ليبيون يأملون بإقامة حكم ديمقراطي رغم التحديات الكثيرة

وسط شكوك حول القدرة على إجراء الانتخابات خلال 8 أشهر

ليبي يتسلق عمودا كهربائيا لوضع علم ليبيا الجديد عقب عودة الهدوء في الزهراء التي تبعد 32 كلم عن طرابلس بعد 3 أيام من المواجهات (رويترز)
TT

في مكتب بسيط طليت جدرانه بشعارات ثورية، ويشكل جزءا من مجمع تمت مصادرته في طرابلس، كان يؤوي في السابق المقربين من العقيد معمر القذافي، جلس قائد الثوار محمد الزنتاني يفكر في مستقبله، وقال، وهو لا يزال يرتدي زيه العسكري ويعبث بلحيته الكثة التي نمت أثناء القتال: «أنا أفكر في تشكيل حزب سياسي، للدفاع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، مؤكدا أنه سيوفر محاكمات عادلة للموالين للنظام السابق الذي حارب لإسقاطه.

لكن بالخارج كان المقاتلون الشباب التابعون له يقومون بتمزيق علم القذافي الأخضر، ويطلقون قذائف المدفعية الثقيلة في إشارة إلى أن سياسيي ليبيا الجديدة سيبرزون من رحم هذه الحالة من الفوضى وعدم الاستقرار.

وكانت قيادة البلاد المؤقتة قد دعت لإجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية يونيو (حزيران)، فطالب محمود جبريل، الذي شغل منصب رئيس الوزراء إبان وضع هذا الجدول الزمني، مؤخرا، بضرورة تسريع العملية لتجنب حدوث فراغ في السلطة، لكن آخرين يخشون من أنه حتى اقتراع يونيو المقبل لن يوفر وقتا كافيا للإعداد للانتخابات في المكان الذي لم يشهد أي انتخابات خلال أكثر من أربعة عقود، أضف إلى ذلك عدم وجود قوائم الناخبين، أو دوائر انتخابية، ولا توجد قواعد بشأن الترشح للرئاسة، ففي بلد قمع بوحشية كل نشاط سياسي، قلة من الناس هم من يدركون مفهوم حزب سياسي.

ويقول إيان مارتن، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا: «خرجت ليبيا من العدم دون تجربة انتخابية مفيدة»، وسوف تلعب فرق الأمم المتحدة دورا رئيسيا في تخطيط الانتخابات.

وستعمل منظمات مثل المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمؤسسة الدولية للنظم الانتخابية على مساعدة الجماعات السياسية والمجتمعية الوليدة، وتثقيف الناخبين. لكن المجلس الوطني الانتقالي الحاكم لم يختر بعد المسؤولين الليبيين الذين سيتولون تنظيم الانتخابات، كما لم يقرر بعد ما إذا كان سيتم السماح للموالين للنظام السابق بخوض الانتخابات.

وفي تونس، أعلن المراقبون الدوليون حرية ونزاهة الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي مع احتفالات الناخبين بالإدلاء بأصواتهم، لكن التحديات اللوجيستية في ليبيا، التي تفتقر إلى أي بنية تحتية للانتخابات، أكبر بكثير من تونس.

وتقول ماريان ماغواير، مستشارة الحكم البريطاني التي تعمل مع المجلس الانتقالي في شرق البلاد «الأسس الأولية للانتخابات هنا تختلف عن البلدان المجاورة، فالناس لا تعرف ما هي الانتخابات، وما هو الحزب السياسي، ولا كيف يتشكل، أو كيفية الاقتراع». ويبدي الكثير من المراقبين تفاؤلا حذرا حول احتمالية إجراء انتخابات نزيهة، ودعا المجلس الحاكم إلى الشفافية، في تناقض حاد مع مصر، حيث أكد الجيش الذي سيطر بعد سقوط حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي، أنه لن يسمح بإشراف مراقبين أجانب على الانتخابات التي ستعقد الشهر الجاري.

في ردهة فندق في طرابلس، قالت سلوى بوقعيقيص، المحامية التي كانت جزءا من الانتفاضة الأولى في مدينة بنغازي، بشرق ليبيا، وهي تتنقل بين الاجتماعات مع الناشطين والأكاديميين والمسؤولين السياسيين، إنها منشغلة بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات نزيهة.

وقالت: «من المهم جدا لنا أن نصل إلى الديمقراطية، إنها هدف الثورة، لكني لست على يقين من قدرتنا على إجرائها خلال ثمانية أشهر». كانت بوقعيقيص قد عادت مؤخرا من تونس، حيث راقبت هي وغيرها من الناشطات الانتخابات، التي كانت المرة الأولى التي تشاهد فيها أي منهن صندوق اقتراع أو شعار حزب، وقالت إن انتظار الناخبين لساعات في الحر للإدلاء بأصواتهم كان مثيرا، لكنها عبرت عن خشيتها من أن تمضي سنوات قبل أن يبرز كيان سياسي منظم في ليبيا، التي كانت أكثر عزلة عن العالم. وأضافت «إننا لا نعرف شيئا عن الحرية والديمقراطية، إنه تحد كبير»، وأشارت إلى أن الشرط التونسي بأن تشتمل القوائم الانتخابية بنسبة 50 في المائة على النساء لن يكون مقبولا لدى الكثير من الليبيين، بيد أن وزير العدل في الحكومة الانتقالية محمد العلاقي دعا في مؤتمر للمرأة بطرابلس يوم الأحد،، بكوتة (حصة) برلمانية للنساء تزيد على 25 في المائة.

تفكر بوقعيقيص في ترشيح نفسها للرئاسة لكنها أشارت إلى خشيتها من هيمنة الرجال، الذين يمثلون 50 قبيلة أو نحو ذلك، على أول حكومة منتخبة، ستضطلع بكتابة أول دستور في البلاد والقوانين الجديدة، والذين سيفرضون سيطرتهم الكبيرة على المجتمع. وقالت: «أتمنى ألا يحدث ذلك، لكن لا يمكنك تغيير عقلية الليبيين على الفور، فسوف يستغرق ذلك بعض الوقت».

على المدى القصير، يتوقع أن يبرز المرشحون المحتملون للرئاسة من بين أولئك الذين كانوا مرتبطين سرا إبان حكم القذافي بجماعة الإخوان المسلمين والقيادات الشعبية الشهيرة لجيش الثوار، ممن في الغالب يرتبطون بولاءات إقليمية إلى حد كبير، فعبر عشرات الآلاف من المقاتلين الثوار عن رغبتهم في التصويت لصالح شخص قاسمهم معاناتهم. فيؤكد حسام النجار، مواطن ليبي يحمل الجنسية الآيرلندية وانضم إلى جيش الثوار، إن الديمقراطية لم تكن تشغل باله خلال قتاله أثناء الطريق من الجبال الغربية إلى طرابلس.

وقال: «كنا ببساطة نقاتل من أجل الحرية، هل كنا ندخل إلى المدن ونحن نفكر في إجراء الانتخابات؟ كلا، فقد كانت المهمة الملقاة على عاتقنا في تلك الفترة تحرير أنفسنا من القذافي». لكن النجار الذي يؤسس حزبا سياسيا، يدفعه في ذلك الإحباط من نقص فرص العمل والمال والعلاج في المستشفى لمن حاربوا لإسقاط النظام، وأشار إلى أن الليبيين متلهفون لتعلم السياسة والانتخابات، لكن الأعراف الثقافية والقبلية ستؤثر في النهاية على خياراتهم، وقال: «لن تفوز في اقتراع هنا يسعى إلى دولة علمانية، بكل تأكيد»، ومن ثم أوضح أن حزبه سيعمل على تبني قيم إسلامية ديمقراطية عادلة. وفي طرابلس يعلق كثير من الأفراد آمالا كبيرة على الانتخابات، على الرغم من أن غالبيتهم يعترفون بأن ليبيا لا يزال أمامها الكثير كي تتعلمه، فيقول بشير زايد، الذي يملك متجرا لبيع الفاكهة في سوق مزدحمة: «نحن سعداء بالتصويت، وسنتعلم رويدا رويدا ما هي الانتخابات، فقد كنا جهلة لسنوات، مثل رجال العصابات، وكانت هناك قبائل تتناحر فيما بينها».

تقول فوزية التاجوري (43 عاما) التي تعمل معلمة، خلال وقوفها في سوق قريبة للأغنام: «سأعلم نفسي لأعرف ما هي الانتخابات، من خلال التلفزيون والإنترنت»، لكن سراج مفتاح (24 عاما) طالب كان يقف بالقرب منها، قاطع أصوات جمع من الناس يعبرون عن أملهم في مستقبل ديمقراطي بالقول: «الأمور لم تتضح بعد، هذه ثورة جديدة ولا يمكنك معرفة إلى أين ستتجه الأمور. الانتخابات في ذاتها ليست بالأمر الجيد، يجب أن نرى إذا كان ما سيحدث بعد الانتخابات جيدا أم لا».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»