وضعهم الوظيفي الحقيقي، من خلال تسجيل نفسهم للحصول على هذه المخصصات.

وطبقا للبيانات الرسمية، التي استند لها الحقيل، ففي عام 2009 وحده وفر القطاع الخاص نحو 674 ألف فرصة عمل جديدة، كما وفر القطاع الحكومي نحو 42 ألف وظيفة جديدة، مع ذلك ارتفع معدل البطالة بين السعوديين في تلك السنة إلى 10.5 في المائة بالمقارنة مع 9.8 في المائة في عام 2008.

ويصف النمو في معدل البطالة في السعودية الذي يتوقع أنه لم يتراجع عن هذا المستوى في عام 2010، بالارتفاع الحاد، ويضيف أنه في عام 2009، وصلت نسبة البطالة بين السعوديين الذين قلت أعمارهم عن ثلاثين عاما إلى 27.4 في المائة، بما في ذلك نسبة البطالة التي بلغت 39.3 في المائة بين السعوديين الذين تراوحت أعمارهم، حينذاك، بين عشرين عاما وأربعة وعشرين عاما.

وقال الحقيل «يبدو أن التزايد الكبير في أعداد الوافدين أنذر صناع القرار والمسؤولين على تحسين الوضع التوظيفي للمواطنين»، ويضيف أنه في الحقيقة وفر القطاع الخاص المحلي الكثير من فرص العمل الجديدة خلال سنوات الازدهار الاقتصادي، لكن معظمها ذهب إلى الأجانب، بدلا من المواطنين السعوديين.

وبالعودة إلى حجم الأيدي العاملة الأجنبية في السعودية، يتوقع أنه يشكل ما نسبته 33 في المائة من عدد السكان في حين كانت هذه النسب قبل عدة سنوات في حدود الـ27 في المائة.

وهنا يقول الحقيل إنه في السنوات الخمس الماضية، قفزت أعداد الوافدين في السعودية بشكل مطرد، وذلك خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي صاحبت طفرة أسعار النفط، بين عامي 2003 و2008.

ويشير إلى أنه منذ عام 2004، قفزت نسبة الوافدين إلى 31 في المائة من مجموع سكان البلاد الذين بلغ عددهم 27.6 مليون نسمة في أواخر عام 2010، طبقا للبيانات السكانية النهائية، أما الآن فإن نسبة الوافدين إلى المواطنين تقترب من 33 في المائة، ويشدد الحقيل على أن الإحصاءات التي كشف عنها الإحصاء الأخير كانت صادمة وفاقت كل التوقعات لحجم العمالة الأجنبية في السعودية.

ويؤكد الحقيل على أن المسؤولين في الحكومة السعودية معنيون في الوقت الراهن بمعالجة معضلة عدم التكافؤ بين توظيف الوافدين والمواطنين في القطاع الخاص المحلي، ويصف ذلك بأنه أحد أكبر التحديات التي تواجهها سوق العمل المحلية.

وتوقع أن هذه النسب أعطت إنذارا لصناع القرار والمسؤولين لتحسين الوضع التوظيفي للمواطنين، وأشار إلى أن القطاع الخاص المحلي وفر الكثير من فرص العمل الجديدة خلال سنوات الازدهار الاقتصادي، لكن معظمها ذهب إلى الأجانب، بدلا من المواطنين السعوديين.

ويشير الحقيل إلى إن الخطة التنموية الخمسية الحالية، تتضمن توجهات الحكومة السعودية لنمو عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص المحلي بمعدل سنوي قدره 5.3 في المائة، ويضيف أنه طبقا للأهداف المعلنة لهذه الخطة الحكومية، سيحصل السعوديون على 1.12 مليون فرصة عمل جديدة، أي 92 في المائة من مجموع فرص العمل الجديدة المحتملة بين عامي 2010 و2014، التي يقدر عددها بنحو 1.22 مليون وظيفة. لكن الواقع يقول غير ذلك. وبحسب الخبير البنكي، فإن القطاع الخاص يزيد في تعقيد مشكلة البطالة بين السعوديين، بدلا من المساعدة في حلها، ويتابع أنه في عام 2009، كان الكثير من الشباب السعوديين يكافحون من أجل الحصول على فرص عمل، لكن القطاع الخاص حصل في ذلك العام على 982.420 تأشيرة عمل لاستقدام وتوظيف عاملين أجانب، أي أكثر من ضعف عدد تأشيرات العمل التي حصل عليها هذا القطاع في عام 2005، طبقا لبيانات وزارة العمل.

وبين أنه في عام 2009، بلغ عدد الوافدين العاملين في القطاع الخاص السعودي نحو 6.21 مليون عامل من أصل 6.89 مليون عامل - أي 90 في المائة من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع - مما يعني أن هذه النسبة ازدادت بنحو 30 في المائة منذ عام 2006.

ويضيف الحقيل أنه مع أن بيانات عام 2010، لم تنشر بعد، قال وزير العمل السعودي في شهر مايو (أيار) الماضي إن وزارته بالتعاون مع جهات أخرى أصدرت خلال السنتين الماضيتين مليوني تأشيرة عمل لاستقدام وتوظيف عمال أجانب.

ويشير الحقيل إلى أنه تعقدت المشكلة وتفاقمت نتيجة غياب الحوافز الكافية لتشجيع الشركات السعودية الخاصة على تغيير الوضع الراهن لأنها توفر الكثير من الأموال نتيجة للاقتصاد المحلي القائم على الأجور المتدنية، من جهة، ولأن الحكومة السعودية لم تكن حازمة في تطبيق برامج السعودة السابقة، من جهة أخرى.

في حين يتوقع الخبير البنكي أن يحدث برنامج «نطاقات» الجديد الذي تبنته وزارة العمل السعودية تغييرا دراماتيكيا عبر إرغام هذه الشركات على توظيف المزيد من المواطنين ورفع الأجور وزيادة استثماراتها في التدريب، إن أرادت الاستمرار في العمل.

ويوضح أن الشركات التي ستقع ضمن النطاقين «الأصفر» و«الأحمر»، وهي التي لا توظف ما يكفي من السعوديين، سيؤدي ذلك إلى حرمانها من تجديد تأشيرات إقامة عمالها الأجانب ومن إصدار تأشيرات عمل جديدة ما لم تحقق نسب توطين الوظائف، التي ينص عليها برنامج «نطاقات».

ويستعرض دور «نطاقات» في زيادة أعداد السعوديين حيث يحدد البرنامج نسبا مختلفة لتوطين الوظائف تراعي أحجام وطبيعة أنشطة الشركات، حيث تتراوح من 10 إلى 26 في المائة نسب توطين الوظائف المطلوبة من الشركات الصغيرة الناشطة في قطاع البيع بالجملة والتجزئة لكي تتأهل للوقوع ضمن النطاق «الأخضر»، بينما تتراوح نسب التوطين المطلوبة من الشركات المتوسطة الحجم من 17 إلى 33 في المائة، وتلك المطلوبة من الشركات الكبيرة من 24 إلى 34 في المائة، طبقا لوثائق وزارة العمل السعودية.

ويعتقد الحقيل من خلال تحليله لواقع سوق العمل في السعودية أن الرجوح المفرط لكفة الوافدين في ميزان توظيف القطاع الخاص السعودي، قد يضر نحو 30 في المائة من شركات هذا القطاع، لا سيما الصغيرة، إلى درجة التوقف التام عن العمل، إن تم تطبيق برنامج «نطاقات» الجديد بكل حزم وعلى نطاق واسع، في حين أشار إلى أن وزارة العمل تقول إن واحدة من كل خمس شركات سعودية خاصة تقع ضمن النطاق «الأحمر»، بينما يقع معظم هذه الشركات ضمن النطاق «الأخضر»، فيما يمثل السعوديون أقل من 10 في المائة من القوى العاملة في معظم شركات النطاق «الأحمر»، بل إن هذه النسبة تقل عن 5 في المائة في حالات عديدة.

ويتوقع الحقيل أنه، وعلى المدى البعيد، قد تنطلق الشركات الخاصة الجديدة بنسب مرتفعة من العاملين السعوديين وقد تركز على الإنتاجية منذ البداية بهدف خفض التكاليف، لكن الاعتماد الكبير على العمالة الرخيصة وغير الماهرة لن يتغير بين عشية وضحاها.